السفير اللبنانية-
في اليوم الثاني من العام الجديد، قرَّرت السعودية، من دون سابق إنذار، تنفيذ أكبر أحكام إعدام منذ العام 1980، طالت أبرز المعارضين لنظام العائلة الحاكمة، الشيخ نمر باقر النمر، إلى جانب 46 شخصاً آخرين، في خطوةٍ صعّدت الاحتجاجات ضدّ النظام السعوديّ، وأدّت إلى خروج تظاهرات مندّدة في عددٍ من دول العالم.
«إشعال الفتنة الطائفية»، و «الخروج على ولي الأمر»، فضلاً عن قيادة الاحتجاجات في المنطقة الشرقية، هي أبرز التهم الموجّهة إلى الشيخ النمر، الذي حُكم عليه بالإعدام في تشرين الأول العام 2014.
بيان وزارة الداخلية السعودية بدأ بآيات قرآنية توضح عقوبة من وصفتهم بـ «المفسدين في الأرض»، وعرض التلفزيون لقطات لمشاهد أعقبت هجمات تنظيم «القاعدة» خلال السنوات العشر الأخيرة. وبعد بثّ البيان، ظهر مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ، على شاشات التلفزيون ليصف أحكام الإعدام بأنّها «عادلة».
والمفارقة أنَّ معظم من أُعدموا، ومجموعهم 47 شخصاً، أدينوا، بحسب السلطات، في هجمات لتنظيم «القاعدة» في السعودية منذ عقد مضى، ولكن هناك أيضاً أربعة شيعة هم الشيخ النمر، ومحمد الشيوخ، ومحمد صويمل، وعلي آل ربح، اتّهموا بإطلاق الرصاص على رجال الأمن خلال الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة الشرقية في العام 2011.
وتعتبر أحكام الإعدام التي نفذت يوم السبت، الأكبر منذ العام 1980، حين أعدمت المملكة 63 شخصاً اقتحموا الحرم المكّي في العام الذي سبقه. حينها، قام نحو 400 إسلامي، بقيادة جهيمان العتيبي، بحصار المسجد الحرام في مكة في تشرين الثاني 1979، في عملية هزّت البلاد، وانتهت بتدخّل القوّات السعوديّة، ما أدّى إلى مقتل 127 جندياً و117 مسلحاً وعدد من المدنيين.
وأوضحت «هيومن رايتس ووتش»، أنَّ الإعدامات مطلع 2016، «تلي تسجيل أعلى عددٍ من الإعدامات السنوية خلال عام، مع 158 إعداماً في 2015».
ومن بين الذين أعدموا، عددٌ من الشخصيّات البارزة في تنظيم «القاعدة»، ومنهم مدانون بالمسؤولية عن هجمات على مجمّعات غربية ومبانٍ حكوميّة وبعثات ديبلوماسيّة، أسفرت عن مقتل المئات في الفترة بين العامين 2003 و2006.
وتضمّ اللائحة أيضاً المدعو فارس آل شويل، الذي كانت وسائل إعلام سعودية قد قدّمته على أنّه رجل دين متطرف في تنظيم «القاعدة»، أوقف في آب العام 2004.
والمحكومون هم 45 سعودياً ومصري وتشادي، أعدموا في 12 مدينة في المملكة. وقد صدرت عليهم أحكام بالإعدام، كما تقول السلطات، في قضايا عدّة، خصوصاً لتبنّيهم الفكر «التكفيري» المتطرف، والالتحاق «بمنظّمات إرهابيّة»، وتنفيذ «مؤامرات إجراميّة».
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية، منصور التركي، إنَّ «التنفيذ تم داخل السجون.. في بعض المناطق بالسيف ومناطق أخرى رمياً بالرصاص»، مضيفاً أنّه «تم تمكين المحكوم عليهم بكتابة وإثبات وصاياهم».
وأكَّد التركي أنَّ «قوات الأمن في المملكة لن تتوانى إطلاقاً عن متابعة وملاحقة كل من يرتكب هذه الأعمال أو حتّى ينضم لهذه الجماعات أو يؤيدها بأي صورة كانت، وسيكون مصيره في نهاية الأمر هو الإحالة إلى القضاء».
وعزّزت قوات الأمن السعودية الإجراءات الأمنيّة في القطيف شرق المملكة، حيث تظاهر مئات الأشخاص احتجاجاً على إعدام الشيخ النمر، الذي أعرب شقيقه، محمد النمر، عن أمله أن يكون أيّ رد فعل سلميّاً.
من جانب آخر، أكَّدت البحرين تضامنها مع السعودية ووقوفها إلى جانبها «في كل ما تتخذه من إجراءات رادعة ولازمة لمواجهة العنف والتطرف»، وذلك في بيان نشرته وكالة الأنباء البحرينية الرسميّة.
ويوم أمس، اندلعت مواجهات عنيفة بين الشرطة البحرينية ومتظاهرين يحتجون على إعدام الشيخ النمر، ما تسبب بسقوط عدد من الجرحى، جراء استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي ضدّ المحتجين.
وتركَّزت المواجهات الأكثر حدّة في سترة غرب المنامة، حيث نزل حوالي 400 شخص إلى الشارع. أمّا في دراز، فاستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضدّ المحتجين الذين قاموا بقطع أحد الشوارع.
وأكدت وزارة الداخلية توقيف عدد من المشاركين، وبينهم قاصرون، في الاحتجاجات التي بدأت أمس الأول، استناداً إلى تحذير كانت قد أصدرته بشأن أيّ «إساءة» توجّه في البحرين إلى الأحكام التي تمّ تنفيذها في السعودية.
في الإطار نفسه، أكَّد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان «تأييد دولة الإمارات الكامل ووقوفها الراسخ والمبدئي مع المملكة العربية السعودية الشقيقة في ما تتخذه من إجراءات رادعة لمواجهة الإرهاب والتطرف»، بحسب بيان نشر على وكالة الأنباء الإماراتية.
وأوضح أنَّ «قيام السعودية بتنفيذ الأحكام القضائية بحقّ المدانين، هو حقّ أصيل لها بعدما ثبت عليهم بالأدلة والبراهين الجرائم التي ارتكبوها»، مشيراً إلى أنَّ «ما قامت به المملكة، إجراء ضروري لترسيخ الأمن والأمان لكل أبناء الشعب السعودي، والمقيمين على أرضها».