الخليج أونلاين-
منذ الكشف عن الدور الإماراتي الداعم بشكل غير مباشر لأفراد من تنظيم القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر، التي ضربت عدة مناطق في الولايات المتحدة الأمريكية، تبين أن أبوظبي ضالعة في تمويل وتنسيق متواصل مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في عدة دول.
وكشفت الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات خريطة تمويل أبوظبي للإرهاب في عدد من البلدان حول العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، حيث دفعت أكثر من 760 مليون دولار، خلال الأعوام الماضية، لحركات وجماعات إرهابية مسلحة في مصر وسوريا وباكستان وليبيا واليمن والصومال وأفغانستان، وغيرها من الأماكن.
هجمات "11 سبتمبر"
وذكرت عدة تقارير وجود دور لدولة الإمارات في مساعدة عناصر تنظيم القاعدة الضالعين في تنفيذ ضربات 11 سبتمبر عام 2001، خاصة بعد تسريبات أمر الضغوط الإماراتية التي مورست عبر لوبيات ضغط ومراكز أبحاث وصحف أمريكية لمنع تمرير قانون "جاستا" في الكونغرس الأمريكي، مطلع عام 2016.
وذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في يوليو عام 2017، أن وجود إماراتيين اثنيين ضمن قائمة منفذي الهجمات الأربع البالغ عددهم 19 شخصاً، ومعظمهم سافروا من مطار دبي، أكّد العلاقة بين دولة الإمارات وتنظيم "القاعدة"، ما دفع أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر للسعي إلى مقاضاة الإمارات، مستفيدة من قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف باسم "جاستا".
ونقل الموقع عن محامي ضحايا الهجمات أن الدعم الإماراتي المزعوم لتنظيم القاعدة أُثير في الدوائر القانونية بنيويورك، ما دفع أسر الضحايا إلى مناقشة اتخاذ إجراءات قانونية ضد أبوظبي، موضحاً أن "تحرك أسر الضحايا يأتي بعد تسريبات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، منتصف 2017".
وجاء في إحدى الرسائل المسربة التي تناقلتها الصحف الغربية، وتم تداولها في الرأي العام الأمريكي، أن العتيبة حذّر أعضاء في مجلس الشيوخ من أن الدول المهددة بقانون "جاستا" ستتراجع عن تعاونها الاستخباري مع الولايات المتحدة.
تلك التهديدات تزامنت مع تحريك محكمة أمريكية لدعوى قضائية ضد بنك إماراتي بتهمة تقديم خدمات مالية لتنظيم القاعدة عن سابق قصد وعلم.
وفي ذلك الحين أخذ محامو الضحايا الأمريكيون تلك المعلومات باعتبار أن الخطوات الإماراتية (وكذلك فعلت السعودية) لدرء تمرير قانون "جاستا" ما هي إلا دليل على أن هناك ما تخشاه أبوظبي ولا تريد له أن يُكشف، خصوصاً أن الإمارات ورد ذكرها في ثنايا التحقيقات التي جرت بخصوص 11 سبتمبر أكثر من 70 مرة، بحسب الموقع البريطاني.
ولم تكن الإمارات ذات شهرة في هذا الموضوع في ظل تصدر السعودية لذلك، خصوصاً أن معظم منفذي تفجيرات 11 سبتمبر يحملون الجنسية السعودية، وكان لها الدور الأبرز في منع تمرير قانون "جاستا" في الكونغرس.
و"جاستا" هو مشروع قانون مُرر في مجلس الشيوخ الأمريكي بلا أي معارضة، في مايو 2016، ومُرر كذلك بالإجماع في مجلس النواب، في سبتمبر 2016، ويسمح ضمنياً بإجراء دعاوى قضائية ضد السعودية أو الإمارات من قبل الضحايا أو أسرهم، وإن كان القانون نفسه لا يذكر الهجمات الدموية لدول بعينها، ولكنه يوحي بذلك تماماً.
تخريب ثورة ليبيا
ولكن بعد أحداث الربيع العربي برز دور الإمارات بشكل أكثر جدية في خصوص دعم الجماعات الجهادية في الدول التي شهدت ثورات، لتغذية التطرف فيها ووصمها بالإرهاب، ومنع حصول تلك الشعوب على ما تريده من حريات وبناء دول ديمقراطية قوية.
وفي عام 2016، كشف اعتراف جاسوس إماراتي برتبة "رقيب صف ضابط"، ألقي القبض عليه في ليبيا، عن مسؤولية ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، عن تمويل وتسليح تنظيم "داعش" في ليبيا من أجل تهديد أمن وحدتها والذهاب إلى تقسيمها.
وأوضح الجاسوس الإماراتي، يوسف صقر أحمد مبارك، الذي ألقي القبض عليه في نوفمبر 2015، تلقيه الأوامر بتصوير موقع السفارة التركية وقنصليتها بمدينة مصراتة الليبية تمهيداً لاستهدافها بـ"عمل إرهابي".
وذكر بيان صادر عن سلطات طرابلس الليبية أن مبارك اعترف بالكثير من المعلومات؛ من ضمنها التخطيط لتفجير بعض السفارات في ليبيا منها السفارة التركية، والتحضير لعملية إرهابية ضد القنصلية التركية بمدينة مصراتة.
كما كشفت المعلومات عن الجاسوس الإماراتي المضبوط في مطار معيتيقة بطرابلس أن السلطات عثرت بحوزته على مقاطع فيديو زمنها يزيد عن 30 دقيقة تصور موقع السفارة التركية، ومقاطع فيديو أخرى لمواقع حساسة في طرابلس؛ منها "المحكمة العليا، والمتحف الوطني، وبعض المؤسسات الحساسة بالمدينة".
واعترافات الضابط الإماراتي تبين أن تنظيم "داعش" في ليبيا لم يكن ذاتي التمويل كما كان رائجاً، إنما كان يتلقى دعماً إماراتياً عبر أشخاص زرعوا في الأراضي الليبية.
وفي إطار ذلك كانت الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات قد كشفت، في نوفمبر 2017، أن إمارة أبوظبي مولت تنظيم الدولة في ليبيا بـ42 مليون دولار.
فوضى سيناء
وأوردت ذات الحملة الدولية أن دولة الإمارات مولت تنظيم "داعش" في صحراء سيناء المصرية؛ حتى يستمر التنظيم في نشر الفوضى، ما يضمن استمرار ولاء تلك الجماعات لأبوظبي.
وذكر التقرير أنّ أبوظبي مولت ولاية سيناء التابعة للتنظيم بأكثر من 30 مليون دولار، موضحة أن مثل هذا الدعم يأتي عن طريق شبكات غسل أموال في دبي وأبوظبي.
وكشفت مصادر استخبارية أن الأجهزة الأمنية حصلت على مراسلات ووثائق تثبت تورط حكومة الإمارات في دعم تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية المتطرفة في سيناء المصرية واليمن والصومال، بحسب صحيفة الشرق القطرية.
وأكّد المصدر أن "الاستخبارات الإماراتية قدمت أموالاً وأسلحة بكميات كبيرة لقيادات تابعة لتنظيم داعش في سيناء المصرية، وتنظيم القاعدة في اليمن؛ لتنفيذ أعمال إرهابية وتفجيرات واغتيالات".
فضيحة اليمن
وبخصوص الوضع في اليمن فقد كان المشهد اليمني من أكثر الأماكن التي خربت فيها أبوظبي بشكل شديد الوضوح والعلانية، يدل على ذلك اتهام وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، دولة الإمارات بارتباطها بتنظيمي القاعدة وداعش في البلاد.
وقال الوزير اليمني، في تغريدة له على موقع "تويتر"، يوم الأربعاء (18 سبتمبر 2019): "لدينا كل الدلائل على علاقة للإمارات بتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن وبالأسماء، وهي تستخدم هؤلاء الإرهابيين في ضرب تعزيزات الجيش في طريق شبوة–أبين".
وأضاف: "آن لأبناء شبوة وأبين وقبائلها في هذه المناطق تحديد موقف من الإمارات وإرهابييها قبل أن يقع الفأس برأس الكل بجريرة هذه الجرائم".
وفي يناير الماضي، كشفت وكالة الصحافة اليمنية عن وجود تنسيق عالي المستوى بين الإمارات وتنظيم القاعدة في جنوب اليمن، مشيرة إلى أن أبوظبي استعانت بالتنظيم في معاركها داخل اليمن بمختلف الجبهات، وسلمتهم معسكرات وعتاداً حربياً ضخماً.
من جانبها ذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، في أغسطس 2018، أن الإمارات جنّدت مقاتلين سابقين من "القاعدة" في صفوف قوات التحالف، مستندةً إلى اعترافات ضباط إماراتيين يقاتلون في حرب اليمن.
وأوردت الصحيفة أن "الجيش الإماراتي نفى هذه الادعاءات، وادعى أنها غير صحيحة وغير منطقية، ولكنها تنقل عن قادة إماراتيين أن القوات اليمنية الحليفة للتحالف تستوعب أعداداً من مقاتلي القاعدة بعد التأكد من خلفياتهم".
وتنقل عن اللواء علي، الذي لم ينشر اسمه كاملاً لأسباب أمنية، من عمليات مكافحة الإرهاب الإماراتية، قوله: إن "العديد من مقاتلي القاعدة هم من اليافعين الذين خضعوا لسيطرة التنظيم وأُجبروا أو أُقنعوا بحمل السلاح، وعند تنظيف المناطق المدنية من التنظيم يترك وراءه الكثير من هؤلاء المقاتلين، ومن المنطقي تجنيدهم؛ لأن هذا الأمر يرسل رسالة قوية حول الالتزام اليمني بالتحرير".
وأضاف اللواء: إن "محاربة التمرد عملية تهدف لكسب العقول والقلوب. تنظيم القاعدة ناجح جداً في تجنيد الأفراد، ولكنهم لم يجندوهم ليصبحوا إرهابيين، بل ليكونوا مقاتلين، من الضروري التمييز بين الاثنين في مثل ساحة الحرب المعقدة هذه".
وأردف: "نجند مقاتلين وليس إرهابيين.. يمكن التفريق بينهم بسهولة؛ المقاتلون كانوا متحمسين للانضمام لنا ولكن الإرهابيين أرادوا قتلنا، ولكننا نخضع المتطوعين لفحص نفسي شامل لضمان ألا يكونوا من المتطرفين".
لكن الدعم الإماراتي والسعودي لتقوية تنظيمات مثل القاعدة أو تنظيم الدولة في مواجهة الحوثي أدى بدوره إلى تفكك كيان الدولة، وقامت مقامها تنظيمات مصنفة على لوائح الإرهاب تحمل السلاح وتؤمن بالعنف ولا تعترف بشرعية الدولة، وهو ما أسهم في إطالة أمد الصراع وتكوين بيئة حاضنة للتطرف.