فايع آل مشيرة عسيري- مكة السعودية-
في المرحلة المتوسطة تحديدا وقبل ما يفوق العشرين عاما كانت هناك مجموعة من الأفلام الجهادية التي كانت تعرض عن أفغانستان والشيشان وكوسوفو وأناشيد حماسية تبث فينا الخوف والفزع والرهبة كلما شاهدنا أسلحة الكلاشنكوف وسمعنا عن تلك القصص الأسطورية الجهادية التي كانت أقرب للخيال منها للواقع، وأصوات التكبير تضج في جدران الفصل الدراسي المهترئ بظلال ذاك المعلم الذي كان يصرخ ويثور في وجه كل من يختلف معه بغية تكميم الأفواه والسيطرة الفكرية المؤدلجة ذات الأبعاد النفسية الموغلة في الجهل المركب والتعصب الأعمى!
لينتهي المطاف بهذا المعلم إلى مراجعة مصحات نفسية وحالة من الانفصام والتوحد!
نعود لفصلنا وقد أطفئت جميع المصابيح على وجوه ناظرة قد اكتست الفطرة والبراءة وجناتهم والسلام كي نعيش حالة من الصراع الفكري وتيه الخلاف الفج والذي كنا بعيدين عنه كل البعد حالنا أشبه بالمثل الشعبي الشهير «كالأطرش في الزفة» والذي تزعمه معلمون اتخذوا طريق التشدد مذهبا والجهل والتعصب طريقا!
هذا الفكر المريب ظل ينخر في جسد المواطنة الحقة عبر منابر المساجد والمدارس والمخيمات الدعوية الصيفية كي ينضم إلى الصفوف للتأثير والتشكيك في فكر صغار السن والذين قد لا يجدون فسحتهم الدراسية وهمهم اللعب والفرح ومشاجرات النصر والهلال وحكايات الرسوم الكرتونية المتحركة «جزيرة الكنز» و»بسيط» و»سانشيرو» و»هايدي» و»سالي» و»فلونا» و»رامي» و»موكلي فتى الأدغال» و»بشار» و»زينة ونحول» و»مخلص صديق الحيوان» و»فارس الصغير» و.. و.. والتحدي من يستطيع أن يركب نقلية المدرسة أولا!
كل ذلك بدعوى الجهاد والتكفير من هنا فإن البيئة المدرسية هي المنبت الأساسي لتوجيه الفكر نحو التعايش الوطني والتحفيز المدرسي والإبداعي وعدم المساومة أو المزايدة على حب الوطن ورفض الأفكار المنحرفة، وبدلا من هذا المنهج السوي كان منهج أولئك الذين يخرجون من مناهجهم التعليمية الحقيقية لمناهج خفية صحوية متشددة أو إخوانية جهادية وإفتائية كتحريم التلفاز السعودي لأن به موسيقى، وتحريم المسلسلات الدرامية المصرية التي كانت تعرض عقب نشرة الأخبار الأولى والنشرة الجوية، وكذلك المسلسلات البدوية الأردنية والتي كنا نشاهدها بعد صلاة المغرب، حينها كانت تجتمع الأسرة بأكملها لتشاهدها، وتحريم برامج السهرة على مسرح التلفزيون والتي كانت تستضيف المشاهير من فنانين ولاعبين وممثلين، وتحريم فوازير رمضان للكبار والصغار، وكلما أعدنا تلك الفوازير أعادت فينا روح رمضان وحياة الزمن الجميل والبرامج الدينية التثقيفية القائمة على الاتزان في طرحها والذي كان يقدمه الشيخ عبدالعزيز المسند «منكم وإليكم» كل هذا وأكثر وما زالت حملات التحريم والتكفير والعدائية لكل من يخالف نهجهم الباطل والذي بني على أن وطنهم الإسلام بدلا من السعودية، وسيل طويل من الادعاءات المضللة والتي توافق تلك العقليات المنغلقة في محيط قرية تجمعهم القبيلة والعادات والتقاليد مع معلمين وافدين يحملون أفكارا تشددية معنية بالاحتلال والغزو والاستعمار أنتجت لاحقا جيلا قاعديا لحق به جيل الدواعش!
ومن هنا بات من الواجب تضييق الدائرة على هذا الفكر الدموي الرجعي والذي أضحى في قبضة المسؤول بداية برؤية «فولترية» تعليمية ومنبرية وتجفيف منابع تمويله وتعريته إعلاميا عبر كل وسائل الإعلام المقروء منها والمشاهد والمسموع، وعن طريق قنوات التواصل الاجتماعي والتي باتت إعلاما مفتوحا للجميع، وفرض عقوبات صارمة في وجه كل من يحاول تشويه الإسلام ويعبث بأمن هذا الوطن العظيم تحت ذريعة الإسلام والإسلام بريء منهم، كما يقول عنهم العلامة أحمد ديدات «أشرس أعداء الإسلام هو مسلم جاهل يتعصب لجهله ويشوه بأفعاله صورة الإسلام الحقيقي ويجعل العالم يظن أنه الإسلام».
ومضة: في جزء من مقاله الشهيـر «من غيب البسمة» يقول الأمير خالد الفيصل «أعتقد أن كل من في هذه البلاد يعرف الفاعل المسؤول عن كل هذا! وما هي إلا عودة للكتب والمطويات والأشرطة التي وزعت بمئات الآلاف في المدارس والجامعات والمساجد والجمعيات الخيرية في السنوات العشرين الماضية لنجد الأسماء مطبوعة عليها بكل وضوح ومواقع الانترنت تكشف عن البقية».