ح.سلفية » داعش

الدواعش في صحن الدار..!

في 2016/03/23

يوسف بن عبدالعزيز أباالخيل- الرياض السعودية-

إن أول تحرك جدي لمحاربة تلك الجماعات الآتية من أدغال التاريخ إنما يكمن في تجريم التنابز المذهبي بكل أشكاله ومظاهره تخيل، فيما أنت مستعد للخروج من بيتك، وسط أنباء عن تجول الفرق الداعشية في محيط مدينتك أو محافظتك، وإذا بابنك يدخل عليك مذهولا زائغ العينين يخبرك أن الدواعش في صحن الدار! تذهب إليهم سريعا، وفؤادك كفؤاد أم موسى، وحزنك كحزن يعقوب، فتجد أبا عكرمة ممتشقاً بندقيته، وعلى يمينه أبا الحارث، وعلى يساره أبا البراء، فتسلم عليهم فلا يردون عليك السلام، وإنما يطلب منك أبوعكرمة إحضار زوجتك وبنياتك إليهم فورا، وعندما تسألهم: ماذا تريدون بهن؟ يجيبك أبو الحارث: إخسأ يا عدو الله، أتريدنا أن نعطل حكما من أحكام "الجهاد"، بألا نسبيهن، فنكون ممن تولوا يوم الزحف؟ عليك إحضارهن فورا وإلا أرسلنا أبا البراء لينزلهن من غرفهن وهن بملابس النوم!

لم يتركوا لك الفرصة لتجيب، بل يضربك أبو عكرمة بعقب البندقية فتسقط على الأرض، فيما يذهب أبو البراء إلى داخل البيت، وما هي إلا دقائق حتى حضر وبرفقه البنيات وأمهن ذليلات مرهوبات زائغات العيون، يتمنين الموت فلا يجدنه، فيسوقهن "المجاهدون" أمامهم إلى حيث بيعهن في سوق النخاسة، أو لتوزيعهن سبايا على "المجاهدين".

تسمع وأنت ممد على الأرض جراء ضربة أبي عكرمة إطلاق نار في الداخل، فلا تمضي دقائق إلا وقد تبنيت الأمر، فلقد تولى "المجاهد" الصنديد أبو الحارث قتل أولادك الذكور، فيما قرر المجاهدون أن يستبقوك معهم كرقيق تذهب معهم إلى حيث يضيق الفضاء وتتحشرج الروح، فتمر في مسيرك معهم على قبر صاحبك الذي توفي قبل بضعة أيام فتتمرغ عليه وتقول: يا ليتني مكانك!

إذا كنت عزيزي القارئ تعتقد أن ذلك المشهد ضرب من خيال لا يمكن أن يحدث، فدونك وما حدث في بلدان تقاسمك الحدود، بلدان كانت مضرب المثل في الأمن والأمان، وبين عشية وضحاها أصبحت مرتعا خصبا للمنظمات الإرهابية تتناسل فيها كتناسل الفطر.

يحدثني زميل بقوله إنه لم يخرج بعائلته خارج المملكة إلا مرة واحدة كانت لسورية قبيل الثورة المشؤومة، وإنه فوجئ حينذاك بمستوى الأمن فيها إلى درجة أن بنياته كن يخرجن للتنزه ليلا من دارهم التي استأجروها خارج دمشق، ثم يعدن دون أن يتعرض لهن أحد، ناهيك عن أن يُعتدى عليهن. وما هي إلا بضعة أشهر حتى استوطنها الدواعش والنصرويون والقاعديون، ولفيف من شذاذ الآفاق ممن سبوا النساء والأطفال، واسترهبوا الشيوخ وقتلوا الشباب، وأظهروا في الأرض الفساد.

من جهة أخرى، يذكر لي أحد الإخوة السوريين العاملين في المملكة أن أخاه وأخته لم يتمكنا من مغادرة سورية بعد أن حل بها البلاء، وأنهما يسكنان في منطقة تسيطر عليها جبهة النصرة الإرهابية التي استولت على منازل السكان ومزارعهم، وتركتهم نهبا للسفر الموات والجوع والخوف. ومن لم يتمكنوا من مغادرتها اضطروا إلى العيش في صفائح وأكواخ لا تصلح للحيوانات، ويدفعون مع ذلك الجزية لممثلي الجبهة. يقول هذا الأخ السوري إنه يضطر إلى إرسال مبالغ كثيرة بين حين وآخر إلى أخيه وأخته، لا لكي ينتفعا بها، بل لكي يدفعا الجزية لجبهة النصرة، تلك الجزية التي لا تحدد بمقدار أو بزمن، ويحمد الله أن المسألة لا تزال على الجزية فقط، إذ إنهما معرضان، كما غيرهما، للقتل في أي لحظة.

إن مَثَلَ هذه الجماعات الإرهابية كمَثَلِ الفيروسات والبكتيريا، لا تستوطن المجتمعات إلا إذا كانت ثمة حواضن مناسبة لها. فكما أن الفيروسات والبكتيريا لا تستطيع مهاجمة الجسم الحي إلا إذا كان لديه بيئة بيولوجية حاضنة، وكان جهاز المناعة لديه في حال أضعف من أن يصدها، فكذلك هذه الجماعات الإرهابية لا تستطيع أن تستوطن أي بلد أو مكان إلا إذا كانت هناك حواضن اجتماعية لها بالقدر الذي لا يسمح لجهازها المناعي الثقافي بالتصدي لها.

من السهل القول إننا: أفرادا وجماعات، نرفض الفكر الداعشي والنصروي، وكل تلك الجماعات الإرهابية، ومن ثم فليس عندنا حواضن اجتماعية لها، لكن هذا الزعم لا محل له من الرفض الحقيقي. إذ إن ما يؤسس لجهاز مناعة اجتماعي قوي ضدها، إنما يتطلب تأسيسا ثقافيا نوعيا يؤسس في اللاوعي والوعي رفضا تلقائيا للإيديولوجيا التي تنطلق منها تلك الجماعات.

إن أحد أبرز التناقضات التي تلعب عليها الجماعات الإرهابية إنما يكمن في الصراع الديني والمذهبي، إذ تدخل إلى الدول المضطربة عادة بدعوى مناصرة فصيل مذهبي معين، ثم تتداعى جماعات أخرى بزعم مناصرة فصيل منافس، وهكذا يتداعى الطائفيون إلى قصعتهم، ثم لا تكون هناك فرصة للعودة إلى الوضع السابق حتى ولو كان على شاكلة وضع صدام أو الأسد أو القذافي!

إن أول تحرك جدي لمحاربة تلك الجماعات الآتية من أدغال التاريخ إنما يكمن في تجريم التنابز المذهبي بكل أشكاله ومظاهره. عبارات من قبيل روافض ونواصب وما شابههما يجب أن يجرمها القانون.

لا يمكن تقوية الجهاز المناعي المجتمعي ضد تلك الجماعات إلا بمحاربة الأسس التي تتكئ عليها وتنطلق منها وتلعب على أوتار تناقضاتها، وإلا فصباحاتها آتية لا ريب فيها متى ما ارتخت القبضة الأمنية التي مهما كانت عليه من القوة والتمكن فلن تستطيع أن تستمر في المسير وحدها، لأن السياق الثقافي الاجتماعي له الغلبة في النهاية.

لنجعل من القرآن الكريم هاديا ودليلا في التعامل مع قضايا التعدد الديني والمذهبي، فلقد أكد الذكر الحكيم على أن التعددية أزلية لن تذهب أو تزول، ولنتذكر أنه لا يمكن إلغاء أي مكوّن سكاني، عرقيا كان أم دينيا أم مذهبيا، أو مصادرة حقه المشروع دينيا وقانونيا في التماهي مع عرقه أو مذهبه. ولله الأمر من قبل ومن بعد.