ابراهيم الهطلاني- المونيتور
يعتبر السلفيون ان "الولاء والبراء" مضمون التوحيد واساس الاسلام، وهي في الأصل عمل قلبي، وكما عرفها المفتي السابق للمملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن باز(توفى في مايو 1999) هي " محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم ".
كما يشترك تنظيم الدولة مع تنظيم القاعدة في تكفير الدولة السعودية ويعتبر أن حكامها طغاة مرتدون يوالون الصليبين ،وأن الجنود السعوديين في الجيش والأمن مشتركون مع آل سعود في الطغيان وقتل المجاهدين ، بحسب ما ذكره فارس آل شويل وهو من أبرز منظري التيار الجهادي "القاعدة" الذي يعتقد بكفر كل العساكر التابعين لحكومات الطواغيت ومنها الحكومة السعودية في كتابه " الباحث عن حكم قتل افراد وضباط المباحث" الذي كتبه في نوفمبر 2002 أي قبل سنتين من اعتقاله، وفيه يستند على النصوص الدينية لإيجاد مسوغ لقتل الجنود و الضباط
وقد سبق أن أعلنت وزارة الداخليّة السعوديّة في 11 آذار/مارس الفائت عن مقتل 6 مطلوبين ينتمون إلى تنظيم الدولة أثناء تبادلهم إطلاق النار مع رجال الامن في منطقة حائل (شمال غرب السعوديّة)، وقد سبق لوزارة الداخليّة السعوديّة أن أعلنت في 27 شباط/فبراير الفائت عن أسماء المتورّطين في قتل ابن عمهم رجل الأمن بدر الرشيدي، بعد أن استدرجوه إلى منطقة نائية وقتلوه في 16 شباط/فبراير الفائت، وهم شباب تتراوح أعمارهم بين 18-28 سنة، وقد ظهر أحدهم ويبدو أنّه وائل وهو أكبرهم سنّاً، في تسجيل مصوّر قبيل تنفيذ القتل، وهو يتوعّد العسكريّين السعوديّين بالقتل اذا لم يتركوا وظائفهم.
جريمة القتل هذه ليست الأولى الّتي تحدث على خلفيّة تغلغل تنظيم الدولة داخل العائلات السعوديّة، فقد سبقتها عمليّات عدّة، منها قتل الجنديّ مدوس العنزي في 24 أيلول/سبتمبر من عام 2015 في منطقة حائل على يدّ اثنين من أبناء عمه ينتميان لتنظيم الدولة، أحدهما 18 سنة والآخر21 سنة، وكان المغدور قد التحق حديثاً بقوّات الجيش، وقد أعلنت السلطات الأمنيّة بعد يومين من الحادث إلقاء القبض على أحد القاتلين وقتل الآخر خلال عمليّة تبادل إطلاق النار.
كما أقدم عبدالله الرشيد 19 سنة على قتل خاله راشد الصفيان، وهو العقيد في جهاز الأمن السعوديّ، ثمّ أخذ سيّارة خاله لينفّذ هجوماً انتحاريّاً ضدّ مركز تفتيش في جنوب الرياض. وبعد تنفيذ جريمة القتل في 16 تمّوز/يوليو من عام 2015، وجّه القاتل رسالة صوتيّة مسجّلة إلى والدته يطلب منها الصبر، معلّلاً سبب قتله لأخيها بأنّه مرتدّ وجنديّ عن الطواغيت.
وتشير تلك الحوادث العنيفة إلى مدى التغلغل الفكريّ لتنظيم الدولة داخل النسيج القبليّ والعائليّ في المملكة العربيّة السعوديّة، الّذي أصبح ظاهرة تستهدف الفئات العمريّة دون الثلاثين من السعوديّين الّذين يشكّلون نسبة 51 في المئة من مستخدمي "تويتر" على شبكة الإنترنت بحسب إحدى الدراسات الصادرة عن شركة "جلوبال ويب إنديكس"، وهي الفئة الأكثر اندفاعاً وحماسة والأسرع تأثّراً بما ينتجه تنظيم الدولة من أناشيد حماسيّة ومشاهد مثيرة تروّج لجهاد المشركين "الأجانب" والطواغيت "العرب" وإقامة الدولة الإسلاميّة، مع أنّ السلطات الأمنيّة السعوديّة تراقب مواقع التّواصل الإجتماعيّ وترصد المحرّضين على الجهاد، وحتّى المتعاطفين مع الإرهابيّين، إضافة إلى ما تعلنه المؤسّسة الدينيّة من تحريم لكلّ أنشطة الترويج لأفكار تنظيم الدولة والإنضمام إليه، وفي مقدّمها هيئة كبار العلماء، وهي أعلى هيئة دينيّة في السعوديّة، والّتي سبق أن أصدرت بياناً يحرّم ويجرّم الإلتحاق بالقاعدة وتنظيم الدولة والقتال معهما في 14 أيلول/سبتمبر من عام 2014، إضافة إلى التحذيرات الّتي أطلقها عدد من الشخصيّات الدينيّة في السعوديّة مثل إمام الحرم المكيّ صالح بن عبد الله بن حميد الموجّهة إلى الشباب لعدم الانخراط في تنظيم الدولة، ووصفه بأنّه أفّاك ومجرم.
كما تشير بيانات وزارة الداخلية السعودية المستمرة عن عمليات قتل أرهابيين اثناء تبادل اطلاق النار معهم على أن انضمام السعوديين لتنظيم الدولة في تصاعد وهذا ما أكده خليل الخليل العضو السابق في مجلس الشورى في 25 تمّوز/يوليو من عام 2015 بقوله إنّ 60 في المئة من الشباب السعوديّ جاهزون للإنضمام إلى تنظيم الدولة "داعش".
كما يدل على ان الإجراءات الأمنية والدينية التي بذلتها الرياض قد فشلت في تحقيق ما كانت تسعى إليه من إقناع كثير من أبنائها "السلفيّين" بانحراف منهج تنظيم الدولة وخطورة الانضمام إليه وذلك لأسباب عدّة منها:
أولّاً: إنّ تنظيم الدولة يقدّم من خلال إصداراته الإعلاميّة وتصريحات زعيمهم أبو بكر البغدادي نموذجاً للإمام المسلم الّذي يحفظ القرآن، مقارنة بحكّام العرب الّذين لا يجيدون قراءة بضع آيات، والقائد المقاتل الّذي يتحدّى الغرب والصليبيّة والحاكم الّذي يهتمّ بحقوق المسلمين ويدافع عن المظلومين، مقارنة بحكّام الخليج الّذي يصفهم بالتابعين للغرب.
ثانياً: إنّ تنظيم الدولة يعتمد في الترويج لأفكاره وحروبه على نصوص دينيّة "حربيّة" من القرآن والسنّة، وهي كثيرة في الفقه السنيّ يعجز كبار الفقهاء السعوديّين، ومنهم الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، عن تأويلها بما يخالف منهج تنظيم الدولة في قتال الآخرين، مثل (قَاتِلُوهُمْ "الكفار" حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ "شرك" وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ - سورة الانفال).
ثالثاً: إنّ تلك الشعارات الدينية كالتوحيد والجهاد سبق أن استخدمها جنود الملك عبدالعزيز أل سعود "اخوان من طاع الله" بين 1910-1930 أثناء حروبهم السابقة، وتمكّنوا من اجتياح قبائل ومناطق الجزيرة العربيّة، قبل أن تتحوّل إلى المملكة العربيّة السعوديّة في عام 1932.
إنّ انضمام الشباب إلى تنظيم الدولة ظاهرة عالميّة، وليست متوقّفة على السعوديّين فقط، ولكن عندما يخرج شاب من بلاد الحرمين الّتي ترفع راية التوحيد، ويعلن ولاءه وطاعته لشخص يبعد عنه آلاف الكيلومترات، كما يعلن براءته من حكّام بلاده ولا يتردّد في قتل أيّ شخص من عائلته لأنّه عسكريّ، ويتزايد عدد المعتقلين من السلفيّين غير الجهاديّين فهذا يعني أنّ الشراكة بين السلفيّة والملكيّة الّتي استمرّت ثلاثة قرون شارفت على نهايتها، وأنّ الخلاف بينهما وصل إلى حدّ الصدام والانفصال، وسيلجأ كلّ طرف في المستقبل إلى شريك جديد أو أكثر.