قضاء » احكام

محاكمات الإرهاب وعمليات الإعدام في السعودية

في 2016/01/18

لوري بلوتكين بوغارت- معهد واشنطن-

يوم الثلاثاء المنصرم، رد زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري على قيام السلطات السعودية بإعدام سبعة وأربعين شخصاً بتهم متصلة بالإرهاب، بحث السعوديين على الإطاحة بأسرتهم المالكة. ولا تزال عمليات الإعدام التي نُفّذت في الثاني من كانون الثاني/يناير تثير الجدل إزاء سبب تنفيذها الآن وما هي الرسائل التي من المفترض أن ترسلها. ولذلك فمن شأن فهم محكمة الأمن التي أدانت هؤلاء الأفراد في الأصل أن يوضح سياق هذه القضايا.

أَنشأَت المملكة العربية السعودية "المحكمة الجزائية المتخصصة" في عام 2008 لمعالجة مشكلة تراكم القضايا الأمنية. فقد كانت سلسلة من الهجمات التي شنها تنظيم «القاعدة» قد هزت المملكة في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة وكان قد تم اعتقال حوالي تسعة آلاف فرد على مر السنين وفقاً لما تشير إليه الأرقام السعودية. وقد شارك بعض المعتقلين في برامج إعادة تأهيل وطنية جديدة في السجن ثم أطلق سراحهم، بينما بقي آخرون في السجن لسنوات.

في ذلك الوقت، نشأت تساؤلات حول سبب انتظار الحكومة خمس سنوات بعد أولى الهجمات الكبيرة لـ تنظيم «القاعدة» في عام 2003 لإنشاء المحكمة. أما برامج إعادة التأهيل، فقد بدأت من جهتها في عام 2004. ويرى البعض أن الرياض كانت تعتبر أن الدعم الذي يحظى به تنظيم «القاعدة» في المملكة يشكل تهديداً أمنياً خطيراً وأن محاكمة المتهمين المنتمين إلى التنظيم في وقت مبكر كان يمكن أن يكون خطيراً. ووفقاً لطريقة التفكير هذه، يمكن القول إنّ  إنشاء المحكمة أشار إلى أن الحكومة أصبحت تعتقد أنها هزمت إلى حد كبير تنظيم «القاعدة» داخل البلاد وأنها نجحت في تقليص هذا الخطر.

لقد حاكمت المحكمة أكثر من ستة آلاف متهم بتهم الإرهاب منذ إنشائها وفقاً للبيانات السعودية، وقلّما كانت تصدر أحكام براءة. وكانت جلسات المحاكمات مُغلقة بشكل عام وعانت من عدم مراعاة الأصول القانونية، حيث كان يُحرَم المتهمون أحياناً من الحصول على محامين في أوقات حرجة. وقد تم ربط غالبية من تمت محاكمتهم على مر السنين بمؤامرات تنظيم «القاعدة» القديمة التي تعود إلى منتصف العقد الماضي - هذا إذا كانت الحالات الفردية التي تم الإعلان عنها ممثلةً لجميع الحالات في المحكمة. وقد شملت بعض الحالات الأحدث أنصاراً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»).

كما أدانت محكمة الأمن عدداً كبيراً من السعوديين الذين لم يُتّهموا باتصالهم بالعنف، إنما كانت خطبهم أو كتاباتهم أو أنشطتهم الأخرى غير ملتزمة ببعض القواعد السياسية والدينية أو غيرها من القواعد الحكومية. وقد شمل ذلك ناشطين مدنيين سنة وشيعة وكذلك غيرهم من المواطنين غير الناشطين. وفي شباط/فبراير 2014، صدر قانون جديد ربط هذه الأنواع من السلوكيات بالنشاط الإرهابي في إطار تعريف واسع للإرهاب. ووفقاً لتقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية نقلاً عن نشطاء حقوق الإنسان، تلقى قضاة محكمة الأمن تعليمات ضمنية بإصدار أحكام قاسية بحق الناشطين والإصلاحيين والصحفيين والمعارضين.

أما بالنسبة إلى عمليات الإعدام التي نُفذت في أوائل كانون الثاني/يناير، فقد جاءت بعد تصاعد الإدانات العلنية لمقاتلين والتي كان قد بدأت في أواخر عام 2013 وفقاً لبعض التقارير. ففي ذلك الوقت، كانت بواعث القلق تتزايد بشأن عدد المواطنين السعوديين الذين كانوا يغادرون البلاد للتوجه إلى ساحة القتال السورية، واحتمال توجيه جهودههم نحو التخطيط لهجمات إرهابية في ديارهم في المملكة. وبحلول آذار/مارس عام 2014، كانت الرياض قد أعلنت عن اكتشاف أعضاء سعوديين في تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا يتعاونون مع سعوديين داخل المملكة لتدبير مؤامرات ضد الحكومة. ومنذ أواخر عام 2014 شنّ سعوديون وغيرهم من ذوي الصلة بـ تنظيم «داعش» داخل المملكة حملة إرهابية واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد شملت تفجيرات مساجد تسببت بسقوط قتلى.

ويشكّل تنفيذ أحكام الإعدام بحق ثلاثة وأربعين فرداً متصلاً بمؤامرات قديمة لـ تنظيم «القاعدة» أحدث تكتيكات محاربة الإرهاب في المملكة العربية السعودية. وكما فعلت الإعلانات التي صدرت مؤخراً عن إدانة المقاتلين والمتشددين، تبعث أحكام الإعدام برسالة إلى السعوديين مجدداً بأنّه لن يتم التغاضي عن النشاطات الإرهابية سواء تلك الصادرة عن تنظيم «الدولة الإسلامية» أو غيره داخل المملكة. فكما حذّرت وزارة الداخلية السعودية عندما أعلنت للمرة الأولى عن أحكام الإعدام: "أي شخصٍ يحاول [ارتكاب] ... هذه الجرائم الإرهابية الإجرامية، سينال العقوبة القانونية نفسها".

عند النظر في إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، من المهم أن نأخذ في الاعتبار المخاوف السعودية المذكورة أعلاه بشأن إنشاء محكمة الأمن في وقت مبكر. وربما كان من الأسباب الرئيسية لإدراج الشيخ وثلاثة شيعة سعوديين آخرين في مجموعة الأفراد السبع والأربعين هو "تحقيق التوازن" إزاء إعدام السنة الثلاث والأربعين المرتبطين بـ تنظيم «القاعدة». وقد شمل ذلك تهدئة استجابة المحافظين المتشددين في المملكة من جهة والتقرب من المواطنين ذوي الأغلبية السنية الأوسع في المملكة من جهة أخرى.

ولربما كان الجانب التحذيري لعملية إعدام الشيعة الأربعة هو بعث رسالةً ثانوية هامة للناشطين الشيعة السعوديين (وغيرهم). فالقلق مرتفع بشأن احتمال تكثيف إيران لأنشطتها المزعزعة للاستقرار في العالم العربي، بما في ذلك في دول الخليج. وهناك عدداً من الشيعة الآخرين غير المدرجين بين السبع والأربعين ما زال على ذمة أحكام بالإعدام، علماً أنّ بعضهم كانوا قاصرين في وقت إلقاء القبض عليهم.

هناك تحديات خارجية خطيرة بقيادة إيران تُقلق الرياض. ومع ذلك، يبقى الأمن والاستقرار الداخليان على رأس أولويات السعودية، وقد نُفذت عمليات الإعدام أولاً وقبل كل شيء لكي تبعث البلاد برسالة إلى شعبها في الداخل. وبالإضافة إلى تحذير الناشطين وغيرهم، لربما جاءت عمليات الإعدام كاستجابة بصورة جزئية لضغوط محلية داعية إلى إظهار صرامة تجاه التطرف - وعلى وجه التحديد لمن يحاول التكهن سبب عدم تنفيذ العقوبات ضد المدانين التابعين لـ تنظيم «القاعدة» من قبل. كما قد تكون القيادة قلقةً أيضاً بشأن ضعف الدعم داخل المملكة للحرب في اليمن. وبينما تخفض الرياض الإعانات الحكومية وتستعد لفرض رسوم غير مألوفة في الداخل بسبب التراجع الكبير في عائدات النفط، سوف تتخذ المملكة تدابير أخرى للحفاظ على الأمن.