قضاء » احكام

نقض حكم القتل.. وتأجيل قضية سائق (حافلة الموت)

في 2016/08/17

قبل نحو ثماني سنوات، تحديدا في الثالث عشر من ذي القعدة 1429 الذي يصادف يوم غد، عاش الجداويون يوما حزينا عندما شق السائق الفلبيني «رينو» بحافلة استولى عليها بالقوة طريق الحرمين عاكسا السير ليقتل أربعة، منهم ثلاثة من أسرة واحدة تصادف وجود سيارتهم العابرة أمام حافلة ريغو.

الخروج فجراً

تفاصيل الواقعة الحزينة وردت في صك أصدرته المحكمة الجزائية (وحصلت «عكاظ» على نسخة منه).. إذ استيقظ ريغو في الخامسة فجرا وخرج من غرفته حاملا مطرقة ومفكا بهدف الإجهاز على أحد العمال في سكن الخطوط السعودية بحي الخالدية شمال جدة. هبط المتهم غاضبا إلى مواقف المبنى وهشم زجاج سيارة عامل ثم استولى على حافلة ركاب تتسع لـ50 راكبا - كانت على وضع التشغيل - وبداخلها 12 من العمال. استخدم ريغو القوة والتهديد بالسلاح وانتزع الهواتف من أيدي الركاب وأرغمهم على الجلوس ثم قاد حافلة الموت إلى طريق الملك عبدالعزيز بسرعة جنونية مفرطة متجاوزا تقاطعات عديدة: طريق الملك عبدالعزيز مع طريق صاري، شارع الند، طريق الأمير نايف، حراء، حتى وصل بحافلته إلى منطقة الكرة الأرضية في مسافة تقدر بـ15 كيلومترا.

الهروب من الموت إلى الموت

في الرحلة المرعبة، أسقط ثلاثة ركاب أنفسهم من النافذة في محاولة للإفلات من الموت غير أن أحدهم لقي حتفه في الحال، فيما أصيب اثنان من رفاقه بجروح خطيرة. واصلت حافلة الموت طريقها في رحلة الـ15 كيلومترا نحو جسر الصالة الملكية واستمر «ريغو» في الرحلة المرعبة محاذيا مدرج المطار مقتحما نقطة تفتيش في محيط المطار مواصلا السير حتى جسر الحجاج بمسافة 13 كيلومترا، ثم سلك طريق الحرمين عاكسا الاتجاه حتى جسر فلسطين، وهي المسافة التي قدرتها الجهات المعنية بنحو 22 كيلومترا.. واصطدمت حافلة الموت بسيارات عدة ونتج عن ذلك مقتل شاب ووالدته وشقيقته عمدا وعدوانا طبقا للمدعي العام الذي طالب بقتل السائق «ريغو» حدا على اعتبار أن ما أقدم عليه يعد «ضربا من الحرابة والإفساد في الأرض وترويع الآمنين».. وأصدرت المحكمة العامة في جدة وقتذاك حكما بقتل المتهم تعزيرا.

المحكمة العليا استلمت قرار الاستئناف وقضت بنقض الحكم بعد دراسة الأوراق وتدقيق الحيثيات لتعود القضية إلى نقطة الصفر وتشكلت دائرة قضائية للنظر في الدعوى مجددا. وعقدت الدائرة أولى جلساتها أمس لدراسة ملف القضية ورفعت جلستها إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى.

الحكم بنقض القصاص والقتل تعزيراً

خلصت اللجنة القضائية بعد مداولاتها إلى إصدار أحكام نصت على أنه: لشناعة ما أقدم عليه السائق فقط ثبت لدينا إدانة السائق بقتل كل من سعد محمد عائض وعائضة عوض العمري والمة محمد القرني ووحيد دود مياة، وذلك بطريق الخطأ وعليه فقد حكمنا ‏بما يلي: أولا: صرف النظر عن مطالبة القصاص من المتهم لعدم توافر شروطه. كما صرفنا النظر عن مطالبة المدعي العام بقتل السائق حداً لعدم توافر شروطه ثانيا: إلزام المدعى عليه بدفع جميع المبالغ ‏المقررة في التلفيات والتي تقارب ٢٥٠ ألفا. ثالثاً: قتل المدعى عليه تعزيراً وبجميع ما سبق حكمنا بالإجماع وأيدت محكمة الاستئناف الحكم.. و في وقت لاحق قررت المحكمة العليا نقض الحكم وإعادته من جديد إلى دائرة قضائية جديدة عقب قبول الاستئناف الجديد المبني على تقارير طبية.

السائق: سمعت أصواتاً غريبة فحملت مطرقتي!

ريغو السائق المتهم بالدهس والقتل العمد، أفاد المحققون والمحكمة أنه استقدم للعمل في الخطوط السعودية كسائق في أكتوبر ٢٠٠٨م ، وانتابته حالة قلق على أسرته في الفلبين.

وفي فجر الحادثة سمع أصواتا بالغرفة المجاورة فحمل مطرقة و مفكاً لحماية نفسه من الأصوات والتخيلات ثم توجه إلى غرفة الأصوات المزعومة وطرق بابها لمعرفة مصدر الأصوات. ثم استولى على الحافلة بالقوة وتحت تهديد السلاح الأبيض سالكا طريق الموت. وبعد تضييق الخناق عليه بواسطة الدوريات ترجل من الحافلة، محاولا الفرار على قدميه ليتم ضبطه واعترف بمسؤوليته بما نسب إليه من اتهام.

تقارير الفلبين تؤكد سلامته .. والمصحة : بل مصاب بالفصام!

تلقت المحكمة تقارير طبية تفيد بسلامة السائق واجتيازه الفحوص الطبية قبل تسلمه للعمل، إضافة إلى اجتيازه دورات في عمله. كما قدمت تقارير طبية صادرة من مستشفيات بالفلبين تؤكد سلامة السائق من أي أمراض، وجرى الاطلاع على التقرير الطبي الصادر من مستشفى الصحة النفسية بمحافظة الطائف والذي نص «القرار والتوصيات يعود لمرجعه مع العلاج ، نظرا لما يعانيه المذكور من مرض عقلي (الفصام ) وما يصاحبه من أفكار ومعتقدات خاطئة وسوء في الحكم على الأمور وتقدير عواقبها، ‏ترى اللجنة أن تخفف المسؤولية الجنائية في قضيته الحالية. وتوصي اللجنة بمتابعة حالته النفسية أثناء وجوده في السجن والالتزام في إعطائه العلاج، كما أنها توصي وبعد انتهاء قضيته ورفع الحراسة عنه بترحيله إلى بلاده، حتى يكمل علاجه هناك»‏. وجرى عرض التقرير الطبي على المدعي بالحق الخاص فأجابوا قائلين «إن التقرير يتعارض مع التقارير الطبية الصادرة في حق المدعى عليه حين قدومه للمملكة».

الجندي الشاهد : سيطرت عليه رغم إشهاره السكين

حضر للشهادة جندي ميداني في الدوريات الأمنية، وقال أمام المحكمة:

«أثناء سماعي لنداء جهاز العمليات وبتوجيه من ضابط الميدان بنزول جميع الدوريات على طريق الحرمين، وأثناء نزولي من كبري التحلية باتجاه الشمال ‏لاحظت المدعى عليه في الحافلة عاكسا الطريق باتجاه الجنوب، وقمت بعكس الطريق خلفه وكانت سرعتي تبلغ ١٤٠كيلومترا في الساعة، وحاولت استيقافه باستخدام المنبهات الصوتية حتى أرغمه على التوقف، إلا أنه واصل سيره عاكسا الخط الأيمن، ثم حاولت تجاوزه، إلا أنه كان يضايقني كي ارتطم بالسيارات المقابلة والهاربة. ‏ثم أخذ المسار الأوسط لينهي مشوار عكس الطريق بحادثة مرورية سقط ضحيتها اثنتان من النساء وسائق. وبعد توقفه لاذ بالفرار على قدميه شرق الخط السريع ولاحقته فحاول تهديدي بسكين غير أنني نجحت في السيطرة عليه، وتقييده وحمله إلى الدورية».

قلب الأب أنقذ «إبراهيم».. و«الحرس» حلم لم يتحقق

محمد عايض القرني، فقد أسرته في الحادثة الأليمة، ولم يبقَ من عقد الأسرة غير ابنه إبراهيم الذي تخلف عن رحلة الموت.. فقد خشي عليه الأب أن يصيبه مكروه في الطريق، فهو آخر العنقود.. فقد القرني زوجته وابنه وابنته حينما دهمت الحافلة المجنونة سيارتهم الصغيرة وجها لوجه على طريق الحرمين.

يروي القرني لـ «عكاظ» تفاصيل اليوم الحزين مكفكفا دموعه: كان من المقرر أن يرافق ابني الصغير إبراهيم والدته وشقيقه في تلك الرحلة من بلقرن إلى جدة، غير أن إحساسا نما داخلي فمنعته خشية أن يصيبه مكروه في الطريق، فابقيته معي في «الديرة» لكن الخوف تحقق بالفاجعة.

يضيف القرني: بعد أن فقد أسرته، وبعد كل هذه السنوات تخرج إبراهيم من الثانوية العامة، ومازال يحلم بتحقيق أمنية والدته الراحلة بالالتحاق بالحرس الوطني. ظلت والدته الراحلة تحثه على ذلك حتى رحلت في فاجعة الحافلة، وننتظر اليوم تنفيذ حكم القتل في السائق بعد أن عادت القضية إلى نقطة الصفر .

عكاظ السعودية-