حمد الماجد- الشرق الاوسط السعودية-
الذين بدأوا في الآونة الأخيرة في تبني لغة إقصائية جريئة تجاه الموروث ورموزه مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وتجاه المراجع الكبرى مثل «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية٬ و«المغني»٬ قد يدركون أو لا يدركون أن هذه الحملة لفصل الجيل الجديد من الموروث تمهد الطريق وتعّبده لتيارات الإرهاب والتكفير والتفجير٬ ليسيطروا على مصادر التلقي. ومصدر استفادة التيارات المتطرفة من هذه الحملة طريقان٬ الطريق الأول أن هذه الحملة لو نجحت ولو جزئًيا فإنها ستعزز القناعة لدى الجيل الجديد للبحث عن البديل٬ والبديل لن يكون بيد المنفتحين ولا المتمردين على الدين وأصوله٬ بل ستكون بيد تيارات متشددة قادرة على إقناع الجيل الشاب٬ واستغلال عاطفته واندفاعه. الطريق الثاني أن هذه الحملة ستعزز جدلية التيارات المتطرفة التي طالما كرروها في مقالاتهم وخطبهم٬ وكل أدبياتهم التي تقول بأن «غيرهم» محارب للدين من خلال محاربة رموزه ومرجعياته. والحجة البليدة التي يتمسك بها من سمح لنفسه بالهجوم على الرموز وأدبياتهم٬ ويطالب بفصل الجيل الجديد عنها٬ ويريد رمي كتبهم في اليم٬ هو أن هذه الرموز الكبيرة ليسوا أنبياء معصومين لا يخرج من أفواههم إلا حق٬ ومؤلفاتهم ليست كتًبا مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها٬ وهذه الحجة في تقديري لا تعدو إلا أن تكون سلًما تتسلقه للوصول إلى هذه القامات٬ فُيلبسون الهجوَم لباس النقد الموضوعي ويطلون التجريح بطلاء «كٌّل يؤخذ من قوله وُيرد»٬ وإلا فهم يعرفون أن من الحقائق المسلّم بها المستقاة من الوحيين وجيل الصحابة٬ ومن جاء بعدهم أن لا أحد فوق النقد٬ وأن كل أحدُيؤخذ من قوله وُيرد إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام٬ وأدبياتهم زاخرة بهذا المعنى ومبثوثة في كتبهم٬ وليست مساحة المقال المحدودة محل بسط لهذه الأقوال.
إذن فليس الإشكال في الاعتراض على آراء قامات العلم الكبرى مثل ابن تيمية وغيره٬ وتفنيد حججها٬ والاستدراك على أطروحاتها وما ورد في كتبها٬ فهم الذي نقلوا إلينا «ما منا إلا راد أو مردود عليه»٬ ولا يعترض على هذا إلا المتعصبون٬ وهذه قلة شاذة تحفظ ولاُيقاس عليها. الإشكال هو في خطورة المطالبة بالقطيعة مع هؤلاء الأئمة الأعلام٬ أو اتهام بعض المراجع الفقهية الكبرى بأنها أحد مصادر تغذية الفكر «الداعشي».. هذه الدعوة الخطرة تفتح باب الجحيم لأن يقول في الدين من شاء كيف شاء. وقد سقط أصحاب هذه الدعوات الخطرة في تناقضات تبعث على الشفقة٬ ففي معرض ردودهم على بعض الدعاة المشهورين الذين لهم آراء قد تختلف عن آراء بعض العلماء الكبار في مؤسسات الدولة الرسمية٬ قرأنا لهم دفاًعا عن هؤلاء العلماء الكبار بالقول بأنهم يمثلون المرجعية الآمنة للأجيال الجديدة٬ ونسوا أن هؤلاء العلماء الكبار تتلمذوا على المراجع الفقهية الرئيسية التي اتهموها بأنها المغذي الرئيسي لفكر «داعش» ومن دار في فلكه.