الخليج أونلاين-
مع تنامي عمليات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من قبل دول خليجية، بعد إعلان الإمارات والبحرين، توقيع اتفاق سلامٍ معها، بدأت تلك الدول بتشديد قبضتها الأمنية ضد كل من يعارض خطواتها، واستخدام القمع لكل من لا يتفق مع رؤيتها التطبيعية.
وبينما سارعت المنامة وأبوظبي لإعلان التطبيع، بدأت دول أخرى، بينها خليجية، في المضي نحو تلطيف الأجواء مع "إسرائيل"، في محاولة لتهيئة شعوبها نحو سلام كامل مع كيان يحتل فلسطين، وإرغام كل من يعارضها على القبول بتوجهاتها.
في المقابل طرحت تساؤلات عما إن كانت هذه الخطوات قد تعيد الجماعات المتشددة، التي قد تستغل هذا الغضب لجذب الكثير إلى صفوفها، والتحرك لتنفيذ عمليات انتقامية على الأرض ضد الإسرائيليين بدرجة رئيسية، والدفع نحو عودة العنف في الخليج، بعد أن شهد هدوءاً نسبياً خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً مع تهديدات أطلقتها "داعش" ضد الرياض.
الخليج والإرهاب
تمثل منطقة الخليج العربي هدفاً لقوى وتيارات الإرهاب التي تسعى إلى زعزعة أمنها واستقرارها بطرقٍ وأساليب مختلفة، وكان لافتاً التهديدات التي شهدتها السعودية من قبل تنظيم "القاعدة" خلال سنوات ماضية، والعمليات التي وقعت فيها في فترات مختلفة.
وعلى الرغم من أن الضربات التي تعرض لها تنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية، دفعته للاختفاء بشكل كبير، فإن خطر الإرهاب لا يزال ماثلاً بقوة في منطقة الخليج، خصوصاً مع بروز مظاهر أخرى تدفعه للبروز مجدداً، كما حدث مؤخراً من إعلان التطبيع الإماراتي البحريني مع "إسرائيل".
وتعتبر منطقة الخليج استراتيجية مهمة بالنسبة إلى الاستقرار الاقتصادي في العالم كله، نظراً إلى أنها المصدر الرئيسي للنفط على الساحة الدولية، ولذلك فإنها ذات جاذبية خاصة بالنسبة إلى قوى الإرهاب التي تريد من خلال عملياتها الإرهابية فيها لفت نظر العالم وإثبات أنها موجودة وقادرة على التأثير.
وتحقق هذا الهدف للقاعدة حينما برزت بشكل مكثف خلال العشرين عاماً الماضية، وحصلت على اهتمام دولي كبير، ما دفع بسلطات الخليج خصوصاً السعودية والبحرين، إلى تكثيف جهودها لمحاربة المتشددين، وتجفيف منابعهم، وهو ما انعكس على الأرض بتوقف شبه كلي لعملياتهم وتحركاتهم في الخليج.
وكانت السعودية في ثمانينيات القرن العشرين منبعاً أساسياً للمتشددين، ومورداً مالياً لهم في أفغانستان والبوسنة والشيشان وغيرها من مناطق تقع فيها أراضٍ إسلامية تحت الاحتلال، وغيرها من الأحداث والوقائع كما حدث في برجي التجارة العالمية، وربطها بالسعودية.
وعاشت المملكة تجربة غير مسبوقة في مواجهة مقاتلين محليين قاموا بأعمال تفجير وعنف وتهريب للسلاح ومحاولات حثيثة لحشد الأنصار.
ولا تزال دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، تحظران الانتماء إلى كثير من التنظيمات الإسلامية، واعتقلت المئات من عناصرها، وحاكمت عدداً منهم وأصدرت عقوبات الإعدام بحقهم.
داعش يهدد
ومع مرور أكثر من شهر على توقيع اتفاق سلام بين "إسرائيل" والإمارات والبحرين، خرج تنظيم "داعش" بتهديدات باستهداف الأجانب الغربيين في السعودية، وشن هجمات انتقامية لتدمير بينة المملكة الاقتصادية، متهماً إياها بدعم اتفاقيات ذلك التطبيع.
ونقلت وكالة "رويترز"، في 18 أكتوبر، عن المتحدث باسم "داعش" أبو حمزة المهاجر، في رسالة مسجلة بثتها قناة التنظيم الرسمية على تطبيق تلغرام للتراسل وجهها لأنصاره، أن "الأهداف أمامكم كثيرة. ابدؤوا بضرب أنابيب نقل الوقود والمصانع والمنشآت التي هي مصدر حكومة الطاغوت".
وأضاف أن المملكة دعمت التطبيع مع "إسرائيل" من خلال فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية إلى البحرين والإمارات.
كما استنكر المهاجر توقيع البحرين والإمارات اتفاقيات السلام مع "إسرائيل" معتبراً إياها "خيانة للإسلام".
وتأتي هذه التهديدات بعد سماح الرياض لشركة "العال" الإسرائيلية بعبور مجالها الجوي إلى البحرين والإمارات اللتين وقعتا اتفاق سلام مع "إسرائيل" في سبتمبر الماضي.
وبالفعل تبنّى تنظيم "داعش"، (الخميس 12 نوفمبر)، الاعتداء الذي استهدف احتفالاً في مقبرة "الخواجات" لغير المسلمين بمدينة جدة السعودية، والذي أدّى لإصابة اثنين أحدهما يوناني.
وقال التنظيم في بيان نشرته حسابات جهادية على تطبيق "تلغرام": "تمكنت مفرزة أمنية من جنود الخلافة من زرع عبوة ناسفة في مقبرة الخواجات في حي البلد في مدينة جدة، أمس (الأربعاء)".
وأضاف البيان: "بعد تجمّع عدد من قناصل الدول الأوروبية (في الاحتفال) فجّرها المجاهدون عليهم، ما أدى لإصابة عدد منهم".
هل يعود المتشددون؟
يرى أستاذ دراسات الشرق الأوسط ومدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، محجوب الزويري، أن ظهور الجماعات أو الافكار المتطرفة "مرتبط بمواقف وسياسات، ومتزامن مع إغلاق فضاءات الرأي والرأي الآخر"، مشيراً إلى أن ذلك قد "يدفع للعمل السري وربما استخدام العنف".
ويوضح الزويري، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن ثمة متغيرين حالياً؛ "الأول له علاقة بمساحات الرأي المفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنعكس فيها الآراء ويمكن رصدها".
أما المتغير الثاني فيراه الزويري "مرتبطاً بحالة الانهيار التي تواجه أي دولة في المنطقة العربية، لا سيما الدول التي نجحت فيها الثورة المضادة، حيث إنها حالت دون نجاح التغيير السلمي، كما أنها لم تنجح في المحافظة على قدرة الدولة وخدماتها".
ويؤكد أن هذا الأمر "يعزز من حالة عدم اليقين التي قد تستمر لفترة"، مشيراً إلى أن تنظيم "داعش وغيرها من الجماعات المتشددة ارتبطت بشكل ما بعلاقات مع دول حتى وإن لم تعرف تلك التنظيمات"، مضيفاً: "إذا تكرر نفس الدعم من دول قد يتكرر ظهور مثل تلك التنظيمات".
وعن إمكانية عودة الجماعات المتشددة في الخليج، يقول الزويري: "عودة التشدد قد تساهم فيها قضايا الفساد السياسي والاقتصادي وغياب الفرص وتراجع مستوى الحياة، وليس فقط موضوع التطبيع الأخير".
التطبيع والرفض الشعبي
كان الإعلان عن تطبيع العلاقات بين الإمارات و"إسرائيل" كالقنبلة التي هزت الخليج، أشاد بها حلفاء وهاجمها خصوم، لكنّها تركت العديد من مواطني دول الخليج في حيرة حيث يرى كثيرون فيها انقلاباً على القضية الفلسطينية.
وتكافح مبادرات شعبية خليجية منذ اللحظة الأولى للإعلان رسمياً عن التطبيع الإماراتي مع "إسرائيل"، بل وقبل ذلك بكثير، لمقاومة هذا المد بشكل حاسم، ولفكرة التطبيع عموماً مع "تل أبيب".
وتنطلق أسس هذا المنطق من "أن إسرائيل نظام محتل اغتصب أرضاً لا حق له فيها وهجّر أهلها، وأهلهُا إخوان للشعوب العربية والخليجية في الهوية والإنسانية والدين والعروبة".
وفي المقابل تخشى دول الخليج والولايات المتحدة من أن تزايد هذا الغضب الرافض للتطبيع قد يدفع المتشددين المتطرفين في الخليج إلى استغلال إعلان "اتفاق السلام"، كفرصة لعودة نشاط مثل هذه الجماعات وكسب مزيد من الأنصار، واستغلال وجود الإسرائيليين خلال الفترة المقبلة في الإمارات والبحرين، لاستهدافهم بعمليات هجومية، ما قد يعيد التوتر في المنطقة.
التطبيع ووجهة نظر المتطرفين
بدوره يعتقد رئيس "مركز ساس للأبحاث ودراسة السياسات"، عدنان هاشم، أن إعلان التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي "يدعم وجهة نظر الجماعات المتطرفة تجاه الأنظمة الخليجية ويزيد شعبيتها والمتعاطفين مع تلك الجماعات".
ويؤكد أن القمع وحظر أي مظهر من مظاهر التنفيس الشعبي بالتنديد والإدانة لقرار السلطات التطبيع -وأخطر ذلك في الإمارات وبدرجة أقل في البحرين- "واحد من الأسباب التي قد تدفع المجتمع للتساهل مع تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب على وجه الخصوص، ومنطلق من منطلقات التجنيد الجديد في صفوف التنظيم، إذا ما فرضنا أن تنظيم الدولة لم يعد يحظى بشعبيه كبيرة حتى في أوساط الجهاديين، بعد انهيار دولته في العراق".
وقال، في تصريحه لـ"الخليج أونلاين"، إن تنظيم القاعدة يشهد "تخلّق جيل جديد، وقيادته الحالية معظمهم هم من الشباب الذين ولدوا في التسعينيات ونهاية الثمانينيات، والذين كان لهم ارتباط كبير بالقضية الفلسطينية في المدارس والجامعات، وكانت تعتبر قضيتهم الأولى، وما زالت من وجهة نظرهم هي القضية الأساسية".
ويرى أن هذا الأمر "قد يدفعهم لشن هجمات على الحكومات الخليجية الحالية (السعودية- والإمارات- والبحرين) ضمن إطارهم الجهادي لنصرة القضية الفلسطينية".
كما يرى أن تنظيمَي الدولة والقاعدة "قادران على التجييش باستخدام الذئاب المنفردة؛ بتوجيه ضربات وهجمات عبر المتعاطفين مع التنظيم"، موضحاً بقوله: "في الفيديو الدعائي الأخير لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب كان واضحاً هذا النوع من التجييش ضد الإمارات؛ إذ حمل الفيديو الدعائي لإبراهيم القوصي عنوان: (من لابن زايد، فقد آذى الله ورسوله!)".
إلا أنه يرى في سياق حديثه أن أي استراتيجية منظمة للتنظيم في استهداف الدول الخليجية الثلاث "سيكون صعباً خلال الأشهر القادمة، لكن الاضطهاد والقمع وحظر انتقاد التطبيع قد يزيد عدد المتعاطفين معه الذين ينفذون أوامره بأن يقوم الشخص والأشخاص، بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكانياتهم الذاتية".
وأوضح أن سبب صعوبة ذلك هو "تعرض تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب للانهيار، وأصبحت شبكة اتصالاته صعبة في الفترة الأخيرة مع استمرار خلاف القيادة"، معتقداً أن هذه الهجمات الفردية التي قد تحدث "ربما يتبناها تنظيم الدولة لإعادة شعبيته في العالم العربي".
السعودية والإرهاب
في الخليج، ارتبط بروز اسم الجماعات المتشددة بشكل كبير بالسعودية، في مقدمتها تنظيم القاعدة الذي حاربته السلطات بشكل كبير، ثم ما لبث أن ظهر مؤخراً ما يسمى تنظيم الدولة "داعش" الذي شن في آخر 5 سنوات نحو 22 عملية.
وكان آخر هجوم شهدته المملكة في أبريل 2019؛ باستهداف مركز أمني شمالي العاصمة السعودية، تبنته "داعش"، ما أسفر عن مقتل 4 مهاجمين، وإصابة 3 أفراد أمن.
وخلال السنوات الخمس الماضية نفذ "داعش" 22 عملية استهدفت مواقع ومراكز استراتيجية وأمنية وعسكرية بالسعودية، تركزت معظمها بين عامي 2015 بواقع 8 عمليات و2016 بواقع 9 عمليات بارزة، وتوزعت بقية العمليات الأخرى على الأعوام 2017 – 2018.
ولعل وجود المتشددين في السعودية بشكل كبير يرجع لوجود أكبر عدد سكاني بالخليج فيها، وكذا إلى امتلاكها أراضي شاسعة، وارتباطها بسلسلة حدود ضخمة مع اليمن والعراق، حيث يوجد عناصر للقاعدة وداعش في هذين البلدين، في وقتٍ تقر السعودية بوجود عناصر لـ"داعش" على أراضيها، وتصنف التنظيم "إرهابياً"، وأعلنت في أكثر من بيان إحباطها عمليات تابعة له.