إسلام الراجحي- الخليج الجديد-
إذا كان عام 2016، قد حمل الكثير من الاعتقالات والانتهاكات بحق العلماء والدعاة والإصلاحيين في السعودية، فإن عام 2017 جاء ليكمل محاولات السلطات في المملكة مواجهة أي رفض لتحولاتها الجديدة.
المنع من التغريد، والاستدعاء لتلقي الأوامر، ومن ثم التهديد لمخالفي التعليمات، واعتقال من يرفضها، بل والتعذيب داخل المعتقل، كان نصيب الدعاة والإصلاحيين في المملكة خلال 2017.
وتعتقل السلطات السعودية منذ سنوات، دعاة وإصلاحيين، بتهم شتى، أبرزها الخروج عن ولي الأمر والإفتئات عليه، والتكفير وغيرها من التهم، دون محاكمتهم والفصل في قضاياهم، في الوقت الذي صدرت أحكام بالسجن لعشرات السنوات بحق آخرين.
5 أسباب
اعتقالات 2017، حملت 5 أسباب رئيسية، بحسب مصادر تحدثت إلى «الخليج الجديد»، أولها أن حملة الاعتقالات جاءت بناء على رفض هؤلاء الدعاة توجيهات من الديوان الملكي بمهاجمة قطر، حيث تلقوا اتصالات من المستشار في الديوان الملكي «سعود القحطاني» المقرب من ولي العهد «محمد بن سلمان» بالإضافة لمدير عام قناة «العربية» الإعلامي السعودي «تركي الدخيل» يطلبان منهم مهاجمة قطر فورا، فكان ردهم الرفض، وقال أحدهم نصا: «بكرة تتصالحوا ويسود وجهنا نحن».
واندلعت الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران الماضي، عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها بقطر بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة.
وثاني الأسباب هو قرب تنصيب «بن سلمان» ملكا الذي تصاعد الحديث حوله مؤخرا، ورغبته في عدم وجود أي معارضة داخلية لهذه الخطوة.
أما السبب الثالث لتلك الحملة، بحسب مراقبين، فهو «حراك 15 سبتمبر/أيلول 2017»، وهو الاسم الذي حملته صفحة على «تويتر»، لدعوات سعودية سلمية معارضة تهدف إلى «معالجة الفقر والبطالة، وأزمة السكن، وإزالة أسباب الجريمة، والتفكك الأسري، ورفع الظلم عن المرأة، والضعوف، وتحسين مستوى الخدمات».
السبب الرابع، هو خشية السلطات السعودية أن يكون لهؤلاء الدعاة تأثير على المواطنين، ضد حملة التقارب السعودية مع (إسرائيل)، وهو ما كشف عنه في وقت سابق حساب، «العهد الجديد»، حيث تحدث عن مساومات مع المعتقلين بمنحهم الحرية مقابل الخروج على وسائل الإعلام، والحديث عن التطبيع مع (إسرائيل)، بحجة أن ذلك مما تقتضيه مصلحة البلاد».
أما السبب الخامس والأخير، وهو الصراع الذي أحدثته الهيئة العامة للترفيه، بين التيارين المحافظ والليبرالي على الساحة السعودية، والتوجه الرسمي للمملكة، والذي يخالف توجهات بعض هؤلاء الدعاة.
اعتقالات سابقة
اعتقال العلماء والدعاة والإصلاحيين لم يكن بالأمر الجديد في 2017، بل هي سياسة متبعة في المملكة منذ سنوات، حيث يمكث الداعية «سعود العبيد القحطاني» في سجن الطرفية بمحافظة بريدة، منذ عام 1991 بعد اعتقاله في المدينة المنورة على خلفية توزيع منشورات ضد الحكومة السعودية.
كما يعتبر «وليد السناني» أبرز الدعاة القدامى المعتقلين في السعودية، وهو المحبوس في سجن الحاير السياسي بالرياض منذ عام 1994.
ويعد «سعود الهاشمي» من أقدم الداعاة المحبوسين، خاصة أنه ألقي القبض عليه في 2 فبراير/شباط 2007، حيث كان اجتماعهم من أجل صياغة بيان إصلاحي يوجه للملك يطالبون فيه ببعض الحقوق للشعب السعودي.
كما لا يزال الداعية «فراج الراشد»، المعتقل منذ 2003، داخل محبسه دون مبرر، بعد أن صدر صك بإخلاء سبيله، إلا أن هذا القرار لم ينفذ حتى الآن.
و«خالد الراشد»، هو الآخر أحد أبرز الدعاة المحبوسين منذ 2005، وذلك على خلفية دعوته للتظاهر ضد الدنمارك بسبب الرسوم المسيئة للرسول، ويواجه حكما بالسجن 15 عاما.
كما أن «سليمان العلوان»، يواجه حكما بالسجن 15 عاما، بعد أن تم اعتقاله من جديد في أكتوبر/تشرين الأول 2013، رغم أنه خرج من محبسه في 2012.
يواجه أيضا الداعية «وجدي الغزاوي» مالك قناة «الفجر» الفضائية، المعتقل في 2014، حكما بالسجن 12 عاما والمنع من الظهور في كل وسائل الإعلام، بعدما تمت إدانته بالتواصل مع جهات معادية للدولة.
أما 2016 وحدها، فشهدت اعتقال الكاتب السعودي «محمد الحضيف» لدى عودته للمملكة قادما من تركيا، بعد شنه حملات إعلامية ممنهجة ومنظمة على دولة الإمارات وسياساتها وحكامها.
كما اعتقل الداعية «سليمان الدويش»، بسبب هجومه على برنامج «زد رصيدك».
واعتقل أيضا الداعية «عبدالعزيز الطريفي»، وسط تضارب الأنباء حول سبب الاعتقال، ففي حين أرجع البعض الاعتقال إلى تعليقه حول تنظيم «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الجديد، والذي وصفه بـ«المعطل» لدورها، وبين آخرين اعتبروا هجومه على سياسة المملكة هي السبب.
واعتقلت السلطات السعودية، أيضا في 2016، الباحث الشرعي «إبراهيم السكران»، وزج به في سجن البحث الجنائي بالرياض، بسبب انتقاده المبطن لمسار السياسات السعودية مؤخرا، خاصة فيما يتعلق بالاعتقالات، وملاحقة بعض الشباب، وهو نفس السبب الذي اعتقل من أجله الأكاديمي البارز «أحمد بن سعيد»، قبل أن يتم الإفراج عنه بعدها.
2017 على الخطى
بداية 2017، حملت أيضا اعتقالات عدة للدعاة والإصلاحيين في المملكة، حيث اعتقل في فبراير/شباط، الداعية السعودي «عصام العويد» بتهمة تمويل المنظمات الإرهابية، وهو ما نفته أسرته.
وفي مارس/آذار، اعتقلت السلطات السعودية الشيخ «سعد البريك»، حيث كان في طريقه إلى جدة قبل أن يتلقى اتصالا من المباحث تستدعيه للتحقيق، فطلب منهم تأجيله لحين العودة من السفر لكنهم أصروا على إلغاء سفره والحضور للتحقيق، ومن ثم اعتقاله.
ومع مطلع سبتمبر/أيلول، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات وملاحقات استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين كثر، بلغ عددهم قرابة مئتي شخص.
وتمت كل هذه الاعتقالات، من دون أمر قضائي، وهي طريقة تشبه عمليات الاختطاف، كما يمنع المعتقل من التواصل مع ذويه أو توكيل محام لمتابعة قضيته.
«سلمان العودة»، كان أبرز المعتقلين في هذه الفترة، وجاء اعتقاله عقب تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» رحب فيها بأنباء قرب انفراج الأزمة الخليجية، حيث كتب قائلا: «ربنا لك الحمد لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم».
كما اعتقل لاحقا «خالد» شقيق «سلمان»، ورجحت مصادر إعلامية أن يكون سبب توقيفه هو تأكيده على حسابه في «تويتر» أن شقيقه «سلمان» قد اعتقل.
واعتقل أيضا «عوض القرني»، بعد عدة أشهر من صدور قرار من محكمة سعودية بإغلاق حسابه على «تويتر»، وتغريمه 100 ألف ريال، بعد إدانته بتدوين تغريدة «مثيرة للرأي العام وترابط المجتمع مع قيادته ومؤثرة على علاقات المملكة مع دول أخرى»، بحسب الاتهام الذي نفاه «القرني».
كما اعتقل الداعية «علي العمري»، وهو رئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة، ورئيس قناة «فور شباب»، التي أغلقتها السلطات السعودية لاحقا.
واعتقل أيضا ضمن الحملة، الداعية «محمد موسى الشريف»، ورئيس لجنة تطوير المناهج بجامعة الملك عبدالعزيز «علي عمر بادحدح»، ورئيس مجلس إدارة مجلة «البيان» ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية «أحمد بن عبدالرحمن الصويان»، والقارئ الشهير «إدريس أبكر».
وطالت الاعتقالات أيضا، الخبير الاقتصادي «عصام الزامل» الذي عرف بمواقفه وتغريداته المؤيدة للتغيير في العالم العربي.
وروجت صحف سعودية، أن من ألقي القبض عليهم، يواجهون تهما بالتجسس، ودعم كيانات إرهابية، والإضرار بأمن الدولة، لصالح 3 تيارات مختلفة، هي تنظيم «الدولة الإسلامية»، وجماعة «الإخوان المسلمون»، والاستخبارات القطرية.
إجراءات أخرى
القائمة لم تقف عند الاعتقالات فحسب، بل أصدرت السلطات قرارا بمنع الداعية السعودي «محمد العريفي»، من السفر ضمن قائمة ضمت 26 اسما، بينهم الداعية الشهير «عائض القرني».
ومع اندلاع الأزمة الخليجية، زادت السلطات السعودية من الضغط على المغردين، في حملات تشويه وتحريض مستعرة يقوم بها الموالون لها على وسائل التواصل الاجتماعي ضد قطر.
وقالت وكالة الأنباء السعودية، في 14 أغسطس/آب، إن النيابة العامة استدعت مجموعة من المغردين في موقع «تويتر»، رصدت عليهم اتهامات جنائية بالإساءة للنظام العام والتأثير على ما وصفته بسلامة واعتدال المنهج الفكري للمجتمع.
وأكدت النيابة العامة أن من استدعوا هم قيد توصيف الاتهام الجنائي، وستطبق بحقهم الإجراءات الشرعية والنظامية للمتهمين.
وحينها، مارس النظام ضغوطا كبيرة على دعاة سعوديين لديهم حسابات ناشطة على «تويتر» لحملهم على اتخاذ مواقف مناوئة لقطر، وأن أحدهم سجن يومين وتعرض للتهديد، فقبل بتبني وجهة النظر الرسمية واتهام قطر بالمسؤولية عن الأزمة بدلا من كونها ضحية لها.
وأحدثت تغريدات نشرها الداعية «العريفي» لاحقا على موقع «تويتر» جدلا بين المغردين، وانتشر وسم «العريفي معذور»، على اعتبار أنه ربما نشر تلك التغريدات تحت التهديد، بينما قال آخرون إنه كان أجدر به ألا يذعن.
المنع من التغريد كان أحد إجراءات السلطات السعودية بحق دعاة وإصلاحيين، ومن بينهم الكاتب المعروف «جمال خاشقجي»، الذي أوقف عن الكتابة والتغريد في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لكنه خرج لاحقا من السعودية واستقر بالولايات المتحدة الأمريكية، وأعلن في 12 أغسطس/آب 2017 عودته للتغريد على حسابه في «تويتر».
يشار إلى منظمات حقوقية دولية، انتقدت حملات اعتقال الدعاة والإصلاحيين في المملكة، واعتبرتها «تتناسب مع نمط انتهاكات حقوق الإنسان ضد المناصرين والمنشقين السلميين، بما فيها المضايقات، والترهيب، وحملات التشهير، وحظر السفر، والاحتجاز والملاحقة القضائية».