الخليج أونلاين-
قبل 4 سنوات بدأ تنظيم الدولة (داعش) بقوة بشرية تتراوح ما بين 10 و35 ألف عسكري، وبعد مضي عدة حروب وصراعات والإعلان عن سقوط آلاف القتلى، حافظ التنظيم تقريباً على عدد مسلحيه، ليكون بين 20 و30 ألفاً، ولكن مع اختلاف التمركز، وأسلوب الهجمات وتحوّلها لحرب العصابات.
تقرير أصدرته الأمم المتحدة، الاثنين (13 أغسطس)، تناول أعداد عناصر التنظيم، والدول التي يوجد بها وخلاياه النائمة وأمواله، ومدى قدرته على شن الهجمات، وذكر أن ما بين 20 و30 ألفاً من مقاتلي التنظيم لا يزالون في العراق وسوريا، مضيفاً أن "من بين هؤلاء عدة آلاف من المقاتلين الإرهابيين الأجانب".
التقديرات البحثية والاستخباراتية لمجموع مقاتلي التنظيم بالعراق وسوريا عند إعلانه في عام 2014، كانت تتفاوت ما بين 10 آلاف و35 ألف مقاتل، وينتمون إلى جنسيات عربية وأجنبية، وسبق لكثير منهم أن قاتلوا بالعراق والشيشان وأفغانستان وبلدان أخرى، وهو ما يجعل الحروب التي خاضتها قوات مختلفة في العراق وسوريا بمساندة دول التحالف الدولي، هامشية على مستوى تعداد التنظيم.
تصورات خاطئة
الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، يعلق على أرقام الأمم المتحدة الجديدة، قائلاً: "ربما كانت هناك تصورات خاطئة عن تنظيم الدولة أو القاعدة والحركات المصنفة كإرهابية، وأحياناً تتم المبالغة أو التقليل، بحسب الاستخدام السياسي للأرقام".
ويتابع أبو هنية في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "نعرف أنه حين قالوا قبل سنوات، 35 ألف مقاتل، كانت تقارير الأمم المتحدة، والمجموعات الأمريكية والأمنية المتخصصة، تقول إن عدد الأجانب فقط الذين انضموا إلى التنظيم 40 ألفاً من أكثر من 100 دولة". ويضيف: "المشكلة أن الإعلام لا يعطي تصوراً صحيحاً عن واقع التنظيم".
حرب عصابات
تنظيم الدولة الآن، وفق ما يقوله أبو هنية لـ"الخليج أونلاين"، إما "متموضع أمنياً بالمدن، وإما في مناطق الصحراء، سواء الأنبار أو كركوك (العراق)، أو دير الزور والسويداء (سوريا)".
ويوضح: "أعلن التنظيم أنه غيّر تكتيكاته، وتحوّل لحرب العصابات والاستنزاف، ومن ثم إعادة هيكلته، وذلك بعد إعلان فصله بين ولاية سوريا والعراق؛ إذ أصبح مركزياً بالقرارات ولا مركزياً بالتنفيذ، كما أن هناك حرية بالشبكات والمجاميع في كل البلدان، وهو يتناسب مع الوضع الجديد".
ويبين الخبير في شؤون الجامعات الإسلامية أن "التنظيم يسيطر على مساحات ليست مدنية أي بقرى ومناطق صحراوية، ويصعب التعامل معها بنمط الحروب الكلاسيكية، فالعدو الآن غير مرئي، ويتطلب تكتيكات مكافحة التمرد، ويحتاج لعمل استخباراتي وأسلحة ذكية مثل طائرات من دون طيار ، وبعض طرق مكافحة الإرهاب الخاصة، وهذا ضعيف بالعالم العربي".
ويحتفظ التنظيم بهيكليته بقيادة أبو بكر البغدادي، وبلغ حجم العمليات التي نفذها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أكثر من 1500 في العراق وسوريا، وفق ما يبيّنه أبو هنية.
الفكر والأيديولوجيا
فكر تنظيم الدولة وأيديولوجيته ينتميان إلى تيار "السلفية الجهادية" الذي ينتهج غالباً الرؤية الفكرية لتنظيم القاعدة، المؤسَّسة على وجوب "المفاصلة الجهادية" مع الأنظمة الحاكمة بالعالم الإسلامي و"حلفائها الغربيين"، تمهيداً لإقامة "دولة الخلافة الإسلامية" لتطبيق أحكام الإسلام.
وكانت خطط التنظيم تقوم على أولوية مواجهة التوسع الإيراني بالمنطقة ومحاربة "المشروع الصفوي" مدفوعاً بالأساس الهوياتي (السني/الشيعي)، في حين أن الأساس المصلحي الجيوسياسي هو المحرك الرئيسي للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة، لكن تمكين الشريعة هو الهدف المشترك بين الطرفين، وفق ما رآه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بورقة "تحليل موقف" نشرها في يونيو 2014.
هكذا كان فكره منذ نشأته، وإعلان تنصيب أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين في كل مكان"، ولكن مع تقادم الزمن، بات مسلحو التنظيم يسيرون على نهج حرب العصابات والانتقام.
تكلفة الحرب
ومنذ إطلاق "دولة الخلافة" وإعلان تأسيس التنظيم حتى الآن، صرفت دول عربية وغربية مليارات الدولارات في الحرب ضده، وكلفت الحرب هذه الدول عسكرياً وبشرياً واقتصادياً، بتكلفة مباشرة وغير مباشرة.
ويقول أبو هنية لـ"الخليج أونلاين": إن "الحرب ضد تنظيم الدولة كلفت تكلفة مباشرة تزيد على 500 مليار دولار. وهي عالية جداً".
ففي عام 2014، طلب وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هيغل، 500 مليار دولار، لتمويل الحرب ضد 20 ألف مقاتل من تنظيم الدولة، بخطة تستمر 3 سنوات، وكانت غير مضمونة النجاح.
ويؤكد أبو هنية أن "هذه المرحلة خطرة، وقد تصبح هناك هجمات من الشبكات والمجاميع بالعالم العربي والإسلامي والأوروبي، وهذا العام هو عام إعادة هيكلة التنظيم، والسنة القادمة ستكون سنة الهجمات الانتقامية".
ويدل أسلوب تنظيم الدولة الجديد في الحرب، على أنه يتأقلم مع التغييرات والهزائم التي تكبدها خلال السنوات الماضية.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت خلال المؤتمر الدولي الذي عُقد بواشنطن لبحث سبل مكافحة الإرهاب، في نهاية فبراير 2018، أن تنظيم الدولة يتطور ويتكيف مع الهزائم التي مُني بها في كل من العراق وسوريا، محذرة من أن تحوله إلى اللامركزية يجعله أكثر انتشاراً وخطورة.
وقال ناثان سيلز، منسّق الدبلوماسية الأمريكية لمكافحة الإرهاب: "نحن نلفت نظر المجتمع الدولي إلى أن سقوط ما يسمى دولة الخلافة في العراق وسوريا لا يعني أن تنظيم داعش لم تعد لديه سلطة؛ بل العكس من ذلك".
وأكد سيلز أنه "مع تحقيقنا الانتصار تلو الآخر على تنظيم داعش في ميدان المعركة، فإن التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا"، مضيفاً: "المعركة لم تنته على الإطلاق، إنها مجرد مرحلة جديدة".
توزيع تنظيم الدولة
تقرير الأمم المتحدة الجديد، بيّن أن ثلاثة أو أربعة آلاف من عناصر التنظيم بليبيا، في حين يوجد بأفغانستان ما بين 3500 و4500 من مقاتليه الفاعلين.
ويبلغ عدد عناصر التنظيم في اليمن ما بين 250 و500، مقارنة مع ستة إلى سبعة آلاف عنصر من تنظيم القاعدة.
وبمنطقة الساحل ينشط "تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى"، على الحدود بين مالي والنيجر، إلا أن وجوده يبقى أقل من وجود جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وفي حين ترتبط حركة الشباب في الصومال بتنظيم القاعدة، يقول التقرير: إن تنظيم الدولة "لديه نوايا استراتيجية بالتوسع في وسط وجنوبي الصومال"، وقد يختار عدداً من مقاتلي التنظيم التوجه إلى بونتلاند.
ويقدم فريق مراقبة العقوبات تقارير مستقلة كل ستة أشهر إلى مجلس الأمن الدولي، حول تنظيمي الدولة والقاعدة المدرجين على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية.
وسبق أن سيطر تنظيم الدولة على مناطق شاسعة من العراق وسوريا، إلا أنه طُرد العام الماضي، من الموصل والرقة اللتين كانتا معاقله إلى جانب مناطق أخرى.
وبحلول يناير 2018، أصبح التنظيم محصوراً في جيوب صغيرة بسوريا، ولكن التقرير يقول: إنه "أظهر صموداً أكبر" في شرقي سوريا، و"لا يزال قادراً على شن هجمات داخل الأراضي السورية"، وفق التقرير.
وفي حين لا يسيطر بشكل كامل على أي أراضٍ في العراق، ما يزال ناشطاً عبر خلايا نائمة "من العملاء المختبئين بالصحراء وغيرها".
وأبدت بعض الدول الأعضاء بمجلس الأمن مخاوف من ظهور خلايا جديدة للتنظيم في مخيم الركبان المكتظ للنازحين، بجنوبي سوريا على الحدود مع الأردن، حيث تعيش عائلات مقاتلي التنظيم حالياً.
وأضاف التقرير أنَّ تدفق المقاتلين الأجانب للانضمام إلى التنظيم المتطرف "توقف".
وحسب التقرير، فإن تمويل التنظيم بدأ يجف؛ إذ قدرت إحدى الدول الأعضاء أن إجمالي احتياطيه المالي "انخفض إلى مئات الملايين" من الدولارات، في حين لا تزال بعض عائدات النفط بشمال شرقي سوريا تتدفق على التنظيم.