تحمل بعض الأسئلة طابع الغرابة، ولكنها تدخل حاجز المنطق والمعقول طالما كانت غير بعيدة عن مرمى الإجابة، ولعل السؤال المتمدد في الأعلى أكثر الأسئلة التي يتداولها الشعب المتابع لمشاريع الوهم وما تتطلبه من عمل ظلامي يهدف إلى دفع الشباب إلى مواقع الفتن، والزج بهم في المناطق الممتلئة بروائح البارود وأصوات الأسلحة وصداع التفجيرات، لا يزال بيننا من يحتفي بشرف أن يكون الإنسان من هذه المنافذ «شهيداً»، ويصب متعة ذلك في أذهان البراعم من الأفكار المهيأة للتطرف رغبة في الترقي لصفوف الناشئين والشباب، في ظل أن الانضمام إلى الضلال والانحلال الفكري لا يتطلب سوى تخطيط مع مدمني التهريب عبر المنافذ البرية إلى المواقع المعدة للبروفات التاريخية، والتي يختلف فيها القادة كثيراً، لأن دور البطولة هو الدور المغري، وعليه ترتقي نوعية التغذية بالجواري وترتعش نبضات القلب.
ثمة من يعتقد أن ليس من السهل أن يتحول «س» لهيئة مختلة وينضم إلى موظفي فريق داعش، وهذا الاعتقاد مبني على أن ما يمرر على أسماعنا من أفكار ليس سوى حمية ودفاع عن أمة، وتفريج عن مكروب أو مظلوم، وبغية في جنة. ولو سألت شاباً عائداً من مستنقع فكري لوجدته ذهب إلى المحرقة بحجة أن فاجراً أقنعه بأن هذا طريق الجهاد المنتظر للعباد، وطبع بالتوازي في عقليته إغراء الحور العين، وأن التذكرة لهم ستكون من هناك، وحفزه على المقبلات من الإماء والسبايا والجواري، وهذه خطة ضرب ما تحت الحزام لكونها القاصمة.
تثبت النظرة الخاطفة إلى ما حولنا أننا نحظى بفئات من المفتتنين بداعش، لكنها مترددة في الانضمام إلى خلاف على مخططات اللعب أو طريقة المدرب، أو ربما عدم الرغبة في اللعب في الاحتياط، أو حرج الزج بهم في المباريات الحاسمة التي لا تقبل إلا الانتصار أو الموت.
وعوداً على السؤال، فقصة أن يتحول شاب إلى داعشي طازج تحتاج لمساحة من التأمل البالغ الدقة، فقد يمسي أحدهم وهو يكاد يفكر في غسيل ملابسه، ويصبح وقد حزم حقائبه لوجهة يقاد لها في عملية غسل دماغ مرئي. والدهشة لا تكمن في سرعة التحول والانتقال من الحالة المستقرة إلى الحالة المضطربة، بل المحرق هو كمية الإبر الوعظية المؤثرة التي يحقن بها هؤلاء الشباب عياناً بياناً.
لم ينضم إلى فريق داعش حتى تاريخه الرؤوس الكبار من دعاة الفتنة ولا من أبنائهم ولا من ذوي القربى، لأن النتيجة معروفة سلفاً، هم فقط يؤدون آلية العمل التي تنص عليها إجابة السؤال. ولذا فنحن نفاجأ يوماً بعد يوم بـ «س» داعشياً، لأننا لم نُحْضر مع كل مشتبه أو عائد من مسرحية داعش بضعة أسماء من دعاة الدفع والرفع حتى نزيل الماكياج الذي ضحكوا به على العامة لسنين، واستمر الضحك على رغم زوال الماكياج، لكنها ضريبة الغسل الذهني لجماهير العاطفة، ولعنة تقديس الأسماء!
علي القاسمي- الحياة السعودية-