جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج
من مجلس التعاون الخليجي الى متفرعات جامعة الدول العربية، من وزراء الداخلية والخارجية والاعلام، خلال 15 يوما تم تصنيف حزب الله اللبناني على انه منظمة ارهابية في كل هذه المجالس، دون أن ننسى الاجراءات التي اتخذتها بعض الدول الخليجية تجاه الحزب بشكل منفرد. ومن المقرر بحسب المعطيات ان تدفع المملكة لتصنيفات مماثلة في منظمة التعاون الاسلامي وجمعيات عالمية، بل قررت المملكة ان تذهب بعيدا في هذا المجال حيث يوجد تفكير جدي بالذهاب الى الامم المتحدة لا سيما المنظمات التابعة لها والتي لا تخضع لاي فيتو روسي او صيني.
لكن لعبة التصنيف هذه لعبة مزدوجة، فماذا لو قررت بعض الدول ايضا الذهاب في تصنيف الوهابية على انه فكر ارهابي ومُنتِج لكل الحركات «الاسلامية الراديكالية» المصنفة عالميا ارهابية كتنظيمي القاعدة وداعش؟ ان التصريحات الغربية من مسؤولين صغار وكبار اكثر من ان تحصى حول ان الفكر الوهابي الحاكم هو الذي يقف خلف كل هذا الارهاب المنتشر في العالم، ولقد كان المسؤولون الغربيون يطلقون مثل هذه التصريحات بعد كل عمل ارهابي يحصل في اوروبا وكان آخرها التصريحات التي جاءت بعد هجمات باريس الاخيرة التي وقعت في 13 تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي (2015).
على أن القضية ليس مجرد تصريحات لمسؤولين، فان اي طرف اذا ما قرر تسويق ادراج الوهابية على قائمة الارهاب العالمي فانه لن يجد صعوبة في الاتيان بمئات الشواهد من كتب التعليم في المملكة ومن الكتب الدينية التي تطبعها المملكة على نفقتها وتوزعها على المراكز الاسلامية في اوروربا واميركا ودول شرق اسيا فضلا عن الشرق الاوسط والخليج وباقي دول العالم. ويمكن بسهولة ايجاد النصوص الكثيرة والمدهشة التي تحرض على القتل وهدر الدم ونشر الكراهية. ان النصوص الموجودة في هذه الكتب هي ممنوعة بحسب معظم الدساتير العالمية ولوائح العقوبات والتجريم فيها، ويكفي لاي احد ان يستخرج بعض النصوص منها ويقدمها الى الجهات المختصة ليجرم نشرها وطبعها فضلا عن تجريم الواقفين خلفها نشرا وتمويلا.
فهل تستطيع المملكة ان تتحمل مثل هذه الخطوات فيما لو قرر بعض الاطراف محاربتها بنفس سلاحها؟ اننا نتحدث هنا عن عقيدة دينية تصنفها المملكة على انها عقيدتها الرسمية، وبالتالي فان ادراج الوهابية على لائحة الارهاب تعني بشكل عملي تصنيف المملكة كدولة ارهابية الا اذا اعلنت براءتها منه وفك الارتباط معه، وهذا ما لا يمكن ان يحصل ابدا لانه سيعني وبكل بساطة انتهاء السعودية كدولة موحدة على الاقل، وربما ظهور دويلات.
على ان تصنيف الوهابية ارهابية لن يكون فقط من خلال الاتهامات المتعلقة بكونها عقيدة تغذي الجماعات الارهابية، بل يسهل ايضا استحضار عشرات المواقف بل المئات من العلماء السنة ومن المختصين بالفكر التكفيري، عربا وغربيين، ممن يقرّون بهذه الحقيقة ويعترفون بها. ويمكن ايضا استحضار قرار وزارة الأوقاف المصرية بمصادرة كتب لعلماء وفقهاء مشهورين، من مكتبات المساجد، والذي صدر في حزيران يونيو من العام الماضي(2015) والذي تم التراجع عنه بضغط سعودي، وكان من بينهم كتب ابن تيمية وابن عثيمين ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم. ولا يخفى ان موقفا من وزارة كوزارة الاوقاف المصرية مع ما تمثله مصر من ثقل اسلامي سني، قد يكون عنصرا فاعلا في مضبطة الاتهام بحق العقيدة الوهابية.
وعلى اي حال فان لعبة التصنيف هذه لعبة مزدوجة والخوض فيها مغامرة غير محسوبة العواقب وهي ان دلت على شيء فانما تدل على ان من يدير السياسة السعودية اليوم ليسوا سوى مجموعة من الغلمان والصبيان احداث السن تحركهم العصبيات والانفعالات. هي قيادات ابعد ما تكون عن الحكمة التي ينبغي ان تتمتع فيها قيادات تتحكم بهذا الحجم الهائل من رؤوس الاموال وبمئات الالاف من الناس الذين يمكن تحركيهم غرائزيا عبر التحريض الطائفي والمذهبي. واذا ما وقعت الواقعة فانهم سينفضون ايديهم القذرة من كل هذا التحريض ويجلسون جانبا يتفرجون على أمة تنحر بعضها بعضا.