اعتبر محللون وكتاب سعوديون، الصمت الرسمي بالمملكة حول حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر، الذي رفض اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، والذي ينقل تبعية جزيرتي «تيران وصنافير» إلى المملكة، بأنه «شأن داخلي مصري».
وأكد المحللون والكتاب، ثقتهم في سعودية الجزيرتين، مشيرين إلى ترقبهم لموقف الحكومة والبرلمان المصريين من تلك القضية، بحسب «الأناضول».
ولفتوا إلى أن هناك «تطابقاً» رسمياً بين الرياض والقاهرة في تبعية الجزيرتين للسعودية، معربين عن ثقتهم في أن «الحق سيعود لأصحابه»، مشيرين إلى أن اللجوء للتحكيم الدولي قد يكون حل إذا سدت الطرق.
يشار إلى أنه لم يصدر أي بيان أو تعليق رسمي سعودي يعلق على الحكم الصادر أمس، حتى اليوم، كما تجاهلته وسائل الإعلام الرسمية المكتوبة والمرئية سواء في المواقع الإلكترونية أمس، أو الصحف الصادرة اليوم.
ثقة سعودية
وفي تفسيره للصمت الرسمي السعودي على الحكم، قال الكاتب والمحلل السياسي «جميل الذيابي» رئيس تحرير جريدة «عكاظ»: «السعودية دائما ليست دولة متسرعة ولا تقبل عملية المساجلات والجدل البيزنطي مع الآخرين، طالما هي واثقة بما لديها، وواثقة من أنها على حق، وتعرف ما لديها وموثق تاريخيا بملكيتها للجزيرتين».
وتابع: «المملكة سياسيا ليس متسرعة، تفضل أن تناقش الأمور بعيد عن حالة الغضب، والقضاء المصري عندما يصدر حكم هذا شأن داخلي مصري، ولكن على صعيد الشأن الدولي المملكة لن تفرط فيما هو لها».
وأوضح أن «الحكومة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي قال علانية بسعودية الجزيرتين».
وتابع: «عندما زار خادم الحرمين الشريفين مصر في أبريل/ نيسان الماضي، كان هناك اتفاق رسمي واضح بملكية تيران وصنافير للسعودية، وأخرج الكثير من العسكريين والمثقفين والمؤرخين وثائق تثبت ذلك، كما أكدت الأمر ذاته صحف وفضائيات مصرية».
وأكد أن «الوثائق كشفت أن تيران وصنافير تعود ملكيتها للسعودية، وأن المملكة جعلت مصر تستفيد منها في الحروب ضد إسرائيل كموقف عروبي من المملكة».
وعن التأثير المتوقع للحكم، قال الذيابي: «أعتقد أن هذا الموضوع لن يغير شيئا، بقدر ما يحاول أن يسئ للعلاقة بين الدولتين».
واعتبر أن «الحكم القضائي يسهم في توتير العلاقة بين الدولتين، وهذا ليس من مصلحة أحد، فمصر والسعودية بلدان عربيان أشقاء بينهما روابط كبيرة وقواسم مشتركة، ولا يمكن الضرب في هذه العلاقة مهما حاول البعض».
وحول دعوة البعض اللجوء للتحكيم الدولي لحسم الأمر، قال «الذيابي»: «إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، لابد من الذهاب لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، أو اللجوء لوسطاء لحلحلة هذا الأمر، والانتهاء من مشكلة حدودية لم تكن مشكلة أصلا، ولا أحد يود إيصالها لطريق لا تتمناه المملكة ولا مصر أيضا ترغب فيه».
شأن مصري
واتفق الكاتب السعودي «سعود الريس»، رئيس تحرير الطبعة السعودية من صحيفة «الحياة»، مع «الذيابي» في تفسير الصمت الرسمي حول الحكم في كون أن «المملكة تعتبره شأنا مصريا».
وأضاف: «أي مواطن له الحق أن يقاضي حكومته، ولكن أن يكون الحكم ملزم او غير ملزم، هذا شأن جهات أخرى تبت فيه، والقضية ما زال يناقشها البرلمان المصري».
وتابع : «الحكم شأن داخلي، والسعودية تعمل وفق أطر رسمية وفق معاهدات واتفاقات دولية»، مشيرا إلى أن «السعودية تراقب وتشاهد ماذا يحدث على اعتبار أن الأمر شبه محسوم على الصعيد الرسمي».
ولفت «الريس» إلى أن «الموقف الرسمي السعودي والمصري متطابقين على قضية سعودية الجزر، ولكن كل ما سيحدث هو تأجيل البت في مستقبل الجزيرتين، وهناك ثقة بأن الحكومة المصرية قادرة على التعامل مع هذا الملف».
وأكد أن «السعودية قدمت الوثائق ولديها وثائقها التي تؤكد ملكيتها للجزيرتين ولا اعتقد أن الأمر سيصل بين البلدين لمرحلة تازيم الموضوع، وفي النهاية الحق لا بد ان يعود لأصحابه».
واتهم «الريس» من أسماهم «مغرضين» بالسعي لتأزيم القضية عبر «الشحن والتجييش الإعلامي».
وأكد أن «التصعيد ليس من مصلحة السعودية ولا مصر.. نحن نتحدث عن أمة عربية، ليست بحاجة لمزيد من الفرقة والتشظي، وهذا التصعيد لن يخدم أحد».
واعتبر أنه ليس هناك حاجة للجوء للتحكيم الدولي طالما «لا يوجد خلاف على الصعيد الرسمي، وبالتالي لا يوجد داعي للتقاضي».
حدود دولية
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السعودي الدكتور «خالد الدخيل» أن «هناك نوع من اللعب بالمفاهيم داخل مصر، يعني القضاء المحلي المصري له الأولوية في القضايا التي تخص مصر، ولكن هذه قضية حدود، وتخضع للقانون الدولي».
وتابع: «ي قضية ليست محل تنازع بين مصر والسعودية، لأن الحكومات المصرية منذ عام 1950 وحتى الآن، لا تتعامل معها أنها قضية تنازع حدود، هي قضية محسومة، حتى من قبل الحكومات المصرية».
وفي تفسيره للحكم، قال «الدخيل»: «يبدو لي أن المحكمة المصرية انطلقت من مسألة دستورية من أنه لا يجوز التنازل عن سيادة مصرية على أرض مصرية، لكن هذا التعريف، لا ينطبق على تيران وصنافير لأنها سعودية».
وحول إمكانية اللجوء للتحكيم الدولي لحسم الأمر، قال «الدخيل»: «هذا سيعتمد على ماذا سيكون موقف الحكومة المصرية بعد قرار المحكمة، الحكومات المصرية جميعها متفقة على أن هذه الجزر تعود للسعودية، فبالتالي هناك مشكلة داخل مصر نفسها، بين مؤسسات الحكومة المصرية، وبين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية».
وأوضح أن «السعودية لا تريد أن تعلق على الحكم لأنها عملية تنازع داخل الحكومة المصرية، وتنتظر ماذا سيكون موقف الحكومة وماذا سيكون موقف البرلمان».
وتابع: «صدور الحكم سيضع قيودا على مناقشات البرلمان ، فهل ستستمر الحكومة بطلب تصويت البرلمان، وكيف يتم هذا، ولكن الأهم ما هو موقف الحكومة من هذا الحكم، ولكن يبدو لي انه قد يكون هنا في النهاية لجوء للمحكمة الدولية، وهذه ستكون واقعة غريبة، حيث أن الحكومة السعودية ستأخذ الحكومة المصرية للمحكمة الدولية وليس بينهم خلاف على هذه القضية، بل هم متفقتين على سعودية الجزيرتين».
وأمس، حسمت المحكمة الإدارية العليا في مصر (أعلى جهة للطعون الإدارية وأحكامها نهائية)، النزاع حول مصير جزيرتي «تيران وصنافير»، التي وقعت القاهرة والرياض اتفاقا، في إبريل/نيسان الماضي، تؤول بموجبه السيادة على الجزيرتين بالبحر الأحمر، للسعودية، وقضت دائرة الفحص بالمحكمة الإدارية العليا، ببطلان الاتفاقية الموقعة بين البلدين المعروفة إعلاميا باسم «تيران وصنافير».
وأثارت اتفاقية ترسيم الحدود التي وقعت خلال زيارة العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» للقاهرة احتجاجات واسعة في مصر، إذ اتهمت جماعات معارضة لـ«السيسي» بالتنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير» مقابل استمرار المساعدات السعودية.
فيما تدافع الحكومة المصرية عن الاتفاقية بالقول إن «الجزيرتين تتبعان السعودية وخضعت للإدارة المصرية عام 1967 بعد اتفاق ثنائي بين القاهرة والرياض؛ بغرض حمايتها لضعف القوات البحرية السعودية، آنذاك، وكذلك لتستخدمها مصر في حربها ضد (إسرائيل)».
ورفضت الحكومة المصرية إجراء استفتاء بشأن الاتفاقية، واعتقلت مئات النشطاء الذين قاموا بمظاهرات احتجاج سميت بـ«مظاهرات الأرض».
ومن المتوقع أن يزيد الحكم من تفاقم التوتر بين الرياض والقاهرة، وسط توقعات باستمرار القطيعة بين البلدين على خلفية أزمة الجزيرتين.
وتعتبر المملكة أن ما حدث في مسألة جزيرتي تيران وصنافير خداعا متعمدا للملك «سلمان بن عبدالعزيز»، الذي زار القاهرة مطلع أبريل/ نيسان الماضي، ووقع عددا من الاتفاقات التي كان في مقدمتها تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي «تيران وصنافير»، في مقابل مساعدات اقتصادية سعودية.
وشملت المساعدات تزويد مصر بمشتقات بترولية، واستثمارات مباشرة، ووديعة في المصرف المركزي لدعم الاحتياطي النقدي، لكن مصر أوقفت تسليم الجزيرتين في أعقاب تظاهرات غاضبة، وتحركات قضائية قام بها معارضون مصريون أسفرت عن حكم قضائي بوقف الاتفاقية.
وتقول مصادر مطلعة، إن ولي ولي عهد المملكة الأمير «محمد بن سلمان» اشترط تنفيذ اتفاق الجزيرتين، قبل اتخاذ أية خطوة نحو تصحيح العلاقات بين البلدين، مشددة على أن «بن سلمان» كان يراهن على تقديم نفسه للمجتمع السعودي، بشكل مختلف بعد تسلم الجزيرتين، واستغلالهما في زيادة أسهمه.
وبحسب المصادر، حاول عدد من الشخصيات العربية البارزة تأدية دور الوساطة في تقريب وجهات النظر، إلا أن هذه المحاولات قوبلت بالرفض، كما فشلت وساطات دول خليجية أبرزها الإمارات والكويت والبحرين في إنهاء الأزمة بين البلدين.
وكالات-