ح.سلفية » داعش

الهجوم في عُمان: مفارقات تنظيم «داعش»!

في 2024/07/19

 

القدس العربي- 

وقع هجوم دموي هو الأول من نوعه في سلطنة عُمان وأعلن داعش مسؤوليته عنه.

جرى الهجوم على مسجد الإمام عليّ في منطقة «الوادي الكبير» في العاصمة مسقط، حين فتح مسلحون النار على معزّين، فأوقعوا ستة قتلى و28 جريحا على الأقل بعد اشتباكات مع رجال الشرطة استمرت طيلة ليل الاثنين حتى صباح الثلاثاء الماضي.

المفاجأة جاءت من حصول الهجوم في بلد يقوم تماسكه الأمني على دولة تركز على البناء الاستراتيجي البعيد المدى للاقتصاد، وتميل إلى الاعتدال في العلاقات مع الدول والتيارات المتنازعة حولها، والابتعاد عن الدخول في استقطابات ومحاور سياسية كبرى، مما جعلها وسيطا ناجحا في قضايا معقدة، كما أن اجتماعها العام وسكانها يميلون إلى التسامح والتعايش المذهبي. ساهم كل ذلك في امتيازها بعقود طويلة من الأمان الاجتماعي والسياسي، فيما تدور الحرب على حدودها الجنوبية في اليمن، الذي انحدر بعد عقود من الصراعات نحو الحرب الأهلية والنزاعات المعقدة، وتقدّم دول خليجية أخرى مثل الإمارات مثالا معاكسا مع انخراطها المباشر في بعض الحروب والصراعات العربية الناشبة، كما هو الحال في ليبيا والسودان، أو في التدخّل في شؤون الدول الأخرى مما أدى لمنازعات لها مع بلدان مثل الجزائر.

كان داعش قد أعلن خلال ذروة نشاطه في عام 2014 عن تمدده إلى بلدان جديدة بينها السعودية واليمن، وطالب أبو بكر البغدادي، زعيمه الذي قتل لاحقا، أنصاره حينها باستهداف الشيعة، وعناصر الشرطة والعسكريين المحليين، والمقيمين الأجانب غير المسلمين، وخصوصا من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

تبعت ذلك عمليات إرهابية تركز أغلبها في السعودية (باستثناء عملية دموية كبيرة جرت عام 2015 في الكويت) واستهدفت تلك العمليات، في مجملها مساجد للشيعة، وبعض مراكز الشرطة. تمكن «التحالف الدولي» ضد داعش من انتزاع جميع الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا، وانحسرت العمليات إثر ذلك عام 2016، لكن خلايا سرية ومجموعات متأثرة بفكره بقيت تطلّ برأسها من حين لآخر، كما حصل في عملية مسقط الأخيرة.

رغم الطابع «الإسلامي» الذي يطبع داعش، بدءا من اختياره اسم «الدولة الإسلامية» ومرورا بمحاولات قادته الانتساب في أسمائهم الحركية وألقابهم إلى قادة الإسلام، وإلى قريش الخ…، فإنه ظاهرة حديثة ناتجة عن التفاعل المعقد للواقع التاريخي والسياسي ولا يمكن استيعابها من دون إعمال مناهج علوم السياسة والاجتماع وقراءتها ضمن مآلات ثلاث دوائر: أولها، التدخلات الغربية الفظيعة، والتي عادت بالمجتمعات العربية إلى عهد الاستعمار المباشر، وثانيها، الانهيار الهائل لبعض الدول الوطنية العربية الحديثة، وتحولها إلى دول تتغذى على الاستبداد وإلغاء السياسة وتدمير البنى الاجتماعية وتدوير الثروة ضمن الطغمة الحاكمة وأجهزتها الأمنية، كما رأينا في حالة ليبيا التي تمكنت فيها عائلة القذافي من تهريب عشرات المليارات عند خروجها، وهناك أمثلة مناظرة في العراق وسوريا والسودان، وثالثها الدور الخطير الذي تلعبه إسرائيل كقلعة استيطان واستعمار وإخضاع لباقي شعوب المنطقة وكمساهم في الانهيار والتعفّن، ومشارك في خلق ظروفه والاستثمار فيها.

ينتشر داعش مثل الأمراض النفسية والفيزيولوجية الخبيثة في الحواضن الاجتماعية المتهالكة التي فرّغها الاستبداد والاحتلال وأشكال القمع من مقوّمات الروح والفعل الإيجابي فتستقوي على المستضعفين، من أقليات كالشيعة أو الإيزيديين، ومن يقع في يدها من باقي المسلمين، أو من مدنيين أجانب، مناقضة في كل ذلك كل ما بنيت عليه دولة الإسلام في عهد النبي الكريم ومن خلفوه، بحيث وصف بعض الكتاب الغربيين الإسلام بأنهم أرحم الفاتحين، وبأن شمس حضارتهم أشرقت على الغرب.

إحدى المفارقات الكبرى الموضحة للعمى الأيديولوجي لداعش أنه يقوم بمهاجمة مساجد الله، والمدنيين الأبرياء، مقدما أحد التبريرات الكبيرة للسياسات الغربية ضد المسلمين في دعمها للمقتلة الكبرى للمدنيين الفلسطينيين التي تقيمها إسرائيل.