القبس الكويتية-
ما هي نظرية «السوبر مان»؟ إنها نظرية الخلاص والاتكالية التي طالما أرهقت العقل العربي وتوغلت به فدمرته، نتيجة لبعض الموروثات والأساطير العربية التي أصبحت أشبه بالعقيدة لدى الكثيرين.. فمن هذه «النظرية اليائسة» انطلق الفكر الإرهابي في رؤوس الشعوب العربية، مستغلا حالة الإنهيار والاستسلام في نفوس تحلم برؤية الأمة العربية تقود العالم من جديد.. حتى لو كان هذا الـ «سوبرمان» هو زعيم تنظيم «القاعدة» أو «داعش»، أو «حزب الله» أو «بشار الاسد»، أو «صدام »، أو من يشبههم، فستظل الشعوب العربية تؤمن بأن هؤلاء هم المُخلِّصون والمنقذون حتى لو أراقوا دماء الأبرياء.. وكلما شح العلم، وغاب العقل، وأسيء فهم الدين، وتبخر المنطق، زاد إيمان البسطاء من شعوبنا بهؤلاء الإرهابيين كمنقذين للعزة المسلوبة، خصوصًا أن الإرهابيين يجيدون سبك الحجج الدينية كغطاء لجرائمهم.
على الرغم من أن «الفكر الإرهابي» له باعٌ طويل في الشرق الأوسط، إلا أنه منذ تأسيس الكويت، وحتى مشارف القرن العشرين، لم يتمكن عبر محاولات كثيرة من إختراق جدار «أهل الكويت»، لأن جيل الأجداد ومؤسسي الدولة استطاعوا تحصينها منذ النشأة.. لكن منذ ١٠ سنوات تقريبًا بدأت المعطيات تتغير تدريجياً، فقد اضاع أهل الكويت السيطرة على «الفكر الارهابي» الذي بدأ يمتد كبقعة زيت إلى البلاد في ظل صمت حكومي مطبق.. فحديث الطائفة أصبح طاغيًا، لدرجة أنه لا يكاد ينفتح موضوع عبر وسائل «التواصل الاجتماعي» إلا تساق التعليقات سوقًا إلى تراشق طائفي، حتى لو كان الحوار رياضيًا، أو ترفيهيًا، أو حتى أخبار الموضة والجمال، فإنه في أغلب الأحيان ينتهي طائفيًا.. ولسبب ما؛ فإن شرارة التراشق الطائفي تنطلق من مقارنات سريعة بين «حزب الله» و«داعش»، أو«إيران» و«دول الخليج»، أو«بشار الأسد» و«إردوغان».. فريق هنا وفريق هناك، وكأنما تسربت نظرية «السوبرمان» إلى عقول أبناءنا لا سمح الله.. فما الذي حدث؟!
أيها السيدات والسادة، إن ما يحدث اليوم من «عصف فكري طائفي» لامعقول لدى الجيل الحالي سببه تغير نمط الحياة بعدما اجتاح الإنترنت وعالم «الديجيتال» حياة العرب بشكل عام، والكويتيين بشكل خاص.. فبعد أن مارس الأجداد دور «الحصن الحصين» لحديث الطائفة في الدواوين والبيوت وزيارات الأهل، تقاعست الحكومة و«وزارة الإعلام» عن دورهما التثقيفي في مخاطبة العقل الكويتي، واقتصرت دورها على ضبط إيقاع الطرح الديني على شاشات التلفزيون ومنابر المساجد، ومنع الكتب ذات المضمون الفكري أو الأيدلوجي أو الفلسفي.. وتناست أن دورها الأكبر يتمثل في تحصين العقل الكويتي من «الفكر الارهابي» بالعلم، والمعرفة، والثقافة، والاسلام الصحيح، ولا يقتصر فقط على كبت الكتب والسيطرة على خطاب المنابر.
ولأن الحكومة لم تحسب أن العالم سيتغير يوماً كما يحدث اليوم، فقد أتانا «الفكر الإرهابي» بحلة جديدة أكثر عصرية ودهاء وسرعة: كبسة زر واحدة على تطبيق «يوتيوب» كفيلة أن تنقلك إلى عالم يضج بمئات الخطابات السياسية الإرهابية المتطرفة من مختلف الجنسيات، معظمها يحرض على البغض والحقد والإرهاب.. إنها فوضى التشريعات الدينية في عصر «الديجيتال» ومحركات البحث: مئات من الارهابيين على هيئة شيوخ الدين، يشرعون، يفتون، ويدعون للجهاد والشهادة.. لقد اختصر «عصر الانترنت» آلاف الأميال على الإرهاب للتغلغل خلسة في عقول أبنائنا، تغلغل هادئ ومدروس، ولا عجب أن رأينا بعض العقول العربية والكويتية تدخل في غيبوبة لا تعرف لها نهاية.. وعندما جاءت الحكومة لتدارك أزمة «خطاب الفتنة» و«الطائفية»، خرجت لنا بخطط إنشائية وهوائية لا معنى لها، وبدت لنا الآن متخبطة وفاقدة للسيطرة على هذه الموجة الخطيرة.. وإليكم بعضا من ذلك التناقض:
١ – المواقع والمنتديات السياسية والدينية في العالم العربي ليست محجوبة في الكويت. «وهذا مطلوب في دولة المؤسسات والحريات».
٢- مقص الرقابة لا يزال يمارس دورًا عبثيًا في معرض الكتاب وعلى دور النشر العملاقة، فغابت كثير من الكتب الأيدلوجية والفكرية العميقة والحقيقية التي تحاكي العقل وتوسع مداركه علميًا وفلسفيًا.
ذلك التناقض العجيب سببه تخبط حكومي في فهم حالة الفوضى الطائفية التي اجتاحت البلد مؤخرا: فالحرب على إرهاب هذا العصر- كما قلنا سلفا – تستدعي نضجًا فكريًا يحصن عقول «أبنائنا» من الانزلاق إلى هاوية الإرهاب، فالشعب الكويتي عاطفي النزعة، وجياش المشاعر تجاه إخوته العرب، وسباق إلى مد يد العون إلى الدول الجريحة، ولا شك أن الفضول سيدفع بالكثيرين إلى الإبحار في فوضى «عالم الانترنت» لتحليل وتفسير ذلك الاقتتال الدامي.. ولأن حروب «الشرق الأوسط» ظاهرها ديني، وباطنها سياسي، فلا عجب أن ينحاز العقل الكويتي لفريق دون آخر في زوبعة «عالم الانترنت»: فالإحصائيات تقول إن ٨٧٪ من العمليات الإرهابية في المملكة العربية السعودية والبحرين سببها «الانترنت»!
أيها السيدات والسادة، دعونا نحمدالله على عودة الأمن والأمان الى الكويت بعد فاجعتي تفجير مسجد «الامام الصادق» والقبض على «خلية العبدلي»، ويجب الا نغفل نجاح «وزارة الداخلية» في إحكام قبضتها على الإرهاب.. لكن على الحكومة الآن – بعد عودة الهدوء النسبي – مراجعة استراتيجيتها في خطابها الإعلامي واستثمارها التربوي والفكري في الأجيال القادمة، وانتزاع النظريات«اليائسة» والأساطير العربية التي بدأت تتغلل في أبنائنا، خصوصا أن المنطقة مقبلة على تغييرات دراماتيكية خطيرة وسريعة تتواكب مع السياسة الحازمة التي انتهجتها دول الخليج للقضاء على إرهاب تنظيم «داعش» و«حزب الله».. واذا أصرت الحكومة أن تبقى رابضة في مكانها معتمدة على «الحزم الأمني» وجهود «أهل الكويت» في محاربة الإرهاب: فلا طبنا ولا غدا الشر.. وستبقى عاجزة أمام مواجهة «الفكر الإرهابي» الذي أخذ شكلًا سرطانيًا خطيرًا أسرع انتشارًا من أي وقت مضى.