محمد محمود مرتضى- السفير اللبنانية-
ان يُقتل الشيخ النمر فليس امرا مستغربا في مملكة عرف عنها أحكامها العنيفة في مجال «مكافحة» الرأي. فليست المملكة تلك الدولة التي ينعم فيها مواطنوها بحقوق التعبير، شأنها في ذلك شأن معظم البلدان العربية، لكنها بلا شك أكثر الدول عنفاً في الاحكام المتخذة بحق الناشطين. تتحصن المملكة «بالرأي الديني» المسمى «فتوى»، تشن على المعترضين حربا تصل حد «التكفير»، فلا يجوز الاعتراض على «حكم الله» ولا على حكم «ولي الامر» كائنا من كان هذا «الولي»، عالما كان ام جاهلا، عادلا كان ام جائرا، مؤمناً كان أم فاسقاً، ما يعيد طرح قضية «ولاية المتغلب» على طاولة البحث. هو ولي الامر لمجرد انه الملك، الامير المطاع، صاحب الرأي الواحد الفارد، والسلطة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. حكمه نافذ وقوله الحق، فمن عارضه فقد عارض الله وأحكامه، ومن عارض الله فحد الحرابة حكمه، وقطع الرأس مصيره.
على أن حكم الاعدام بقطع الرأس ليس بجديد في المملكة، وما لم يتجرأ البعض على قوله منذ صعود ظاهرة «داعش»، عن ربط فكري وعملي بينه وبين الوهابية، بدأ الكثيرون يتحدثون عنه، تلميحا تارة، وتصريحا اخرى، لكن من غير المرجح ان تصل هذه الاصوات، لا سيما في الغرب، الى حد المطالبة بتغيير نظام العقوبات، او الحديث عن فقدان الملك او الامير لشرعيته، كما يجري في اماكن اخرى حول العالم. فالمملكة عرفت كيف تجري اتفاقياتها التجارية، وعرفت بعضا من خفايا لعبة مراكز الابحاث وصنع القرار والرأي العام الغربي. استفادت من تجربة احداث الحادي عشر من ايلول عندما صوبت اليها اصابع الاتهام بعد ان تبين ان خمسة عشر شخصا تورطوا في الهجمات هم من الجنسية السعودية. لذلك بدأت حملتها الممولة منذ مدة، عبر بعض مراكز الابحاث والاحصاءات، لتسويق فكرة ان المملكة محاربة للإرهاب لا منتجة له، وأنها ضحية لا صانعة، وأنها من أكثر الدول إنفاقا على محاربته. وبالتوازي مع هذه الحملة، حملة تلميع الصورة: انتخابات دخلت فيها المرأة لأول مرة، احصاءات عن تطور نسبة المساواة بين الجنسين، مركز مرموق في مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة.
ما الذي يمكن فعله أكثر من ذلك؟ تعلم المملكة انها فوق المحاسبة والمساءلة، على الاقل في الوقت الحالي، حيث لا اولوية لفتح ملف حقوق الانسان فيها في ظل لحظة اشتعال اقليمي.
ماذا في المقابل؟ صراع محموم على السلطة داخل العائلة الحاكمة بين تيار «نايفي» وآخر «سلماني»، كل طرف يسعى فيه لاثبات «حزمه»، يضرب ولي ولي العهد في اليمن وبتحالفات «اسلامية» شكلية لاثبات الذات، فيرد ولي العهد باعدامات واقامة حد «الحرابة»، ولكلا «الوليين» تجد المؤيدين والمصفقين، في تنافس أكثر ما يشبه مبارة تسجيل النقاط، مسرحها الدم الخارجي والداخلي من «الفئة الضالة»، التي ضلت عن «صراط الوهابية المستقيم»! على ان الفئة الضالة هذه هي فقط من يفكر بأعمال ارهابية داخل المملكة، كبعض الشبكات الداعشية، او من يوجه النقد القولي «لولي الامر» ويطالب بالحقوق المسلوبة، وان كانت مطالبة قولية سلمية، كالتهمة التي قُطِع رأس الشيخ النمر بسببها.
اذن، «ضلال» هاتين الفئتين واحد، لا فرق بين قولي وفعلي، طالما ان الداخل السعودي هو المسرح، اما اذا كان مسرح عمل «الفئة الضالة» هو الخارج، كالقتال في سوريا او العراق او مصر او ليبيا، فمصيره المناصحة ثم المناصحة ثم المناصحة حتى ينقطع النفس، وفي أسوأ الاحتمالات احكام بالسجن لبضع سنين، فلله الحكم من قبل ومن بعد، ولولي الامر الرؤوف الحنون. (تمكن مراجعة الاحكام الصادرة بحق من يثبت قتاله في سوريا).
هل فُقدت الحكمة عند قيادات المملكة؟ قد يصعب القول انه كان ثمة حكمة اصلا، وما كان يبدو في السابق على انه حكمة، كان في الحقيقة قتال بالواسطة وعبر الوكلاء، وعندما تراجع الوكيل، وأصبح التكفير مضبطة اتهام، تقدم الاصيل.
قُتل الشيخ النمر، وضبط القاتل بالجرم المشهود، قتله بقطع الرأس، في مشهد يعيد التصويب على من أنتج «داعش». لكن قتل النمر قد لا يمر على خير، قالها أكثر من طرف ومن بينها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
ان من قُطع رأسه ليس الشيخ النمر، بل الحكمة التي ينبغي ان تكون ضالة المؤمن. وإذا قُطع رأس الحكمة فأي مصير ينتظر الامة؟