ليست هي المرة الأولى التي يقدم فيها تنظيم «داعش» الإرهابي على تفجير الكنائس أو المساجد أو الحسينيات؛ فقد أراق دماء المسلمين سنة وشيعة في العراق وسوريا والسعودية ؛ بل كاد أن يوقع جريمة مروعة في أحد أيام شهر رمضان المبارك بالمصلين في المسجد النبوي الشريف؛ لولا تيقظ رجال الأمن الذين ضحى عدد منهم بنفسه لحماية المصلين،وهو الإجرام نفسه الذي ارتكبه التنظيم في مسجد قوات الطوارئ في عسير وفي مساجد وحسينيات المنطقة الشرقية من المملكة. وكما يقترف تلك الخسة في المسلمين سنة وشيعة يرتكب جرائمه في أقباط مصر؛ وهل تغيب عن فطنة النابهين غاية وأهداف من تبنوه ورعوه ووضعوا خططه وأمدوه بالسلاح وعينوا له القادة والمنظرين من رجال استخبارات ومقاتلين أمنيين يشتغلون بالتزام وتطبيق للمنهج المختار بدقة بالغة وفق تنظير أيدلوجي قوامه « استخدام فكر فرقة الخوارج التي أنشاها لهدم كيان دولة الإسلام الناشئة أعداء العرب آنذاك واليوم ؛ وهم : اليهود والفرس.
يهدف التنظيم بتوجيه محكم إلى خلخلة بنية الأمة «العربية» و «الإسلامية» باتباع السبل التالية :
- إشعال نار الفتنة بين أصحاب الديانات داخل الوطن العربي كله ؛ بحيث ينشأ صراع لا يهدأ أو يتوقف بين المسلمين والنصارى في كل دولة فيها ديانتان ؛ كما هو الحال في مصر ولبنان والعراق وسوريا.
- إثارة الكراهية في وجدان أهل السنة على الشيعة، وغرس الاحتقان في وجدان الشيعة على السنة، بحيث لا تهدأ نار الكراهية بين الطائفتين فتسيل الدماء بينهما أنهارا، والغاية ألا تستقر الأحوال الأمنية، لينجم عن ذلك ضعف الاقتصاد وارتباك زمام الحكم وتشتت الرؤية واضطراب مقومات النهضة وضعف أمة العرب، ثم رسم صورة بدائية عنهم أمام شعوب العالم بأنها أمة تتصف بالتعصب الطائفي وتتعشق إراقة الدماء ولا تحترم حقوق الإنسان مما يجعل العرب حديثا يوميا مشاعا في وسائل الإعلام الغربية بصورة سلبية تبعث على الاحتقار والكراهية للعرب وللمسلمين.
- وحين نتهم الصفووين من الفرس بتدبير واحتضان ورعاية « داعش « الحديثة التي نشؤوها على نمط فرقة « الخوارج « القديمة فلا يعني هذا تبرئة أطراف غربية تعمل على تفتيت الأمة العربية والإسلامية، وتسعى إلى أن تظل أبدا حبيسة الاقتتال والحروب المذهبية والقبلية والإقليمية ؛ فقد تم اكتشاف عناصر أمنية عديدة من دول أوربية في العراق ومصر يعملون على تفخيخ المساجد والحسينيات في أوقات المواسم أو المسيرات أو الخطب الدينية من الطائفتين؛ لتشتعل شرارة الثأر عند كل طائفة وتنتقم من الطائفة الأخرى، ووجد في مصر وعلى الأخص في الإسكندرية إبان بداية الثورة على نظام حسني مبارك عناصر استخباراتية أجنبية توزع آلاف الدولارات على مستأجرين ينفذون أوامر خاصة في مواقع محددة.
- أما في سوريا فقد انضم إلى «داعش» مقاتلون من جنسيات دولية مختلفة، فضلا عن مقاتلين بعثيين انتحلوا ألقابا جهادية مزعومة للتمويه.
- وتتضح الغاية كل الوضوح بتبني دول غربية دعوات الانفصال تحت شعارات إقليمية أو قبلية ؛ كما هو الحال بتحريض أكراد الشمال في العراق وسوريا على إقامة دويلتين منفصلتين، وكما هو الحال في احتضان مطالبات «البربر» في الجزائر والمغرب وموريتانيا بإقامة دويلات لهم.
- ولا تكفي إيران الصفوية ولا من يتفق معها في تحقيق الغاية البعيدة بتفتيت العرب وتقسيم ديارهم وإضعاف قوتهم بما يحدث من حرائق وفتن وفوضى في المحيط العربي ؛ بل عمدت إلى تكريه العالم كله في أمة العرب والمسلمين باقتراف جرائم يندى لها الجبين تحت راية إسلامية مزعومة ينفذها جهلاء وأغرار مضللون في عواصم عالمية عدة ؛ بما يجعل من الفعل الآثم مأدبة إعلامية مسمومة للنهش في تاريخ ومبادئ وقيم وثقافة العرب والمسلمين.
ولا يمكن للعربي المسلم الواعي بخطط ولؤم الأعداء إلا أن يقف منكرا ما يحدث من إجرام آثم، الإسلام منه بريء، والمجرم الحقيقي يتخفى بعمامته السوداء المحتقنة تحت راية تنظيم داعش الإرهابي.
د. محمد عبدالله العوين- الجزيرة السعودية-