اعتبرت صحيفة فرنسية أن الوهابية أحد أركان النظام الديني في المملكة التي لا يمكن للسعودية أن تقطع نهائياً علاقتها معها على الرغم من الإصلاحات التي تم اتخاذها، فيما أشارت إلى أن الوهابيين الحاليين أضحوا مستعدين لمراجعة مواقفهم وتقديم تنازلات شرط الحفاظ على مصالحهم.
وقال الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، «نبيل مولين»،في تقرير له نشرته صحيفة «لي بوينت» الفرنسية: «القول بإمكانية القطيعة بين الوهابية ونظام الحكم في السعودية مناف للحقيقة، حيث يؤكد هذا الادعاء مدى الجهل بالتاريخ وبالتركيبة الاجتماعية للسعودية وطبيعة الإسلام السياسي فيها. ففي الواقع، يشكل فقهاء الوهابية، فضلاً عن الثروة النفطية، أهم ركائز النظام الديني الحاكم».
وأضاف «مولين»: «في الأثناء، يعي محمد بن سلمان هذا الأمر جيداً، ولذلك، غالباً ما يتحين الفرص للتعبير عن مدى تقديره وتعلقه برجال الدين، وخاصة مفتي المملكة».
واعتبر الباحث أن «بن سلمان يتقن سبل التعاطي مع هذا الموضوع في خضم حديثه مع الصحفيين وممثلي الدول الأجنبية، حيث يعمد إلى اختيار عباراته بعناية. وعموماً، كان أقوى رجل في الرياض واضحاً عندما تطرق للحديث عن سنة 1979، تاريخ الصحوة الإسلامية».
وشهدت سنة 1979، تحولات كبرى في العالم الإسلامي، لعل من أبرزها الثورة الإسلامية في إيران، والغزو السوفييتي لأفغانستان، إضافة إلى حادثة اقتحام الحرم المكي من قبل جماعة تبشيرية، وقد ترتب عن ذلك زعزعة الاستقرار في المملكة التي دخلت في مزايدة مع المحافظين.
وبحسب «مولين» فإنه من جهة أخرى، «لا يمكن التنبؤ بتحول العلاقات مع المؤسسة الدينية في السعودية، ولكننا متأكدون من حقيقة أن المؤسسة الوهابية تعد نقية (أي لا تدين سوى بفكر واحد). كما لا يمكننا التشكيك في تحالفها التاريخي الذي يربطها بالنظام الملكي».
انتهازية سياسية
وأوضح «مولين» أن «الإجراءات المتخذة لصالح المرأة مؤخرا، على غرار السماح لها بالقيادة وتولي مناصب هامة، تأتي في إطار مواصلة السياسة التي استهلها الملك عبد الله، الذي توفي سنة 2015. ويمكن أن تستقطب هذه الإجراءات دعم جزء من الشعب، وخاصة النساء في سبيل تلميع صورة النظام في أعين العالم الغربي، وهو ما يعد جوهر السياسة الانتهازية».
وأشار إلى أن «رجال الدين الوهابيين، قد تكيفوا مع هذه الفكرة بسرعة في سبيل الحفاظ على مصالحهم المادية والدينية، في حين يمكنهم أن يتنازلوا عما يرونه أمراً ثانوياً».
وأردف: «تم اتخاذ هذا المنهج بين سنة 1940 و1950، عندما وافق رجال الدين على حق المرأة في التعليم. فحين يصبح الإجراء أمراً لا مفر منه، يحاول الوهابيون التكيف معه بغض النظر عن حقيقة أنه لا يتماشى مع أفكارهم، أي أن الأمر أشبه بالإكراه. ولكن الوهابيين لا يقبلون مثل هذه الإجراءات دون فرض شروطهم الخاصة».
ورأى الباحث الفرنسي أن أفضل مثال على ذلك هو« السماح للمرأة بالقيادة، حيث قبلوا به مع تسجيلهم لملاحظة في ذيل نص المرسوم الذي أقر بحرية للمرأة في قيادة السيارة، حيث يشترط أولاً حصولها على موافقة رسمية من والدها أو كفيلها الشرعي، مع احترامها للباس المحافظ الذي تنص عليه الوهابية داخل الفضاءات العامة».
وعن علاقة الوهابية التي نعرفها اليوم بتلك التي أسسها «محمد بن عبدالوهاب» في القرن الثامن عشر يقول «مولين»: «لقد أراد محمد بن عبدالوهاب القيام بإصلاحات في صلب المنهج الإسلامي ترتكز على العودة إلى أصوله النقية. ولكن ذلك يعد بمثابة نوع من لدين المضاد الذي يعكس مفهوم العقيدة الصارمة المفروضة على التوجه الديني والسياسي».
وتابع: «في المقابل، بعد الحفاظ على التقاليد الوهابية مع إرساء نظام سياسي، التزم محمد بن عبدالوهاب وأتباعه تدريجياً بتطبيق ما أعتبره عملية روتينية، لم تكتمل بعد نظراً لاعتدالهم في بعض الجوانب المنظمة لعقيدتهم».
وأضاف: «منذ سنة 1932، عندما أضحت الوهابية المذهب الأكثر تشدداً في الدين الإسلامي. وعندما أحس الفقهاء بأن نفوذهم مهدد، بدأوا في المقاومة، لكن لم يكن ذلك كافياً مما اضطرهم إلى التكيف مع الإجراءات التي تعارض قناعاتهم».
وأفاد بأنه «علاوة على ذلك، أضحوا مستعدين لمراجعة مواقفهم بخصوص عدة قضايا هامة على غرار، الجهاد، والعلاقات مع الآخر مسلماً كان أو على دين آخر والتعليم ووضعية المرأة والترفيه والتكنولوجيا».
وفي الوقت الحاضر، تخفي محاولات علماء الوهابية لإرضاء العالم الغربي من خلال تقديم تنازلات تصب في صالح المرأة، أسلوباً يحيل إلى أنهم يسيرون مع التيار، ولكن بما يتفق دائماً مع مصالحهم الخاصة، بحسب الباحث الفرنسي.
يشار إلى أن «بن سلمان» قال، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إن السعودية تتجه نحو تبني مبادئ إسلامية مختلفة، دون أن يحدد حجم أو طبيعة التغييرات التي يعتزم تنفيذها.