يوسف حسني - الخليج أونلاين-
تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة إنشاء وزارات جديدة يتزعمها جيل من الشباب، تسعى لإشراكهم في إدارة البلاد من خلال "وزارات ترف" تحمل أسماء "النزاهة" و"التسامح"، لكن مكنوناتها تبدو غائبة عن الواقع في الدولة الخليجية، حسبما تشير تقارير دولية، إضافة لتصريحات تصدر عن تلك الوزارات.
رسائل تلك الوزارات تصطدم بحقائق تجعلها أقرب إلى مفهوم تجميلي لواقع الدولة، حيث يعد حضورها غائباً على الأرض، برأي مراقبين.
نائب رئيس الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أعلن في 19 أكتوبر 2017، تعديلاً وزارياً شمل تعيين 6 شباب في مناصب وزارية، بينها حقب مستحدثة.
بن راشد، قال على حسابه بـ"تويتر": إن "التعديل الحكومي الجديد جاء بناء على اجتماعاتنا السنوية الأخيرة (..)، وتلبيةً لمجموعة من متطلباتنا المستقبلية بعيدة المدى"، مضيفاً أن "المرحلة الجديدة عنوانها مهارات المستقبل وعلوم المستقبل وتكنولوجيا المستقبل؛ لأننا نسعى للتأسيس لمئوية نؤمّن من خلالها مستقبل أجيالنا".
الحكومة الجديدة هي حكومة عبور للمئوية الإماراتية الجديدة .. هدفها تطوير المعرفة .. ودعم العلوم والأبحاث .. وإشراك الشباب في قيادة المسيرة
— HH Sheikh Mohammed (@HHShkMohd) October 19, 2017
- ترويج
هذه المصطلحات التي أطلقها بن راشد مبهرة ومهمة، لكنها بنظر مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية، محمد بن سعيد الرميحي، "مجرد دعاية تعجز عن إخفاء فضائح وسجل الإمارات الحقوقي السيئ".
مهمها قدمتم من وجوه شابة لزوم "البروبوغندا "في تشكيلكم الوزاري كل هذا لايخفي فضائحكم وجرائمكم وسجلكم الحقوقي السيئ
— أحمد بن سعيد الرميحي (@aromaihi) October 19, 2017
الكاتب القطري فيصل المرزوقي، أيضاً، تساءل على حسابه بموقع "تويتر": "كيف يفهم المواطن الإماراتي وجود وزارات تحمل مسميات السعادة والتسامح، وهو يرى أبناء بلده ممن سُجن على تغريدة، ناهيك عمن طالبوا بالإصلاح؟!".
كيف يفهم المواطن الإماراتي وجود وزارات تحمل مسميات السعادة والتسامح ، وهو يرى أبناء بلده ممن سُجن على تغريدة ناهيك عمن طالبوا بالإصلاح pic.twitter.com/qac18WeQuZ
— فيصل محمد المرزوقي (@marzoqi_w) October 19, 2017
أما الإعلامي هيثم أبو صالح، فكتب: "برأيي، الوزراء الجدد في الإمارات هم مجرد واجهة أمام العالم ودعاية لتجميل الصورة، بينما القرارات تبقى في يد دائرة ضيقة تتحكم بهم وبكل شيء".
برأيي، الوزراء الجدد في #الإمارات هم مجرد واجهة أمام العالم ودعاية لتجميل الصورة بينما القرارات تبقى في يد دائرة ضيقة تتحكم بهم وبكل شيء
— هيثم أبو صالح (@Haitham_A_S) October 19, 2017
وبالنظر إلى سجل الإمارات الحقوقي، تبدو الأمور مختلفة إلى حد ما عن قرارات الانفتاح والإصلاح والبحث عن مشاركة الشباب لصنع المستقبل.
- انتهاك للحقوق
الأزمة الخليجية وحصار قطر الذي تشترك فيه الإمارات، ألقيا بتداعياتهما على مواطنين ومقيمين قطريين؛ ما دفع حقوقيين غربيين لتدشين حملة دولية لمقاطعة الإمارات بتهمة انتهاك حقوق الإنسان، وهي الحملة التي لاقت رواجاً كبيراً، وخاصةً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأطلقت الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات (ICBU)، التي دُشّنت منتصف أكتوبر الماضي، جملة من الإجراءات القانونية، لمخاطبة السلطات البريطانية، بهدف اعتقال عدد من المسؤولين الإماراتيين، وذلك على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب في اليمن.
وتبحث الحملة تقديم مذكرات دولية لاعتقال قادة ومسؤولين في الإمارات.
- سجّل معتم
في تقريرها السنوي لعام 2015، أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية تقريراً بعنوان "الإمارات العربية المتحدة.. القمع على الجبهات كافة".
وذكرت المنظمة أن "سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة قيّدت بشدة في 2014 الحق بحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وشنّت حملة على المعارضين، ورفضت التحقيق في اعتقالات تعسفية وتعذيب".
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة نفسها: "إن الإمارات تعلن عن نفسها كمنارة للتسامح في المنطقة، ولكن الحقائق تكشف عن وجود حقيقة (..) تنمّ عن ازدراء لمبادئ حقوق الإنسان".
اتهامات المنظمة الحقوقية ليست محض افتراء؛ ففي أغسطس 2014 أصدر القضاء الإماراتي حكماً على ثلاثة من المعارضة الإماراتية بالسجن، لمجرد انتقادهم الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أن هناك محاولات موثّقة من الدولة لنزع الجنسية عن عدد من معارضين بالخارج بسبب نشاطهم المعارض لممارساتها القمعية.
المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف، أصدر تقريراً قال فيه: "إن السلطات الإماراتية تقوم بتسليط عقوبات جماعية على الناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين المعتقلين منهم والمقيمين خارج الدولة، وذلك في إطار سياسة منهجية تهدف إلى الضغط على العائلات والآباء من أجل التخلي عن مطالبتهم بالإصلاح ومعارضة الحكومة عن طريق التنكيل بهم وأُسرهم".
الحكومة الإماراتية تفرض أيضاً حظراً على دخول نشطاء حقوق الإنسان إلى البلاد لمراقبة الأوضاع الداخلية وتضع العراقيل أمامهم، ما يؤكد معرفة الدولة بحقيقة الأوضاع الحقوقية المتردية بها.
كما أن تقارير حقوقية تؤكد وجود رقابة لصيقة على وسائل التواصل الاجتماعي كافة في البلاد.
- تكتيم للأفواه
وفي تصريح ينسف معنى "التسامح"، قال النائب العام الإماراتي حمد سيف الشامسي، في الـ7 من يونيو الماضي، لصحيفة "البيان"، إن إبداء التعاطف أو الاعتراض على موقف الإمارات وما اتخذته من إجراءات مع حكومة قطر، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات أو مشاركات، أو بأي وسيلة أخرى قولاً أو كتابة، يعدّ جريمة معاقَباً عليها بالسجن المؤقت من 3 إلى 15 سنة، وبالغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم".
ولتجميل صورة الإمارات أمام المنظمات الدولية، وخاصة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، على حسابه بـ"تويتر": إن "حرية التعبير لا يمكن استخدامها للترويج للخطاب المتطرف".
وتشنّ الإمارات حملة اعتقالات غير مسبوقة، بذريعة مواجهة الخطاب المتطرف، ووجدت شركة "بلاك ووتر" عملاً لها وفقاً للعقد المبرم معها لمطاردة المشتبه فيهم واعتقالهم وتأديب كل من يُبدي أي نوع من أنواع المقاومة.
- قمع داخلي
وتحتل الإمارات المرتبة الـ119 من بين 180 دولة هي الأسوأ في مستوى حرية الصحافة، وفق مؤشر حرية الصحافة العالمية لعام 2017.
وفي 29 مارس الماضي، قضت محكمة الاستئناف الاتحادية بحبس الخبير الاقتصادي ناصر بن غيث، مدة عشر سنوات، على خلفية عدد من التغريدات، انتقد فيها سجل حقوق الإنسان في الدولة.
وألغت السلطات جنسية عشرة مواطنين بينهم ثلاثة أشقاء؛ على خلفية أنشطتهم بالإنترنت، ما يؤكد استخدام سياسة الحرمان من الجنسية كأداة لإسكات المخالفين.
بالإضافة إلى ما سبق، يُتهم هذا البلد الخليجي بأنه ينفق مليارات الدولارات على بنايات فاخرة ومدن تحت الماء ومراكز ترفيه وسياحة وفنادق، في حين يضم سكاناً يعيشون حياة فقيرة تعكس تناقضاً بين ترويج "السعادة" وواقع "البؤس".
وتشير دراسة عُرضت في ندوة لمجلس دبي الاقتصادي، وأعدّها كبير الاقتصاديين بمجلس دبي الاقتصادي، عبد الرزاق الفارس، أن "16.9% من السكان بالإمارات فقراء"، في حين تفيد بيانات متوافرة لدى وكالة الاستخبارات المركزية بأن نسبة الفقر في الإمارات تصل إلى 19.5%".
- "تسامح مشبوه" عابر للحدود
معاني غياب "التسامح الإماراتي" جاءت على لسان وزير التسامح الإماراتي الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، حيث ذكر في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية منتصف نوفمبر، أن إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا أدى إلى وقوع هجمات إرهابية هناك.
وقال: "لا يجوز فتح المساجد ببساطة هكذا والسماح لأي فرد بالذهاب إلى هناك وإلقاء خطب. يتعين أن يكون هناك ترخيص بذلك".
وذكر أن هناك مسلمين تطرفوا في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا؛ لعدم وجود رقابة كافية من السلطات على المساجد والمراكز الإسلامية، موضحاً أن بلاده تعرض دائماً تقديم المساعدة في تدريب الأئمة على سبيل المثال. وفي المقابل، ذكر الوزير أن بلاده لم تتلقَّ حتى الآن طلباً بالمساعدة من أوروبا.
ورفضت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تصريحات الوزير الإماراتي، ووصفتها بأنها "حملت تحريضاً مبطناً على المسلمين في أوروبا".
واعتبرت المنظمة في بيان، أن تصريحات الوزير "محاولة يائسة لتحويل المساجد في أوروبا إلى مراكز أمنية تخدم أجندات إماراتية".
وبيّنت المنظمة أن المساجد في أوروبا تخضع لأنظمة صارمة كباقي الجمعيات والمؤسسات في أوروبا، وتحرص إدارة المساجد على أداء رسالتها وفقاً لتعاليم الإسلام السمحة.
وحذرت المنظمة دول الاتحاد الأوروبي من الاستجابة لطلب الوزير الإماراتي تدريب الأئمة في دولة الإمارات؛ حتى لا تتحول المساجد في أوروبا إلى مراكز أمنية للتجسس تعمل لصالح دولة الإمارات.
وأكدت أن دولة الإمارات ما فتئت تلاحق المسلمين في أوروبا، أفراداً ومؤسسات، بحجة محاربة الإسلام السياسي، وأدى ذلك إلى إلحاق الأذى ببعض الأفراد فترة قصيرة حتى عادت الأمور إلى نصابها، وذكرت على سبيل المثال إغلاق البنوك حسابات مؤسسات وأفراد بضغط من الإمارات.
ودعت المنظمة حكومات الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة إبعاد الإمارات عن الشأن الإسلامي والعربي في أوروبا، معتبرة الإمارات وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن جرائم في الشرق الأوسط أدت إلى تفجير العنف والإرهاب.
- تصدير السعادة على مقياس الإمارات
لكن، يبقى الأكثر خطورة هو ما كشفه تقرير أممي عن فتح ملف تمويل الإمارات للإرهاب، ودعمها حركة الشباب الصومالية، المبايعة لتنظيم الدولة.
ووفقاً لمراسلة قناة الجزيرة في الأمم المتحدة، وجد وقفي، التي نشرت الخبر على صفحتها الشخصية في "تويتر"، الأربعاء 15 نوفمبر 2017، فإن "تقرير الأمم المتحدة يكشف عن تمويل الإمارات هجوم حركة الشباب على مقديشو، الذي قُتل فيه 300 شخص قبل شهر، عن طريق تزويد الحركة بـ10 ملايين دولار من تجارة الفحم".
ووقع في 14 أكتوبر الماضي، تفجير هو الأعنف في العاصمة الصومالية مقديشو، نُفذ بشاحنة مفخخة، مستهدفاً فندق سفاري الشعبي، على تقاطع "كاي 5" في حي هودان التجاري المكتظ.
وفضلاً عن أكثر من 360 قتيلاً، و228 جريحاً، لحقت أضرار كبيرة بمبانٍ وسيارات على بُعد مئات الأمتار من الانفجار القوي جداً، وقدر خبراء أن زنة المتفجرات المستخدمة تبلغ 500 كيلوغرام، بحسب وكالة "فرانس برس".