دانت المنظمات الدولية وبعض الأطراف المحلية، عقوبة الإعدام التي جرت الأسبوع الماضي في الكويت، بحجة أنها وحشية كانت تُمارس في العصور القديمة ويجب أن تتوقف. فهل حقا عقوبة الإعدام وحشية وغير إنسانية ويجب أن تتوقف؟ كتبت قبل سنوات عدة، مقالة بهذا الخصوص وأعيدها اليوم مع بعض التصرف لتناسب ما حدث في الأسبوع الماضي:
صدر عن منظمة العفو الدولية تقرير جديد عن حالات الإعدام خلال العام الماضي (في العام 2011) تورد فيه إن نحو 2400 حالة سجلت من بينها 1718 شخصاً في الصين. وتضيف: العالم بات أقرب إلى إلغاء العقوبة... لأن العفو الدولية والمنظمات الإنسانية الأخرى تصنف الإعدام على أنه «عقوبة وحشية دموية لا إنسانية»، وهذا ما دفع بالوكالات الاخبارية والدولية كإذاعة «بي بي سي» لتُكثر من ترديد الخبر ومن لقاءاتها مع الناس حول الموضوع وتزيد من كفة الانتقاد والتجريح ضد العقوبة على حساب وجهة النظر المقابلة.
ما يلفت النظر أن حديث هذه الوكالات والمنظمات التي تطلق على نفسها «إنسانية» عن عقوبة الإعدام، يحمل نوعاً من اللبس وأظنه لبساً مقصوداً. دعني أشرح ما أقصده باللبس المتعمد. جاء في التقرير، إن غالبية الأحكام الصادرة بالإعدام في العام الماضي كانت أحكاماً قضائية «جائرة»، وهي غالباً ما تكون موجهة بحق الأقليات والمعارضة السياسية.
الملاحظة على هذا الكلام، أن الأحكام القضائية «جائرة»، بمعنى أنها محاكمات تخدم أهدافاً سياسية للسلطات ضد المعارضة وضد الأقليات السياسية. وهذا يدفعنا لنتساءل: حينما تكون المحاكمات جائرة، فهل هذا يجعلنا نستنتج ونتوصل إلى أن العقوبة وحشية؟
ما أقصده أن التقرير انتقل من الحديث عن المحاكمات الشكلية السياسية والأحكام القضائية الجائرة حسب ادعاء «AMNESTY Intl» بحق المعارضة، ثم تقفز فجأة إلى نتيجة مفادها العقوبة رجعية ووحشية وتخلو من الحس الإنساني! فما ذنب العقوبة إن كانت المحاكمات سيئة؟
للتوضيح وكمثال على ما أريد، حديث كلام المنظمة هذا كمن يريد أن يقنعنا بأن حوادث مرور العام الماضي تسببت بكذا وكذا من حالات الوفاة والإصابات المستديمة، لينتقل بعدها مباشرة إلى أن السيارة وسيلة نقل قاتلة ويجب التخلص منها وضرورة العودة لزمن الحمير والبغال! ألا تبدو سذاجة كبيرة! فالعربة وسيلة نقل والعتب والجريمة يتحملهما الإنسان القائد للمركبة لا المركبة. هذا بالضبط ما ينطبق على عقوبة الإعدام، فما ذنب العقوبة إن كان ثمة قضاة غير عادلين؟ ولو فرضنا المحاكمات غير عادلة، فهل لو خففت العقوبات فسيكون ذلك دليلاً على عدالة ونزاهة المحاكمات؟ أليست القاعدة القانونية تقول، العقوبة بقدر الجريمة؟ فان كانت العقوبة اكثر من الجريمة ظلم للجاني، كذلك العقوبة إن كانت أقل من الجريمة فذاك ظلم للمجتمع.
ثم لو نظرنا إلى كلامهم هذا واعتماداً على ما سبق، أليس كلامهم هذا إقراراً بأنه في حال لو لم تكن الأحكام جائرة وغير عادلة والقضاة عادلين ومنصفين، ألا يعني ذلك أن الإعدام عقوبة مقبولة وصحيحة لأنها جرت وفق محاكمات عادلة وصحيحة؟
أما الأمر الآخر فيتعلق بحق من تنزل به عقوبة الإعدام. أرجوك، ما العقوبة المناسبة لوحش على هيئة إنسان كستالين أو صدام؟ ألا تظن أن عقوبة الإعدام بهؤلاء الوحوش قليلة؟
أضف لذلك أن الإعدام عقوبة لها تأثير على طرفين مهمين في المجتمع الإنساني. الطرف الأول أنها وسيلة تخويف مهمة جداً لمن في قلبه مرض وله قابلية ومستعد ليُقدِم على الجريمة، فهذه العقوبة غالباً ما تكون درساً ومشهدا رادعا لأولئك كي تصدهم عما يُمكن أن يُقدموا عليه. أما الطرف الثاني لهذه العقوبة فهم ضحايا هذه الجرائم. فالمجتمع يشعر بأمان أكثر في ظل عقوبة شديدة كالاعدام مقارنة بالمجتمع نفسه الذي يفتقد هذه العقوبة.
على كل حال، عقوبة الاعدام تكون صحيحة في حال طُبقت على محاكمات قضائية مكتملة الأركان وبعيدة عن السياسة. أما في حال ضعف الأدلة أو لأسباب سياسية، فهذا ما لا شأن لي به لأنها في هذه الحالة نقول بأن أي عقوبة ستنزل، سواء أكانت مشددة أم مخففة، فهي في الحالتين «خطأ إجرائي».
د. حسن عبدالله عباس- الراي الكويتية-