جون حنا - فورين بوليسي-
في أواخر عام 2016، تآمرت روسيا والسعودية لخفض العرض ورفع أسعار النفط، بالتعاون مع بقية دول «أوبك»، وقد نجحوا بشكل مذهل حيث ارتفعت الأسعار التي انخفضت إلى ما دون 30 دولار للبرميل سابقا بشكل مطرد في أعقاب الاتفاقية السعودية الروسية لتخفيض الإنتاج، حيث تدور مؤخرا عند مستوى 70 دولارا للبرميل.
وفي جولته الأخيرة في الولايات المتحدة، أعلن ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» أن هدف المملكة هو توسيع مخططها لإدارة الأسعار مع روسيا لمدة 10 إلى 20 سنة أخرى. وقد توقع وزير النفط السعودي أن «أوبك» والروس سيواصلون إحكام القبضة على السوق على الرغم من أنهم نجحوا بالفعل في تجفيف تخمة كبيرة في مخزونات النفط الخام العالمية ويبدو أن المسؤولين السعوديين الذين تحدثوا قبل بضعة أشهر عن 70 دولارا ينظرون اليوم إلى سعر يبلغ 80 دولارا، مع وجود الكثير من الحديث عن إمكانية العودة إلى 100 دولار.
وبالنسبة للرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» وبينما كان السعوديون يستضيفون «أوبك» والروس في اجتماع عقد هذا الشهر أطلق الرئيس رصاصة عبر تغريدة بالقول: «يبدو أن «أوبك» تعيد الكرّة من جديد، في ظل الكميات القياسية من النفط في كل مكان، بما في ذلك السفن المحملة عن آخرها في البحر، أسعار النفط مرتفعة جدا على نحو مصطنع، وهذا ليس جيدا ولن يكون مقبولا». ويقول لي حدسي أن الرئيس على حق فقد تستفيد صناعة النفط في الولايات المتحدة من ارتفاع الأسعار بشكل مطرد، لكن التكاليف بالنسبة للمصالح الأمريكية المهمة الأخرى قد تكون باهظة.
إيذاء المستهلكين في الولايات المتحدة
كان قلق «ترامب» الرئيسي يدور بالتأكيد حول التأثير الاقتصادي لارتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين الأمريكيين حيث سيدفع السائقون مقابل البنزين هذا الصيف أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2014. وتشير التقديرات إلى أنه في المتوسط سوف تنفق الأسر الأمريكية على الوقود في عام 2018 أكثر بـ400 دولار من المبلغ الذي كانت تدفعه قبل عامين فقط. وقد يؤدي ذلك إلى تآكل تأثير التحفيز الذي أحدثته التخفيضات الضريبية الأخيرة التي قدمها «ترامب»، بل وحتى إلى إلغاء الفوائد الكاملة للأسر منخفضة الدخل. وفي حين أنه يمكن التعامل مع الأسعار المرتفعة في قطاع الطاقة الأمريكي دون تقليص الإنفاق الاستهلاكي، فإن تغريدة «ترامب» في 20 أبريل/نيسان تشير بوضوح إلى أنه لا يثق في أن السعوديين -وبالتأكيد ليس الروس- يمكن أن يكونوا حراسا موثوقين للصحة الاقتصادية الأمريكية، وهو محق في ذلك.
تعزيز روسيا وإيران
وتعد التأثيرات الجيوسياسية لارتفاع الأسعار مثيرة للقلق أيضا. وربما يكون هذا تبسيطا مفرطا، لكن فكرة القيام بأي شيء من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية الاقتصادات المعتمدة على النفط في كل من روسيا وإيران، وهما من أخطر الأعداء الدوليين لأمريكا، يجب أن تكون مقلقة للغاية. من الصعب النظر إلى الخطة على أنها جيدة إذا كانت تضمن المزيد من الأموال للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والمرشد الإيراني الأعلى «علي خامنئي» لتهديد مصالح الولايات المتحدة الحيوية.
ومن الغريب أن هذا يأتي من نظام سعودي يدعي بكل صراحة أن الزعيم الإيراني، إذا لم يتم وقفه، سيصبح أكثر خطورة من «أدولف هتلر». وحتى إذا وضعنا الغلو جانبا، فإن المشروع الإيراني الطويل الأمد لزعزعة استقرار بيت آل سعود هو أمر حقيقي وملح، في حين قام «الحوثيون» بإطلاق العديد من الصواريخ الإيرانية المنشأ التي يزيد عددها عن 100 صاروخ على المدن والمنشآت السعودية في السنوات القليلة الماضية.
كما انضمت القوة العسكرية الروسية إلى تحالف قاتل مع الحرس الثوري الإيراني في سوريا لدعم نظام «بشار الأسد» في عملية الإبادة الجماعية لشبعه، وقتل مئات الآلاف من السنة، وساهم ذلك في وضع إيران على عتبة السيطرة على المشرق.
وعلى مستوى أكثر تكتيكا فإن توقيت الرسائل السعودية حول الأسعار المرتفعة يعد أيضا مشكلة كبيرة. وليس سرا أن السعوديين يسعون إلى دفع «ترامب» لإلغاء الصفقة النووية وإعادة فرض عقوبات أمريكية قوية ضد إيران وهذا يعني استهداف صادرات النفط الإيرانية واحتمال إزالة 1 إلى 2 مليون برميل من النفط الخام من الأسواق الدولية في وقت قصير.
ومن المرجح أن يحاول معارضو مثل هذه الخطوة ردع الإدارة عن طريق تحذيرها من أن ذلك قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار وانكماش في الاقتصاد العالمي. والآن هذا هو بالضبط الوقت الذي تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى السعوديين لتهدئة الأسواق من خلال طمأنة الجميع بأن الرياض لديها التصميم والقدرة على تغطية أي خسارة بسبب الصادرات الإيرانية. وبدلا من ذلك، فإن كبار المسؤولين في البلاد يجنحون إلى تقييد السوق بشكل أكبر.
تقويض الإصلاح السعودي
بالطبع، من المنطقي أن ينجذب السعوديون إلى صفقة تعد بإحياء قوتهم السوقية على أسعار النفط. أولا هم يرون أن ارتفاع الأسعار سيساعد في دفع مبادرات «محمد بن سلمان» للتحديث الاقتصادي الطموح، وضمان أعلى تقييم ممكن للاكتتاب العام المرتقب لأرامكو السعودية، وتمويل التكاليف المتصاعدة لحربهم في اليمن.
ولكن من ناحية أخرى، هناك علاقة أقوى بين أسعار النفط المنخفضة ورؤية 2030، حيث تمنح ولي العهد المبرر للأدعاء أن غياب الإصلاح الجذري والتنويع الاقتصادي يجعل حكم «آل سعود» في خطر شديد، وهو أحد أقوى دواع الإصلاح. وإذا كان الاتفاق السعودي الروسي سيخفف من هذه الضغوط، أو سيبث حياة جديدة في الحجة القائلة بأن نموذج الدولة الريعية القديم لا يزال قابلا للتطبيق، فإنه قد يقوض حتمية الإصلاح.
سياسة الولايات المتحدة
على جانب آخر، فمن الصعب أن نرى كيف أن التوصل إلى اتفاق يمنح «بوتين» وروسيا نفوذا أكبر على أسواق النفط العالمية سوف يخدم مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل.
وقد كان «محمد بن سلمان» محتاجا لمساعدة الولايات المتحدة ليس فقط لإدارة التهديد الإيراني في الخارج والتحديث الاقتصادي في الداخل، ولكن أيضا لإضفاء الشرعية على سعيه للحصول على سلطة مطلقة داخل العائلة المالكة. وفي مقابل هذه المساعدة، يجب على الولايات المتحدة أن تضغط باستمرار على مجموعة من مطالبها الخاصة مع السعوديين، بما في ذلك محاربة أيديولوجية الجهاد، واحتواء العدوان الإيراني، وألا يتم التواطؤ مع «بوتين» على مخطط للتلاعب بأسواق النفط العالمي.
لقد حان الوقت لأن يتجه جدول أعمال الرئيس مع السعوديين إلى ما وراء السعي الذي لا نهاية له لبيع كميات أكبر من الأسلحة المتطورة التي لا يحتاجونها ولا يستطيعون استخدامها بفعالية.
وبغض النظر عن السياق الثنائي الأمريكي والسعودي، يجب على الولايات المتحدة بالطبع أن تتبع استراتيجية طويلة المدى لتحقيق أقصى قدر من أمن الطاقة لديها ومن المنطقي تحفيز وتوسيع الطفرة النفطية الحالية، لكن الولايات المتحدة تحتاج أيضا إلى مبادرة إستراتيجية لتضييق الخناق المستمر على قطاع النقل في البلاد. وهذا يعني تشجيع أنواع الوقود البديلة المتاحة بسهولة والتي يمكن أن تتنافس مع البنزين. وفي نهاية المطاف، فإن خفض قيمة النفط نفسه وتقليص الدور الذي يلعبه في اقتصاد العالم الحر هو أفضل طريقة للتعامل مع المخاطر التي يشكلها التواطؤ السعودي الروسي.