(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
من المعلوم أنّ نظام المملكة العربية السعودية هو نظام ملكي مطلق، والمعلن هو أنّ القرآن والسنّة يُعتبران بمثابة دستور البلاد، بينما لا يوجد دستور مكتوب ملزم قانوناً، إضافةً إلى أنّ القرآن والسنّة يخضعان للتّفسير وفق المذهب الحنبلي وبمعرفة هيئة كبار العلماء وهي المؤسسة الدينية السعودية.
وقد شهدت العلاقة بين النظام الملكي ممثلاً في "آل سعود" والمؤسّسة الدينية الوهابية ممثّلة في "آل الشيخ" علاقات شدّ وجذب رغم تأسيس المملكة على التحالف بينهما والممثل في تحالف "الشهادتين والسيف" وهو رمز رئيسي في العلم السعودي للتعبير عن هذه الثنائيّة.
وفي العام 1970، ونتيجة للثروة النفطيّة والتحديث في البلاد التي بدأها الملك فيصل، كانت هناك تغييرات مهمة في المجتمع السعودي جارية ووفقاً للرّصد التاريخي، فإنّ قوّة العلماء اتّجهت إلى الانخفاض، ولكن بعد أحداث محاولة الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة المكرمة في عام 1979 من قبل جهيمان العتيبي، استجابت الحكومة للأزمة بتعزيز العلماء وزيادة الدعم المالي للمؤسسة الدينية وإعادة الاعتبار لها، كحائط صدّ أمام المتطرّفين الذين لمسوا تهاوناً دينياً بالمملكة.
ومنذ اعتلاء الملك عبد الله العرش في عام 2005، اتّخذ الملك خطوات لكبح جماح العلماء، وعلى سبيل المثال نقل سيطرتهم على تعليم الفتيات إلى وزارة التعليم، واستمرّ الشدّ والجذب إلى أن وصلنا لوضع راهن يشهد تهميشاً كاملاً للمؤسّسة على يد ولي العهد محمد بن سلمان.
ووفقاً لمسؤول سعودي في تصريحات لوكالة فرانس برس، فإنّ هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر "باتت معزولة"، خلال السنوات الأخيرة، بينما تشهد المملكة انفتاحاً غير مسبوق يتزامن مع حملة إصلاحات دينية واجتماعية.
وقال المسؤول السعودي الذي طلب عدم ذكر اسمه للوكالة: "الهيئة باتت معزولة، وجرى تقليص كبير لعدد عناصرها خصوصاً من غير المؤهّلين للدّعوة".
وبعد سنوات من الهيبة والنّفوذ في الشارع السعودي، تراجع دور الهيئة التي كانت بمثابة شرطة دينية، مع انطلاق الحملة الإصلاحية التي ينفّذها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وصارت تطلق حملات للتّوعية بالأخلاق ومواجهة الوباء والتّحذير من مثيري الفتن، من على الشاشات الرقمية واللوحات الإعلانية في الشوارع ومنصّات التواصل الاجتماعي.
ويقضي عدد كبير من عناصر الهيئة حالياً غالبية وقتهم في مكاتبهم دون الاحتكاك بالناس في الشوارع، ما يُثير إحباط وحنق الأكثر تشدداً منهم، على ما أفاد مصدران مطّلعان على أنشطة الهيئة لوكالة "فرانس برس".
ونقلت الوكالة عن الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس ستيفان لاكروا استبعاده أن تتّجه السعودية لحلّ الهيئة، قائلا: "تظلّ الهيئة علامة على هوية سعودية مميّزة يرتبط بها العديد من السعوديين المحافظين. الأمر الأكثر ترجيحًا هو استمرار إعادة توظيف دورها".
وقال تركي، وهو اسم مستعار لعضو سابق في الهيئة، وعمل بها لأكثر من عشر سنوات: "وجود الهيئة بات شكلياً تماماً. لم يعُد مسموحاً لنا التدخّل وتغيير أي سلوكيّات كنّا نعتبرها غير لائقة"، مشيراً إلى أنّ الكثيرين مستمرون بالعمل "من أجل الراتب فقط".
وهنا يبرز سؤال هام، وهو هل تتّجه المملكة لفضّ التّحالف التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ، وهل يتغيّر وجه المملكة الوهابي وهل يقبل الشّعب بذلك، أم أنّ الأمر ينطوي على مجازفة كبيرة؟
بَداية، صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لصحيفة "واشنطن بوست"، إنّ بلاده نشرت الوهابيّة بطلب من حلفائها لمواجهة نفوذ الاتّحاد السوفيتي.
وفي مقابلة مع مجلة "تايم" الأمريكية اعتبر بن سلمان أنّ ربط اسم المملكة العربية السعودية بالتيّار الديني الوهابي هو مجرّد اختلاقات يروّج لها المتطرّفون والحكومة الإيرانية من أجل الإضرار ببلاده وعزلها عن محيطها الإسلامي.
ورداً على السؤال إن كان هناك "خطورة" في محاولة إبعاد المملكة عن "الوهابية"، أجاب ولي العهد السعودي : "ما هي الوهابية؟ يجب أن نشرح ما هي الوهابية. لأنّه لا يوجد شيء بهذا الاسم. إنّها مجرّد أفكار روّج لها المتطرّفون بعد عام 1979 فقط من أجل جعل السعوديين جزءاً من شيء لا ينتمون إليه".
وقال محمد بن سلمان: "إذاً فإنّ فكرة الوهابية، يتمّ التّرويج لها من قِبَل طرفين: المتطرّفون السّاعون لاختطاف السعودية بفكرة أنّهم لا يفضّلون التّجديد ويريدون العودة إلى القديم. هذا الطرف الأوّل، والثاني هو النظام الإيراني الساعي لعزلنا عن العالم الإسلامي كلّه من خلال الادّعاء بأنّنا ننتمي إلى طائفة مغايرة في المملكة السعودية".
وهنا ينفي ولي العهد ما هو معلوم من التاريخ بالضّرورة من أنّ تاريخ نشأة الدولة السعودية الأولى عام 1744 يرجع إلى التّحالف الذي قام بين شخصيتين هامتين هما: محمد بن سعود، مؤسّس العائلة الحاكمة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنّ ابن سعود كان أحد أبرز القادة القبليين والعسكريين في عصره، ورغم ذلك فقد كان من الممكن أن يبقى "شخصية مغمورة" لو لم يتحالف مع حركة محمد بن عبد الوهاب، والتي أتاحت المجال أمام القوة السياسية العسكرية التي امتلكها ابن سعود لإرساء دعائم سلطة واسعة على شبه الجزيرة العربية، مضفيةً عليها الشرعية اللازمة التي تمنحها الاستمرارية والحياة.
ويتجاوز ولي العهد أيضاً حقائق التاريخ التي تُفيد بأنّ هذه العلاقة لم تتوقّف عند وفاة الرجلين وانتهاء الدولة السعودية الأولى، حيث ترك كلّ منهما عائلة حريصة على مواصلة الأدوار في هذه الشراكة بين الأمراء والعلماء.
وتمّ تحويل تلك الشراكة إلى علاقة مؤسّساتية مستمرّة، "فالعلاقة بين آل سعود وآل الشيخ (كما كانت تسمّى عائلة بن عبد الوهاب) بعد الدولتين السعوديتين لتصبح في النهاية القوة التي تضفي الشرعية وتقف وراء الدولة السعودية الحديثة".
وقد أحيا الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -مؤسس الدولة السعودية الثالثة والحالية- هذا الحلف التاريخي بين أسرته وأسرة الشيخ بن عبد الوهاب، وقد أخذ التحالف بين السلطة السياسية والسلطة الدينية شكل المصاهرة هذه المرة، حيث تزوّج الملك عبد العزيز من ابنة الشيخ عبد الله بن عبد اللّطيف آل الشيخ، الذي كان يعدّ شيخ علماء المذهب الوهابي حينها.
هنا يتبرأ بن سلمان من الوهابية ويصفها بأنّها وصمة وتهمة يوجّهها خصوم المملكة لها!
فهل كان الشعب السعودي يأخذ دينه من مؤسسة لكونها متحالفة مع النظام الملكي، ثمّ يبدّل دينه بعد فضّ التّحالف؟
وهل صدرت توجيهات جديدة من الغرب للمملكة باعتناق مذهب جديد بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي وانتفاء الغرض لتوظيف الوهابية كما صرح بن سلمان؟
وهل تتّجه المملكة لفصل الدين عن السياسة، رغم أنّ توظيف الدين وتحديداً الوهابيّة كانت ولا تزال سلاحها الأبرز لتكفير الخصوم وشنّ الدّعايات عليهم؟
وهل سيكون التّطبيع مع العدو الإسرائيلي هو المذهب الجديد والسلاح الأحدث للنظام السعودي؟