قرأت التقرير الذي كتبه حبيبنا وأستاذنا الدكتور عثمان الصيني يوم أمس تحت عنوان «في سجن الحائر عتاة ومترددون ومغررون».
ولأن التقرير اتخذ السرد وسيلة لإظهار ما الذي يحدث في سجن الحائر ونوعية المساجين وتعددت مستوياتهم الفكرية فتمنيت -فعلا- أن أكون من ضمن المجموعة التي تمكنت من الوقوف على أناس منا بغوا علينا، والأمنية التي داهمتني ليست وليدة قراءة تقرير الدكتور الصيني بل هي أمنية قديمة ارتبطت بسجناء غوانتانامو وكيف يمكن لي أن أكتب رواية من فم أحدهم ووفق قناعاته ودفاعه عن تلك القناعات.
وأتفق مع الدكتور عثمان أن الكثير من الحقوقيين ووسائل الإعلام الغربية تكون زياراتهم للسجن مستهدفة النتيجة من غير سؤال أو جواب ومقتصرة على ثلاثة أمور: «ارتباط الوهابية بالإرهاب، وفتاوى التكفير، وانتهاكات حقوق الإنسان»، وما عدا ذلك ليس مهماً البتة، والممتع في التقرير ذلك التصنيف لفئات المتهمين أو المحكوم عليهم لفصل نوعية الأفكار التي يحملها المساجين، إذ إن المرء ما هو إلا فكرة متى ما آمن بها كان وجوده الحركي في الحياة.
ولأن الفئة الأولى تم تصنيفهم على أنهم أشداء عتاة لا يزالون كفارا بما نؤمن به وما زلنا كفارا بما يؤمنون به «كون الكفر غطاء وليس يقينا أو شكا»، وهي الفئة التي يستوجب الوقوف معها كثيرا، وأظن أن حل معتقدات هذه الفئة ليس بأيدي لجنة المناصحة بل باستحضار التجارب المماثلة في جميع أنحاء العالم العربي ليقدموا تجاربهم لهذه الفئة من غير نصائح أو توجيه فقط إعادة «سرد» تجاربهم وما هي العوامل التي أدت بهم إلى تصويب أفكارهم.. وخطورة هذه الفئة إذا كانت نية محاربة الدولة والمجتمع راسخة لا يزعزعها ما يقال أو يعري القناعات بالحجج الدامغة تكون الخطورة إيهام المتناظرين بالاقتناع والخروج لإحداث إرهاب مسلح، وأعتقد أن هذه الفئة سوف تموت على ما هي عليه من إيمان راسخ بتكفير المجتمع والدولة، إذ إن قناعاتهم لم تحدث لها أي مناقشة أو زعزعة لما تم تأسيسه من قواعد لا تزال هي الحقيقة الناصعة في أذهانهم.
وإذا كانت الفئة الثانية هي المترددة والممسكة بالفكرتين معا (إضمار نية الإرهاب والقابلية للحوار) سوف تكون هي الفئة الناجية من براثن الأفكار المغلوطة، فقط تحتاج لمن تثق به ممن كانوا أساتذة ووعاظا لهم (المحرضين الأوائل) وهنا يمكن الاستعانة برجال الصحوة الذين خرجوا بأنفسهم من أفكارهم القديمة.. وهؤلاء المحرضون الأوائل لم يقدموا على الاعتذار للمجتمع ولأتباعهم بأنهم كانوا على خطأ، وباعتذار المحرضين يمكن للفئة الثالثة التي أورد الدكتور عثمان أنهم يمثلون 60% من سجناء الحائر سوف يقلعون عن أفكارهم التي وصلت إليهم بفعل هوجة التحريض..
أما ما ذكره التقرير من معاملة مرفهة فأنا تراودني أحيانا الرغبة في أن أكون أحد نزلاء سجن الحائر غبطة بما يجدونه من عناية، الأمر الذي يجعل المرء يفكر أحيانا كيف لو أنه كان من ضمن المحرضين في أيام الصحوة! نعم فأنا كتبت الروايات والمقالات من أجل أن يكون الإنسان إنسانا، ولم أحظ إلا بالشتائم والتهم، بينما يكون أحد سجناء الحائر منعماً لا ينقصه شيء، فقط هو داخل سجن يمارس كل حياته بما لذ وطاب حتى النكاح فيه تعددية!.
أليس من حقي أن أقول ليتني كنت سجيناً من سجناء سجن الحائر؟.
عبده خال- الوطن السعودية-