أعطى الإسلام أهمية لقيمٍ عظيمةٍ تم تجاهلها من قبل المربين ورجال الدين على حدٍ سواء.
ومن هذه القيم: آدمية البشر يقول سبحانه وتعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" الإسراء 70.
إنسانية الفرد والمجتمع حيث ورد نداء الرحمن لعباده بقوله يا أيها الناس في القرآن عشرين مرة. كما وردت الناس مقرونة باسم الله رب الناس وملك الناس وإله الناس.
السلام بمعناه الحقيقي "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا" النساء 94.
حرية الاختيار على المستوى الفردي والمجتمعي فليس في الإسلام إلزام لا في عقيدة ولا طاعة إذ ينحصر دور المسلم في تبيان الحق وضرب المثال بالقدوة فيما يدعو إليه "وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل" الأنعام 107، هذا خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن هم دونه من المسلمين.
سُنّة الاختلاف التي ذكرها الله كثيرا في كتابه "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"هود 118
القيمة الكبيرة لحياة الكائنات عامة والبشر بشكل خاص لكونه بشرا "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"المائدة 32
في مقابل المحافظة على حياة الأحياء هناك حرمة الدم والمال والعرض.
الخلق الحسن والتسامح واللين والرحمة لكل الكائنات ولجميع البشر.
العقل والتفكر والتدبر لكل إنسان مكلف، "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها"محمد 24. بينما يقول رجال الدين "دعنا نتدبر لك".
للأسف أُفرغ عقل وقلب الشاب المسلم من هذه القيم المطلقة التي هي من صميم تعاليم الدين الإسلامي، واستبدلت بقيمٍ مقيدة وبقيود مشددة وبآراء أشخاص لهم جمهورهم، وجُبل على الرأي الواحد وعدم مناقشة رأي رجال الدين، وأدخلوا التصنيفات الإقصائية في عقله فكَفّر فئات من المجتمع.
بعد أن أفرغنا قلب الشاب وعقله من قيم الإسلام العظيمة أردنا تعطيل العقل والتفكر، فأصبح كل متحدث في شأن الدين من غير رجال الدين أو من يجيزونهم جاهلا وفاسقا ومحادا لله ولرسوله، أو على أقل وصف "رويبضة" بغض النظر عن محتوى مقاله.
المحصلة شباب أُفرِغ من قيم الإسلام ومنع من التفكر والتدبر وإبداء الرأي، وجُبِل على السمع والطاعة لكل من تحدث باسم الإسلام وبالذات من المتشددين. فأصبح وعاء فارغا يمكن أن يملؤه من يشاء باسم الإسلام بما يشاء.
هنا يأتي دور المجنِدين "دعاة على أبواب جهنم كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم" فيقومون بالإجهاز على ما بقي من ذرة عقلٍ لدى الشاب بإغراقه بكمٍ هائل من المقاطع الحماسية المؤثرة حتى تبلغ ثورة الغضب أشدها؛ ولأن الشاب بلا بوصلة يتم توجيهه في الاتجاه الخاطئ بحرفية عالية "بدءاً بتقاعس المسلمين عن نصرة إخوانهم، ومرورا بكفر الحكومات التي توالي الكفار، وتكفير رجال الدين لصمتهم، وتكفير رجال الأمن والفكر" ويدعمون ذلك بآيات وأحاديث في غير موضعها وفتاوى سابقة لبعض مشاهير علماء الدين. ويحفزونه بمغريات غيبية ويعدونه بالجنة والحور العين.
النتيجة صادمة للمجتمع: تفجير مساجد وقتل مصلين وقتل أقارب وقتل والدين.
إذا أردنا إنقاذ شبابنا من هذا الفكر الضال ومن أن يساقوا إلى جهنم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فلا بد من الاهتمام بتلك القيم منذ السنوات الأولى في الحياة وخلال سنوات الدراسة وفي المنزل وفي خطب الجوامع.
ولا بد من إعادة القيمة للعقل الذي يناقش ويسأل ويتدبر ولا يساق كما تساق الأنعام.
وعلينا أن نروض أنفسنا على احترام قيم الاختلاف والتنوع وحرية الاختيار وألا نؤطر الناس على الرأي الواحد والاتجاه الواحد.. كما نحتاج إلى بذل جهودٍ مخلصةٍ للحد من مؤججات الغضب والإحباط بين الشباب؛ وبدون ذلك أشك أننا نستطيع الحد من أفواج التكفيريين بَلْهَ القضاء عليهم.
محمد ناهض القويز-الرياض السعودية-