عقل العقل- الحياة السعودية-
قبل شهر حدثت في مدينة الرقة السورية حادثة شنيعة ارتكبها «داعشي» صغير في العمر، وذلك عندما نفّذ القتل بأمه، التي كان سبب قتلها على يد فلذة كبدها أنها حاولت إقناعه بترك التنظيم.
مثل هذا السلوك الوحشي المغاير للطبيعة البشرية يطرح أكثر من تساؤل عن كيفية تجنيد أعضاء هذا التنظيم لقتل أقاربهم؟ وأين تكمن المعضلة في سلوكهم الإجرامي؟ وأين نحن من محاولة معرفة الأساس الفكري الذي يبيح لهم ويحلل قتل الأقارب؟
نحن نشاهد ونصطدم بمثل هذه المناظر البشعة، ولكننا للأسف نكتفي بالشجب، والاستنكار، وتجييش الإعلام، وخطب المساجد ضد أيديولوجية هذا التنظيم، وأنه لا يمثل الإسلام، وأنه فئة خارجة مارقة عليه، ولا تمثل معظم المسلمين، ولكن يبدو أننا نعيش في أزمة فهم للفكر، ولكن نشهد - وخصوصاً في عالمنا العربي- أن الذين ينتقدون الفكر المتشدد، الذي يجد هؤلاء الإرهابيون فيه مشرِّعاً لهم في وحشيتهم، يتعرضون للتكفير والتهديد لحياتهم، وبعضهم تعرض لعمليات قتل بسبب رؤاهم الفكرية.
لا شك أن هناك عوامل انسداد حضارية نعيشها في المجتمعات العربية، إضافة إلى فشل الدولة العربية الحديثة، ما أوجد حالة من اليأس جراء الهزائم الحضارية قبل العسكرية للشعوب العربية، هذه الحالة من الإحباط شهدت حالة من الوتيرة السريعة بفضل العولمة الاقتصادية بأشكالها المتعددة، خصوصاً المعلوماتية، التي لا شك أنها رفعت سقف المطالب الشعبية في التحديث والتنمية الاقتصادية والسياسية، ولكن على أرض الواقع نجد حالة الانسداد تزداد عمقاً، على رغم الكم الهائل من المعرفة المتاحة للشعوب العربية.
ما ذكرته أعلاه يبين أننا نعيش أزمة حضارية حقيقية، والفوضى التي نمر بها - ونحن ضحاياها - على رغم بشاعتها، وسلوك أفراد تلك التنظيمات الإرهابية بقتل ذويهم، هي دليل على مصيرية المراجعة للخطاب الديني المتشدد بشكل حقيقي وليس تجميلي، وأخطر ما أتحدث عنه أننا نجد الكثير من شعوب هذه المنطقة تتعاطف مع هذه التنظيمات الإرهابية تحت غطاء التأجيج الطائفي في عالمنا العربي.
حوادث قتل «الدواعش» لأقاربهم تفجعنا ولا شك، لما تحمله من علامات الغدر، ولاستغلال العلاقات الأسرية والقبلية، ما يسهل الوصول إلى أهدافهم بكل سهولة، خصوصاً أن التنظيم - وكلنا نعرف - فشل في إذكاء فتنة طائفية في مجتمعنا عندما استهدف دور العبادة لإخوتنا الشيعة، ثم انتقل إلى استهداف رجال الأمن في أكثر من حادثة، وآخرها كان مسجد الطوارئ في أبها بخيانة أحد العاملين في ذلك الموقع عن طريق علاقة عائلية، ما سهل وقوع ذلك الهجوم الإرهابي، بل إن ذلك الخائن كان يسعف المصابين في التفجير، وأثبتت التحقيقات خيانته للأمانة ولوطنه.
عملية قتل بدر الرشيدي على يد مجموعة من أقاربه «الدواعش»، منهم الطبيب والمهندس الذي لا يغير من الموضوع، إذ يستغرب الكثير منا ارتكاب طبيب مثل هذا الفعل الإجرامي، مستغلاً قرابته من الضحية المستدرجة، ولكن القضية هي مسألة فكر وأيديولوجيا يقتنع بها البسيط والمتعلم، وعلينا ألا نهتم ونركز على هذه الجزئية، بل الالتفات إلى تفكيك فكرهم الديني المنحرف، من طريق إعادة شرحٍ لمنظومة الفكر الديني الوسطي، إن كنا جادين في حماية مجتمعاتنا من هذا الخطر الداهم.
إن «الدواعش» باستغلالهم لرابطة القرابة هم يعملون على ضرب السلم الاجتماعي بعد فشلهم في ضرب المؤسسات الرسمية، خصوصاً الأمنية.
نقطة أخيرة علينا القيام بها كمجتمع فاعل ويحافظ على أمنه ومقدراته، وهي عدم التردد في إبلاغ الجهات الرسمية عن أي تغير فكري وسلوكي لأفراد عائلاتنا وأسرنا الصغيرة، وعدم السكوت عن ذلك، فهو حماية للمجتمع ولهم من الانجرار إلى مستنقع الدم.