شاهر النهاري- مكة السعودية-
لم يعد هذا العنوان مستغربا، ولا فاجعا عندنا نحن السعوديين، نظرا لكثرة التعود والتكرار، ففينا من يقتل أحد أبويه بدعوى الدين، ومن يقتل أخاه، أو قريبه، أو صديقه بجلادة الصخور، يكسر بعضها بعضا ودون رحمة أو شعور.
بل إن الصخور تعتبر أفضل منهم بكثير فهي لا تفرح، ولا تهلل، ولا تكبر، ولا تنتشي فخرا بتنفيذ الجريمة.
ففي فجر السبت 27/2/2016، تداولت وسائل التواصل، المقطع التعيس لمجموعة من الشباب المتشددين يمسكون بقريب لهم يعمل جنديا في قوات الطوارئ، وهم يقومون بإطلاق النار عليه بجوار الطريق السريع في منطقة القصيم، بعد أن مهد لذلك شخصان منهم يرتديان السواد بترديد عبارات مبايعتهما لزعيم داعش، مع توجيه رسائل تهديد ووعيد للحكومة السعودية، ولكل من يقع تحت طائلة الكفر، حسب منطقهما.
هاجت التعليقات في مواقع التواصل لعدة ساعات، ثم نُسي الأمر بعد ذلك، وكأن الحدث مباراة في كرة القدم انتهت بالتعادل!
البعض سيلومني على قول ذلك، ويسألني ما المطلوب منا فعله؟
وأنا لا أطالب أحدا بالمستحيل، فعموم القلوب تعالت لديها مناعة رؤية الدم، وازدادت مشاعرها قسوة، وأصبح الفضول محركها الأقوى للتسارع في متابعة المزيد من تلك المقاطع البشعة، والبعض يرسلها حتى للأطفال؛ ويتابعها البعض بمضض لكي لا يكونوا آخر من يعلم، وآخر من يحكي، ومن يهز رأسه بحسرة لم تعد حقيقية.
داعش هي أيضا لم تعد مكترثة بمصائر من يتبعون لها، فأصبحت تذكر أسماء المنفذين، والمغدور بهم بكل وضوح، لتدلل على سطوتها وتغلغلها في قلوب المؤمنين بها، لدرجة الوقاحة.
وزارة الداخلية السعودية تمرست هي الأخرى، فسارعت بنشر تعميم عن تلك الحادثة، مع تحديد صور وأسماء وأرقام هويات المطلوبين المشاركين في الجريمة، ووعدت بمكافآت جزلة لكل من يدلها على مكان الجناة.
والآن دعونا نناقش الواقع بجدية، والذي يحاول البعض منا التهرب من حقيقته، وادعاء أن أمرا غريبا دخيلا يحدث في مجتمعاتنا، رغم أن العنف والقتل كانا وما زالا يحدثان بيننا تبعا لمختلف الأسباب الأسرية، والدنيوية من ثأر، وإرث، وجرائم شرف، ومن خروج على القانون ومتاجرة بالسلاح أو المخدرات، وربما بنعرات قبيلة ومهايطة فيما هو أدنى من ذلك.
القتل متاح ومهيأ، لوجود النفس الجلفة الشديدة، فما بالكم والحال يدخل في مغبة المعتقد الديني الإلهي، بأن الجهاد واجب، وأن المجتمع والدولة كفار، وأن للكافر القتل، بيد القادر، وبيمينه، فيتم توظيف النصوص الدينية في إثبات تلك الأحقية للإنسان بقتل المخالف.
نحن أمام قضية فكرية، وعقائدية، قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وهيئة كبار العلماء حتى وإن شجبت ذلك، إلا أن المنابر والمدارس تستمر في التحريض، على كره ولعن، وسب، وتكفير كل مخالف، والتأكيد على سنة مقاتلته ووجوبها، لمجرد اختلافه عنا دينا أو مذهبا أو معتقدا!
صدقوني، أن القضية لن تحل بزوال داعش، فقبلها كانت حركة جهيمان، وبعدها أتت القاعدة والإخوان والسلفيون، والسروريون، وفي كل يوم يختلف المسمى، ولكن المنهل الرئيسي يظل واحدا لا يتغير، في عنف يستمر ويستطير، حتى أصبح الشخص بيننا يخشى على نفسه من أقرب أهله، وممن يسكن معهم في بيت واحد.