الخليج أونلاين-
لم تشكل التقارير والنداءات الحقوقية الدولية التي كشفت عن تعرض معتقلين سياسيين داخل السجون البحرينية رادعاً أمام السلطات لوقف انتهاكاتها لحقوق الإنسان، بل زادت من ممارستها القمعية، وإجراءاتها المخالفة للقوانين الدولية الخاصة بالتعذيب والاعتقال.
وضربت السلطات البحرينية عُرض الحائط جميع التنبيهات الدولية الحقوقية حول الانتهاكات داخل سجونها، إذ حرمت مؤخراً المعتقل والناشط عبد الجليل السنكيس من تقديم العلاج الأساسي له لاحتجاجه على إجراءات وظروف اعتقاله داخل سجنه.
ومارست السلطات البحرينية إجراءات قاسية ضد السنكيس، وفق إفادة آية مجذوبة، الباحثة الحقوقية في منظمة "هيومن رايتس واتش"، في تغريدة لها بحسابها بموقع "تويتر".
وأخضعت البحرين المعتقل السنكيس لإجراءات مهينة بحقه، مع حرمانه من تلقي العلاج، وإصرارها على وضع الأغلال في يديه وقدميه وفق تأكيدات مجذوب.
#البحرين | المعارض البارز المسجون عبد الجليل السنكيس محروم من العلاج الأساسي لأنه يرفض ارتداء ملابس السجن ووضع الأغلال أثناء التوجه إلى المستشفى، وهي ممارسة مهينة بحق المرضى تصرّ عليها السلطات: https://t.co/4ZEPTX7EE7 pic.twitter.com/qEJecHxihj
— Aya Majzoub (@Aya_Majzoub) March 4, 2020
وتتراوح الأحكام ضد السنكيس بين السجن خمس سنوات، والسجن المؤبد بتهم كيدية تتضمن "تشكيل مجموعات إرهابية هدفها قلب الملكية وتغيير الدستور"، وقد أيدت محكمة التمييز هذه الأحكام في 7 يناير 2013.
انتهاكات مبرمجة
ولا تزال البحرين تواجه انتقادات كبيرة حول استخدامها أسلوب القمع للمعارضين السياسيين في البلاد، والزج بهم في السجون وتعذيبهم.
آخر ما أثير في هذا الصدد كان تقرير "هيومن رايتس ووتش"، الذي حصل "الخليج أونلاين" على نسخة منه، والذي وثق قيام السلطات البحرينية بحرمان السجناء السياسيين البارزين من الرعاية الطبية العاجلة، ما يُعرِّض حياتهم للخطر في بعض الحالات.
ووثقت المنظمة التعذيب الروتيني في سجون البحرين، خاصة أثناء الاستجواب، والتعليق في وضعيات مؤلمة، والإجبار على الوقوف لفترات مطولة، والتعرض للبرد الشديد، والاعتداء الجنسي.
ويستخدم المدعون والقضاة البحرينيون الاعترافات المُنتزَعة تحت التعذيب لإدانة المحتجزين، بل والحكم عليهم بالإعدام، حسب المنظمة الحقوقية الدولية.
في يوليو الماضي أعدمت السلطات رجلين شابت محاكمتهما مزاعم بشأن التعذيب والانتهاكات الخطيرة للإجراءات القانونية الواجبة، كما أعادت محكمة الاستئناف فرض الإعدام على اثنين آخرين، حتى بعد أن قدمت هيئة إشراف بحرينية أدلة "أثارت الشكوك" بأن الرجلين تعرضا للتعذيب.
وأمام تلك الانتهاكات، لا تقوم السلطات البحرينية بمحاسبة الأشخاص في المملكة، حيث لم يخضع سوى قلة من عناصر الأمن لمحاكمات ذات مغزى على خلفية انتهاكاتهم الواسعة ضد المحتجزين، وفقاً لتأكيدات المنظمة.
كذلك، يتردد حلفاء البحرين، ومن بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا، في مواجهة حقيقة ما يحدث في البلاد، حيث وافقت "وزارة الخارجية" الأمريكية، حسب المنظمة، على ثلاث صفقات كبيرة لبيع الأسلحة للبحرين بقيمة 3.4 مليارات دولار، رغم السجل الحقوقي السيئ للحكومة والاضطهاد الشديد بحق المعارضين.
كما لم تُثر الولايات المتحدة مخاوفها بشأن حقوق الإنسان علناً مع السلطات البحرينية، إضافة إلى ذلك قدمت بريطانيا مساعدات فنية بقيمة 6.5 مليون جنيه إسترليني إلى البحرين منذ 2012، ومن ضمن ذلك الدعم الهادف إلى إصلاح قطاعَيْ الأمن والعدل.
مع ذلك، تقول "هيومين رايتس وواتش"، تقاعست هيئات الإشراف التي دعمتها بريطانيا مراراً عن محاسبة حراس السجون وعناصر الأمن، وسط أدلة على ظروف لاإنسانية ومهينة في سجون البحرين.
ناجون يتحدثون
صحيفة "التايمز" البريطانية، تطرقت في تقرير نشر السبت (8 فبراير الماضي)، تحت عنوان: "الأمير أندرو وزيارته لمركز التعذيب في الشرق الأوسط"، إلى الزيارة التي أجراها الأمير البريطاني إلى البحرين في وقت سابق، بصفته مستشاراً لجامعة "هيدرسفيلد".
المقالة كشفت عن أن "هدف زيارة كان ترويج دراسة جامعية في مؤسسة تعذب السجناء المعارضين، وهي الأكاديمية الملكية للشرطة في البحرين، التي تعد بمنزلة مركز للتحقيق والاعترافات القسرية لنشطاء المعارضة البحرينيين، منذ عام 2015".
اعتمد التقرير على شهادات جمعها كل من معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (Bird)، ومنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان (ADHRB) من الناجين من التعذيب.
الصحيفة أشارت إلى أن من بين الضحايا ثلاثة سجناء سابقين يطلبون اللجوء الآن في بريطانيا، وعشرة منهم تم توثيق رواياتهم عن التعذيب، بما في ذلك الاعتداء الجنسي الخطير داخل السجن.
وتتضمن الدورة الجامعية في الأكاديمية الملكية للشرطة بالبحرين وحدات دراسية عن الطب الشرعي والجريمة الإلكترونية والإرهاب.
وبحسب التايمز فإن جامعة هيدرسفيلد رفضت الإفصاح عن مقدار الرسوم التي تقاضتها مقابل تقديم الدورة، أما بشأن مدى التزام الجامعة بمعايير حقوق الإنسان فأوضحت الجامعة أنها راجعت تقرير وزارة الخارجية لعام 2016 قبل الموافقة على اتخاذ القرار.
وأضافت الصحيفة البريطانية: "يتم تدريس الدورة في عامها الثاني من خلال زيارة أعضاء هيئة التدريس إلى الأكاديمية التي تقع في المبنى المجاور لسجن جو، حيث يتم احتجاز السجناء السياسيين".
وتابعت: "وفقاً لإفادات سجناء مقيمين في المبنى رقم 15 في السجن فإنهم نُقلوا منه إلى الأكاديمية للاستجواب والتعذيب، بما في ذلك الصدمات الكهربائية والضرب والاعتداء الجنسي والتعليق من أذرعهم".
الصحيفة أشارت إلى تورط وزارة الداخلية البحرينية في "التعذيب المنهجي" للمعتقلين المحتجزين لديها، وفق تقرير لجنة التحقيق المستقلة لعام 2011، الذي قبلته الحكومة البريطانية.
دعوات حقوقية
كان معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (Bird)، ومنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان (ADHRB)، وجها في وقت سابق دعوة لنائب رئيس جامعة هيدرسفيلد لكي يتم تعليق درجة الماجستير في العلوم الأمنية التي تمنح للأكاديمية الملكية لشرطة البحرين (RAP).
جاءت هذه الدعوة بعد أن شهد 10 سجناء سياسيين بحرينيين على تعرضهم للتعذيب في الأكاديمية؛ بين عامي 2016 وديسمبر 2019.
في طلبهما المشترك الموجه لنائب رئيس جامعة هيدرسفيلد قال "Bird" و"ADHRB": "أبلغ جميع السجناء عن تعرضهم لمجموعة من أساليب الاستجواب الشديدة الأخرى؛ ومن ذلك الحرمان من النوم، والوقوف القسري، أو وضعهم في غرف باردة دون ملابس، أو تعليقهم في السقف من أيديهم، فضلاً عن تهديدهم بالاغتصاب والتعذيب".
وأضافا أنه "في ست حالات على الأقل أجبرتهم سلسلة الانتهاكات هذه على توقيع اعترافات معدّة مسبقاً دون قراءتها، التي من المحتمل أن تستخدم دليلاً في محاكماتهم".
ووفقاً لمعهد البحرين للحقوق والديمقراطية وقع التعذيب والاعتداء الجنسي على نزيل واحد خلال نفس الشهر الذي كان فيه الأمير أندرو في زيارة للبحرين "لتقوية" العلاقات بين المؤسستين.
وأشار إلى أنه "تمت ترقية العميد الذي تلقى تدريبات بريطانية وتورط في التعذيب والاعتداء الجنسي على الناشطات لرئاسة RAP، في ديسمبر 2019".
وتابع: "يزعم أحد الضحايا أنه تم اعتقاله وتعذيبه بعد أيام قليلة من تقديم شقيقه شكوى جنائية ضد سفارة البحرين في لندن".
تعذيب أقارب المعارضين!
ومنذ سنوات تنادي منظمات حقوقية بوضع حدّ لقمع حقوق الإنسان في البحرين، ووقف المنامة مطاردتها المعارضين السياسيين، والتعرض لأقاربهم؛ في محاولة لإسكات المعارضين في خارج البلاد.
وسبق أن تطرق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان لهذا الموضوع، وعدّ في بيان نشره في أبريل 2018، البحرين بأنها أصبحت واحدة من أكثر الدول انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير؛ من خلال ملاحقتها للعديد من النشطاء والحقوقيين بتهم مختلفة، من أبرزها تهمة "بث أخبار كاذبة".
وذكر المرصد أن مواقع التواصل الاجتماعي في البحرين، وخاصة موقع "تويتر"، يعدّ منصّة رئيسية للناشطين العاملين في مجال حقوق الإنسان، وكذلك للمعارضين والمنتقدين لسياسة السلطة الحاكمة في البلاد، التي لا تفتأ تنتهج سياسة حازمة وقمعيّة بحق روّاد هذه المواقع.
وبيّن المرصد أن السلطات البحرينية درجت أيضاً على معاقبة النشطاء المعارضين المقيمين خارج البلاد من خلال اعتقال أفراد من عائلاتهم داخل البلاد.
وقتل خلال الاعتقال والد وشقيقة الناشط السياسي اللاجئ في ألمانيا يوسف الحوري؛ بسبب تغريدة كان قد نشرها يوسف على حسابه في "تويتر" يدعو فيها إلى "اعتصام سلمي للاحتجاج على الممارسات القمعيّة التي تنتهجها بلاده ضد النشطاء والمعارضين".
وطلبت السلطات البحرينية من والد يوسف أثناء احتجازه في مركز الشرطة الاتصال بابنه (يوسف) وإبلاغه بعدم ممارسة أي نشاط معارض.
للنساء حصة من الاعتقال والتعذيب
أبشع ما عُرف في سجون البحرين كان الاعتداء على النساء بأشكال مختلفة منها "الجنسي".
هذا ما كشفه معهد البحرين للحقوق والديمقراطية المعني بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومقره لندن، في سبتمبر الماضي، حين قال إن 9 معتقلات سياسيات بحرينيات تعرضن للتعذيب الجسدي والنفسي، والإهمال الطبي، والاعتداء الجنسي، من قبل إدارة التحقيقات الجنائية في سجن مدينة عيسى.
وأكد المعهد، في تقرير حمل اسم "كسر الصمت.. السجينات يفضحن الانتهاكات"، أن المعتقلات تعرضن لأعمال انتقامية بسبب الاهتمام الدولي الذي تلقاه قضاياهن، وهن مستهدفات بشكل غير عادل من قبل حراس السجن، ويتعرضن للتعذيب.
التقرير أوضح أن إدارة السجن البحريني الذي توجد فيه المعتقلات تنفّذ سياسة العقاب الجماعي ضد جميع نزيلات السجن.
وبحسب تقارير المؤسسات الحقوقية فإن 330 امرأة بحرينية تقبع في سجون النظام البحريني منذ 2011، بتهم معلومة وأخرى مجهولة، ويخضعن للتعذيب والمحاكمات بتهم كيدية؛ للضغط على المعارضين من أزواجهن أو أولادهن.