عبدالله بن عامر- من المحيط إلى الخليج-

في منزل بن سويلم بالدرعية الذي التجأ اليه المُلا محمد بن عبدالوهاب، جرى أول لقاء بينه وبين محمد بن سعود حاكم الدرعية.

تذكر المراجع التاريخية الدور المهم الذي لعبته زوجة محمد بن سعود (موضى بنت ابي وحطان) في دفع زوجها الى الذهاب للشيخ محمد بن عبدالوهاب والعناية به (محمود شكري " تاريخ نجد " ص 110) الذي رأت فيه مكسباً مهماً لزوجها (ابن بشر "عنوان المجد في تاريخ نجد" ج 1 ص 42) وبالفعل استجاب محمد بن سعود لنصيحتها (حسين خلف خزعل " تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب" ص 159) وأنتقل على الفور الى منزل بن سويلم فعندما دخل على بن عبدالوهاب بادره قائلاً أبشر بالخير والعزة والمنعة فرد عليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأنت أبشر باليمن والغلبة على جميع بلاد نجد (حسين خلف خزعل تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب ص 160) وبهذه الكلمات بدأ الاتفاق بين بن سعود وبن عبدالوهاب على تأسيس المشروع الذي جمعهما حيث سيشمل الاتفاق الجوانب الدينية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.

وكان من ضمن ما تم الاتفاق عليه تكفل بن سعود بحماية بن عبدالوهاب المطارد حينها من قبل القبائل النجدية على أن يظل بن عبدالوهاب في الدرعية دون أن يغادرها ولا يعترض على ما يؤخذ من أموال من أهل الدرعية، وهنا أشار بن عبدالوهاب الى ما يُمكن الحصول عليه من غنائم وأموال اذا ما تم الإعداد لغزوات وحملات عسكرية خاطفة على المناطق المجاورة.

هذه هي قصة تأسيس الدولة السعودية الأولى وكان ذلك في العام 1744م وليس كما يتحدث الإعلام السعودي اليوم من أن يوم التأسيس يعود الى 1727م في محاولة لالغاء الدور الوهابي في تاريخ السعودية وهو ما لا يمكن أن يتحقق لأسباب عدة على رأسها أن الدرعية قبل وصول بن عبدالوهاب لم يكن لها طموحات توسعية أو مشروع عقائدي يقوم على تكفير الآخرين بل كانت مجرد منطقة تتحكم بها النزاعات القبلية وتخضع كبقية مناطق نجد للصراع العشائري ورغم اختلافنا مع المبدأ الوهابي الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى إلا أن محاولات السلطة السعودية اليوم من خلال إعلان يوم التأسيس يشير الى جهود تبذلها هذه السلطة من أجل تحريف التاريخ بغض النظر عن الأهداف الحقيقية لذلك.

لقد كان محمد بن عبدالوهاب كما تؤكد المراجع السعودية نفسها صاحب القرار الأول في الدولة السعودية الأولى وهو ما يجعل اطلاق وصف الوهابية على تلك الدولة أمراً يطابق الواقع الذي كان حيث يقول بن شهاب : "وصارت الإمارة الكبرى وهي إمارة الدين لمحمد بن عبدالوهاب وما يتبعها من مصالح الدنيا كتدبير الحروب والمصالحة والعداوة وما يرجع إلى آلة الحرب وما يُتعلم لأجله" ( حسن الريكي " لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب" تحقيق العثيمين ص 80)

المؤرخون السعوديون انفسهم يعيدون تاريخ السعودية الأولى الى اللقاء الذي جمع بن سعود وبن عبدالوهاب وكذلك يؤكد جون فيلبي المستشار المعروف للملك عبدالعزيز أن العام 1745م شهد تحولاً جذرياً في تاريخ الجزيرة العربية وذلك بتدشين التحالف بين المحمدين كما يقول (جون فيلبي" تاريخ نجد" ص 61) فبعد ذلك اللقاء بدأت الدرعية كمشروع سياسي تحت شعارات دينية ويهدف الى التوسع في الجزيرة العربية والعراق والشام , ولولا ذلك الحدث لظلت الدرعية مجرد منطقة يسري عليها ما يسري على بقية مناطق نجد من صراعات عشائرية ومناطقية.

من الدرعية انطلق الوهابيون لتطهير الجزيرة كما يقولون من المشركين والوثنيين وتم اعتبار اليمن جزء من البلاد المشركة (أحمد علي آل سعود قدم له وراجعه وعلق عليه د. علي رحمى ص 63) والتي تستحق التطهير تماماً مثل بقية مناطق الجزيرة قبل ظهور محمد بن عبدالوهاب (ابن بشر "عنوان المجد في تاريخ نجد" ج 1 ص 33) الذي جرى وصف ظهوره ودعوته على أنها إخراج للجزيرة من الظلمات إلى النور (د. منير العجلاني " تاريخ البلاد العربية السعودية الدولة السعودية الأولى ج2 عهد الإمام عبدالعزيز" ص 5) ولم يتردد ابن غنام وهو يعدد الشركيات والوثنيات في اليمن : ما يفعل في بلاد اليمن أكثر من أن يستقصى فأهل شرقي صنعاء عند قبر الهادي وأهل برع عندهم البرعي من زيارات وذبائح وأهل الحجرية ابن علوان فليس في أقطار اليمن من يساويه في الشهرة (حسين بن غنام " تاريخ نجد روضة الأفكار والافهام" تحقيق ناصر الدين الأسد ص 19) وفي عسير أيضاً كغيرها من البلاد فيها شرك وضلال (عبدالواحد محمد راغب" البيان في تاريخ جازان وعسير ونجران" ص 8) وفي الشحر وحضرموت عندهم العيدروس وفي المخا علي بن عمر الشاذلي وعند أهل الحديدة الشيخ صديق وأهل اللحية الزيلعي والطامة الكبرى في نجران بتعظيم السيد (حسين بن غنام " تاريخ نجد روضة الأفكار والافهام " ـ تحقيق ناصر الدين الأسد ص 20)

والامر ذاته بالنسبة للإحساء والعراق وبقية المناطق التي أصبحت هدفاً لغزوات الوهابيين وفيها ارتكبوا الجرائم من قتل ونهب وسلب إضافة الى الاعتداء على المقدسات بما في ذلك مكة والمدينة ومنع اليمنيين من الحج بحجة أنهم مشركون وأن عليهم اعلان اسلامهم مجدداً حتى يسمح لهم بالوصول الى مكة.

لقد تمكن محمد بن عبدالوهاب من الحصول على حماية محمد بن سعود الذي وافق على أن تكون الدرعية منطلقاً للوهابية بأفكارها المتشددة بعد أن كان بن عبدالوهاب يبحث عن حليف يتمكن من خلاله على تأسيس مشروعه فقبل أن يلجأ الى الدرعية كان قد استقر في حريملا وأدت الخلافات إلى انتقاله إلى العيينه (حسين بن غنام " تاريخ نجد روضة الأفكار والإفهام " تحقيق ناصر الدين الأسد ص 84) مصطحباً معه زوجته الجوهرة (ابن بشر " عنوان المجد في تاريخ نجد ج 1 " ص 38) ولم يتردد المُلا محمد .. كما كان يطلق عليه .. في استئناف نشاطه بمحاربة الشرك والضلال .. كما كان يدعي.. فشرع كما يقول فيلبي في قطع الأشجار المقدسة لدى نساء تلك المنطقة وباشر قطع الشجرة الأكبر بنفسه (جون فيلبي " تاريخ نجد" ص 52) مع هدم المشاهد والقبور, وأثار مشهد رجم امرأة أقرت بالزنا فزع الجميع (حسين بن غنام " تاريخ نجد" ص 85 ود. عبدالحكيم عبدالغني قاسم " الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر" ص 199) في كل أرجاء نجد (ابن بشر "عنوان المجد في تاريخ نجد" ج 1 ص 39) وأدت تلك الحادثة الى موجة من السخط فأضطر الشيخ محمد بن عبدالوهاب الى الفرار الى الدرعية وهناك وجد ما كان يبحث عنه.