ح.سلفية » داعش

التنظيمات والمليشيات الإرهابية ترتعد بقرب نهايتها

في 2016/03/05

د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب- الجزيرة السعودية-

منذ نشأة «داعش وأبو بكر البغدادي»، ركّز في كلمته تجاه المملكة العربية السعودية، حيث وصفها في تسجيله الصوتي بأنها رأس الأفعى ومعقل الداء، ومنذ ذلك الوقت طالب أنصاره بشن هجمات في السعودية، بالطبع بدأ بدغدغة مشاعر المتشددين في السعودية عندما قال لا مكان للمشركين في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وحدد لهم الأولويات، عندما قال: «عليكم أولاً بالرافضة، ثم حرّض على استهداف كل من في السعودية، وقال مزقوهم إرباً، نغصوا عليهم عيشهم»، أي أنه كان خطاباً دوغمائياً، لأن تفكيك الخطاب الذي صرح به عبر تسجيل صوتي لن يحتاج إلى جهد شرعي لتفكيكه، لأن جزيرة العرب لا يوجد فيها مشركون مستوطنون، لكن هناك عاملون، وهناك فرق بين الفريقين، بينما بقية الخطاب، فكل عاقل لا يمكن أن يقبله، بل إن الخطاب يفضح حقيقة ادعاء «أبو بكر البغدادي» بأنه رجل دين, وأنه يدعو إلى إقامة الدولة الإسلامية عبر خلافة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية على طريقته.

وبالفعل كانت هناك استهدافات كثيرة لحدود المملكة ولكنها فشلت سوى عدد قليل جدا تمكن الأمن السعودي من مواجهته، تلك الاستهدافات كانت عبر عمليات انتحارية مفاجئة من أجل شرعنة مشروع التنظيم حتى يضمن انضمام أعداد جديدة خصوصاً من السعودية إلى تنظيمه لأنه يعتبر السعوديين الوقود الحقيقي لمشروعه التنظيمي المدعوم إيرانياً واستخباراتيا من قِبل عديد من الدول الإقليمية والعالمية، وهو ما يفسر سيطرة التنظيم على آبار البترول في سوريا، وحصوله على أسلحة متقدمة متناغمة وجديدة.

فبدأ «أبو بكر البغدادي» باستهداف الدالوة في محافظة الأحساء شرق السعودية من أجل إثارة الفتنة واللحمة الوطنية وراح ضحيتها ثمانية من المواطنين بالإضافة إلى شهيد الواجب النقيب محمد العنزي.

ثم بدأ يستهدف التنظيم النقاط الأمنية على الحدود والتسلل في الخامس من يناير 2015 قادمين من العراق إلى الأراضي السعودية بالقرب من مركز سويف التابع لجديدة عرعر أسفر عن استشهاد رجلي أمن بعدما فجر الانتحاري نفسه، ثم تبنى التنظيم إطلاق النار على مقيم من الجنسية الدنماركية في العاصمة السعودية في 22 نوفمبر 2015.

بدأ التنظيم يواجه تضييقاً عليه في الحدود، فبدأ يتجه إلى التهديد الذي يستهدف الأمن الاجتماعي المباشر وهو أخطر أنواع التهديدات من أجل أن يثير الرعب وينزع الثقة بين المجتمع السعودي الواحد بل حتى بين العائلة الواحدة.

كان آخرها إرهابيين يبايعون البغدادي على الغدر بأحد أقاربهم، وهذه المرة الأولى التي صدمت المجتمع السعودي بأنهم يحملون شهادات علمية رفيعة أفسدتها عقيدة الخراب والقتل، وبدأ يتساءل المجتمع عن الأسباب التي دعتهم إلى الانضمام إلى هذا التنظيم؟ وما هي الوسائل والأدوات التي استطاع التنظيم ترويج فكرهم عبرها؟ وما هي مضامين هذا الحوار التي استخدمه التنظيم؟ ومن هم الذين تولوا إدارة مثل هذا الحوار؟ وما هي جنسياتهم وأعمارهم والمستوى العلمي والديني والفقهي الذي يحملونه؟ وما هو الفكر الذي تسلل إلى تلك العقول؟ وكيف يدير التنظيم مثل هذه الحوارات؟ وهل يدير مثل تلك الحوارات بعيداً عن أعين المجتمع بكافة مستوياته؟ وما هي الأعمار التي يستهدفها؟ أو ما هي العقول التي يستهدفها ؟ هل هي القريبة من فكره ويكتشفها عبر تتبع الحوارات عبر أدوات التواصل الاجتماعي فيتصيدها؟ أسئلة كثيرة جداً؟ فأين مكامن الخلل؟.

هناك دراسات وإحصاءات أثبتت أن التنظيم يجند 80 في المائة من أتباعه عبر شبكة التواصل الاجتماعي، وهو يقود حوارات مكثفة عبر شبكة الإنترنت مع متشددين الذين يتحولوا إلى متطرفين, والمتطرف قابل لحمل السلاح وتنفيذ الأوامر، فإذا كان المجرمون ينتحلون شخصيات رؤساء تنفيذيين ونصبوا شراكهم لآلاف الشركات في 108 بلداً، والخطر آخذ في الازدياد، بينما تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم الإنترنت في تجنيد المتطرفين.

هناك سؤال مهم, هل بهذا الخطر المحدق كبير الحجم، هل يتمكن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بمفرده مجابهة تنظيم بهذه القدرات مدعوماً استخباراتياً وإقليمياً، أم أن واجب المجتمع بكافة مكوناته وأطيافه من رجال علم وأساتذة جامعات ومعلمين ومثقفين وإعلاميين من أن يتكاتفوا في مواجهة هذا الخطر الذي يحيق بالمجتمع، بدءًا من التشدد إلى التطرف الفكري، كما من الواجب استخدام نفس التقنيات التي يستخدمها داعش، والحضور بكثافة في تلك الحوارات للوقوف على مكونات وأسباب نشوء التطرف التي لا تفيد فيها الخطابات والوسائل التقليدية السائدة والتي لم تكن تنفع في مواجهة مثل هذا التنظيم الذي يستخدم الثورة الصناعية الرابعة، بكل اقتدار.

يجب رعاية شريحة مهمة من المجتمع، خصوصاً شريحة شباب الجامعات، والبحث لهم عن فرص تدريبية تؤهلهم في الحصول على فرص وظيفية، حيث لا يزال يستأثر الوافدون بنحو 88 في المائة من الوظائف الجديدة المستحدثة عام 2015 والبالغة 417 ألف أي استأثر الوافدون بنحو 368 ألف وظيفة، وهي وسيلة مهمة لتحصين الشاب، إلى جانب تحصينه فكرياً التي تعتمد على لغة الحوار والتفاهم لحل المشكلات الفكرية والنفسية التي يتعرض لها مثل هؤلاء الشباب.

الغرب لا يهمه تنظيم داعش لأن تنظيم داعش يستهدف العرب والمسلمين وبشكل خاص السعودية ومن الدول التي تحيط بالسعودية خصوصاً من العراق ومن الأردن واليمن وهو يطرق الآن أسوار بغداد بعد سنة ونصف على إعلان زوال خطره، ما يعني أن الخطر الذي يهدد السعودية من المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران, فالتنظيمان يستهدفان السعودية من العراق ومن اليمن وقتال السعودية في لبنان وسوريا، ما جعل دول الخليج اتخذت قراراً بعد قيام تنظيم مليشيات حزب الله بأعمال عدائية للأمن القومي الخليجي والعربي, بأن وضعه على لائحة التنظيمات الإرهابية.

تلك التنظيمات لا تستهدف الغرب ولا حتى إسرائيل وإذا استهدف حزب الله إسرائيل عام 2006 سوى غطاء والآن قتاله ضد الشعب السوري يثبت أنه لم يستهدف إسرائيل للدفاع عن الأمن اللبناني بل من أجل التغطية على تثبيت مكانة الحزب، وهو ما يدركه الغرب، وما يهمه سوى أزمة اللاجئين التي تخرج عن السيطرة، ويعتبرونها في النهاية أكثر خطراً من اليورو على مستقبل الاتحاد الأوربي.

وهو يعرف أيضاً حقيقة تنظيم داعش الذي تم دعمه عن طريق استخبارات إيران ودول عديدة، ويعرف حق اليقين أن إيران احتضنت منفذي تفجير الخبر عام 1996، خصوصاً بعدما كشفت السعودية أدوار 24 من الدبلوماسيين, والاستخبارات الإيرانية في التجسس على السعودية، وأسقطت شبكة تجسس تضم 16 سعودياً وإيرانياً ولبنانياً.

ويدرك الغرب أن إيران تواجه السعودية والعرب بتشكيل خلايا إرهابية، وهي التي سمحت بنشأة داعش تحت نظرها حتى تجد المبرر القانوني والشرعي للتدخل في العراق وسوريا كحجة، حتى لا تتفرد أمريكا والسعودية بالمنطقة وهو ضمن صراع إقليمي دولي، ودخلت أخيراً روسيا حلبة الصراع لكن فقط في سوريا، بعد تفاهم جرى مع أمريكا بعدما وضعت لروسيا الخطوط الحمراء من التدخل في المنطقة, ولن تقبل أن تتدخل روسيا في العراق بل تقبل أن تتدخل في سوريا ضمن صراع إقليمي دولي حتى يصل الجميع إلى تقاسم النفوذ بينما السعودية تهدف إلى الحفاظ على الأمن العربي والدفاع عن وحدة سوريا وترفض تقسيمها بالتحالف مع تركيا، لذلك لن تقضي أمريكا على داعش باعتبارها ورقة لم يحن القضاء عليها لأنها مرتبطة بنهاية أزمة المنطقة.

وجدت إيران وأمريكا أن السعودية هي الأخرى تتقن لعبة استخدام ورقة الإرهاب، عندما شكلت التحالف الإسلامي العسكري البري لدعم الغطاء الجوي الذي تقوده الولايات المتحدة، وأعلنت السعودية أن التحالف الإسلامي العسكري يهدف لمحاربة الإرهاب، وليس فقط داعش بل حتى المليشيات الشيعية.

الجميع يستوي في تلك الحرب، وهو ما أزعج إيران بعدما بدأت السعودية تتجه في القضاء على الحوثيين، تتجه الآن لتفكيك حزب الله في لبنان بعد وضعه على قائمة الإرهاب دون سقوف، أي التفريق بين الجناحين العسكري والسياسي شبيهة بالتوليفة البريطانية التي تفرق بين الجناحين العسكري والسياسي، وهي مواجهة مفتوحة، وعلى القوى السياسية في لبنان أن تستدرك الموقف السعودي الخليجي الجديد، كما تستهدف السعودية بهذا التحالف العسكري الإسلامي مواجهة المليشيات الشيعية في سوريا وفي العراق.

لذلك لم يكن أمام إيران سوى الضغط على أتباعها في داعش بمواصلة استهداف الأمن المجتمعي بالسعودية لزعزعة الاستقرار داخل المجتمع السعودي، وبث الرعب والهلع بين المجتمع وإفقاده الثقة في نفسه، خصوصاً بعدما بدأ التنظيم يفقد العصب الاقتصادي له في سوريا والعراق بعد التفاهم الروسي الأمريكي على وقف النار في سوريا الذي يمكن أن تصل جميع الأطراف في سوريا إلى اتفاق سياسي ما يعني نهاية داعش على يد قوات التحالف الإسلامي العسكري البري التي تقودها السعودية، وهي كذلك نهاية النفوذ الإيراني ووقف مليشياتها المنتشرة في المنطقة.