بسم الله الرحمن الرحيم
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة: «وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا»
مكة والمدينة، الحجاز ونجد، بل كل الجزيرة؛ بركة الأرض، حرمة المسجدين، طيبة العيش في ظل التوحيد، بداية الرسالة، ذكريات النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
شوق حنين؛ إذا رأيت أُحدٌ تذكرت يومها ومقتل حمزة!
وإذا دخلت قباء تذكرت دخول رسول الله فيه والصلاة فيه!
وإذا رأيت مقبرة البقيع تقطّع قلبك آلـمًا وشوقًا إليهم!
أما إذا دخلت المسجد النبوي على صاحبه الصلاة والتسليم فاترك القلب وأحزانه، واترك العينين وانهمار دموعهما، ودع الذكرى تجول بك، وكأنك معهم تنتظر إقامة الصلاة ليؤم بك المصطفى صلى الله عليه وسلم!
هذا ليس كلاميّ ولا مشاعري بل كلام ومشاعر المسلمين في أقطاب الأرض، كلها شوق إلى هاتيك الديار كما اشتاق لها الصحابة بعد خروجهم إلى الشام والعراق للفتوحات، وها هم أحفاد الصحابة قد فعلوا فعل أجدادهم والشوق يعصر قلوبهم كما عصر فؤاد أجدادهم الصحابة، فإذا سألت أحدهم في الشام أو العراق عن هاتيك الديار؛ تسمع حنين القلب وشهيق يتبعه زفير آهات وتوجع همة تناطح قمم الجبال الشمّ.
اصبروا يا رجال العقيدة.
اصبروا يا أهل الدين والحميّة.
اصبروا في الشام والعراق واليمن اصبروا؛ فقد مدّ الله سلطان خليفة المسلمين.
اصبروا فقد ذقتم مما ذاق أجدادكم الصحابة رضي الله عنهم، بل وأكثر منه.
خروج المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة أحب الديار إلى قلبه، أعني مكة في جبالها، في أوديتها، في هوائها، وأغلى من ذاك وأعظم: بيت الله وحرمه المسجد الحرام، والحرم الصلاة فيها بمئة ألف صلاة، لا يُعضد شجرها، ولا تُلتقط لُقطتُها، فهي أرض: بركة، رسالة، وبلاء، وفتوحات. كل هذا على أرض مكة المكرمة الحبيبة، في الحرم.
قال الله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [سورة الحج].
ومن يعمل فيها خير يضاعف فيه الأجر؛ فالصلاة فيها بمئة ألف صلاة تأمل.
فكيف بمن سالت دماؤه على ثراها؟!
رزقنا لله من فضله، آمين.
اصبروا فإن الله سبحانه لا يمكن للمرء حتى يبُتلى.
انظروا إلى الصحابة كيف خرجوا إلى الشام والعراق يوم القادسية وقلوبهم تقطر على المدينة حزناً!
ثم تفكروا وتأملوا واتعظوا وقرروا ما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف خرج وقلبه على مكة، ثم كيف فتح الله لهم يوم الفتح الأعظم في رمضان فدخلوا مكة فاتحين!
إن يوم الحديبة يوم فيه بلاء ليس على الأجساد أبداً مع ضيق العيش في وقتها ولكن الضيق كل الضيق عندما يحرم المرء من بيت الله الحرام ومن مشركين.
نعم؛ كان الصحابة في شوق كبير لأنهم سوف يدخلونها بعد ساعات؛ يرون مكة وسمائها وأرضها وجبالها، يطوفون بالبيت الحرام، ويصلون خلف مقام أبيهم إبراهــيم الذي يتبعون ملّته حنفاء مسلميّن.
فقطع شوقه ووصولهم وفرحهم المشركين والمفاوضة المشهورة التي جرت بين مشركين قريش ينوب عنهم سهيل بن عمر والنبي صلى الله عليه وسلم بأن يرجعوا إلى قابل ثم يدخلون الحرم معتمرين فقط!
صبروا على هذا فقد أمرهم أميرهم وقائدهم نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر، عثمان وعلي، بلال وابن مسعود، المهاجرون والأنصار؛ آلم قطع نياط قلوبهم، وأوغر صدورهم على المشركين أكثر لمنعهم دخول مهبط الوحي وديار الإيمان.
كان السبب الرئيس في منع دخولهم هو هيمنه قريش وكبرها وغطرستها، وكذلك اليوم؛ إن الذي منع دخولنا اليوم هو هيمنة أمريكا وبن سعود وكبرهم وغطرستهم، وكان هذا ميزان الحكيم العليم العدل سبحانه.
ظلم وأي ظلم!
يمنع خيرة خلقه من دخول خيرة أرضه!
سبحانك يا الله ما أحلمك!
وكان في ميزان الحكيم العليم العدل سبحانه طاعة وعبادة وإيمان وإسلام وإتباع ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً.
وكانت النتيجة أن الطاعة والعبادة مالت بكفة الظلم والجور والغطرسة فكان الفتح المبين.
يا جنود الدولة الاسلامية وقادتها؛
إنكم في طاعة وعبادة وجهاد، ومتبعين ملة إبراهيم؛
فاصبروا فإن ميل الكفة أوشك، وبزوغ الفجر بدا، وانتظروا الصبح، أليس الصبح بقريب؟
نعم؛ الصبح قريب.
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في مشهد مهيب، وفرحٍ غامر، ووجوه نضرة كستها دمعات الفرح بالنصر المبين.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مطأطئ الرأس تواضعاً لله سبحانه.
فابشروا يا جنود الدولة!
يا أمراءها!
يا خليفة المسلمين!
ابشروا وأملوا خيراً.
قال تعالى:
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)} [سورة الفتح].
نعم؛ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ بإذن الله سبحانه الذي لا يُظلم عنده أحداً.
وكأني والله أنظر إلى المشهد يُعاد اليوم بعد 1400 عام ويزيد؛
أمير المؤمنين، سليل بيت النبوة، الخليفة إبراهيم القرشي -حفظه الله-
ومن خلفه أجناد العراق والشام واليمن وجحافل الإيمان من أرض الكنانة وسيناء ومن ليبيا والجزائر وتونس الغراء والمغرب وأفريقيا!
في مشهد مهيب يغيض أعداء الله ويفرح كل مسلم موحد لله.
حتى إذا وصل إلى قرن المنازل أحرم معتمرًا عليه إزاره ورداؤه، مبتدأً منها مسيره باتجاه بيت الله الحرام، عند الوصول يدخل الخليفة مطأطأ الرأس تواضعاً لله كما فعلها جده صلى لله عليه وسلم، والكتائب عن يمينه وشماله، إلى الكعبة وجهته، يطوف بالبيت، ويصلي خلف مقام أبيه إبراهيم الذي تمسّك بملته، ويسعى سبعاً بين الصفا والمروة، يحلق شعره أو يقصّر كما قال الله {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}، ووعد عباده بالدخول إلى المسجد آمنين.
بعدها يرتقي الخليفة درجات منبر الحرم -الذي لطالما اعتلته أرجل ووجوه غابرة، عيونها على رواتبها ترتجي السلطان، وتوالي الكفار-
يعتلي الدرجات بهدوء كما اعتلى درجاته في الموصل الحدباء؛ يقدم اليمنى اقتداً بفعل جده رضي الله عنه "أبا الحسن"؛ ثم يخطب خطبته العصماء كما خطب جده صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، ويعيد عليهم مقالة جدهم تذكيراً وتنبيهاً وحرصاً ووعظاً في سكينة بين المسلمين، تغمر دمعاتهم وجوههم في ذلكم اليوم العظيم.
وفي المقابل هروب المشركين كما هربوا في يوم الفتح!
وضرب رقاب ما شاء الله منهم، ومنّ على من شاء الله منهم:
"اذهبوا فأنتم الطلاقاء".
مشهد يُعيد للأمة مجدها.
وهي والله؛ الخلافة.
نعم؛ والله إنها لخلافة.
وباقية بإذن الله.
وهنا وقفة نستوقفها أمير المؤمنين يوم الفتح، ونقول:
ماذا أنت صانع بـــ:
أمراء آل سعود المنعمين والمكبلين بأيديهم وأرجلهم!
علماء السوء الذي حرّفوا وطبلوا وزمّروا من أجل الرواتب!
(تأهب يا شثري) نصيحه لك فقط!
ما هو حال العرعور في ذلك اليوم يا ترا؟!
وما هو حال استديو الحدث؟!!!
ألا فارتقبوا والله!
ذلك اليوم ارتقبوا!
في ذلك اليوم يكون الناس فسطاطين؛
إما مبايع؛ له ما لنا وعليه ما علينا.
وإما غير مبايع بحجة أنها غير شرعية، ولم يجتمع عليها أهل الحل والعقد (من الأمة)!
في ذلك اليوم القريب؛
أين موقفكم يا قاعدة الجهاد؟
ألا زالت غير شرعية وقد وصلت الحرم وتمكنت من التمدد؟!!!
تبصروا، واتقوا الله، وتواضعوا، وانظروا إلى أمركم مرااااااراً!
أما المسلمين في ذلك اليوم؛
فأيديهم بيد أميرهم، بايعوه وأتموا البيعة.
يومها ينتشر العدل في بلاد الحرمين، وتنصب المحاكم الشرعية، وترفع المظالم، ويتم اللقاء وارجاع الحقوق.
يعم الأمن أرجاء الجزيرة، الحاج والمعتمر لا يمنعه من حجه وعمرته أحد، لا جوازات تختم، ولا مطارات تبصم، ولا حدود تحول!
كم ظلمتم يا آل سعود من عامل يسعى لجمع رزقه!
كم منعتم من ذي شيبة وعجوز من حج بيت الله بحجة الجوازات والأنظمة!
كم أسرتم من أسير وأسيرة!
فيز، حواجز، شرطة، جيش، مباحث، جواسيس، شر، وظلم.
زوال بدون رجعه ابشروا يا مسلمين.
***
جولة في المدينة النبوية مع وضاء الوجه أبي محمد العدناني -حفظه الله-
في طيبة الطيبة برفقة المهاجرون والأنصار، يمرون على أرضها، جبالها، نخلها، سهولها، وديانها؛ فترجعهم الذكرى إلى يوم بدر والأحزاب وأحد.
يرون جبل أحد، ويرمقون قبه قباء، يصافحون المسلمين، ويعانقون أهلها، وكم اشتاقت ترابها إلى دولة النبي صلى الله عليه وسلم كم!
يعرجون على مقبرة البقيع، يزورون المقابر لتذكرهم الآخرة، وينظرون إلى الصحابة الكرام ولسان حالهم:
جزاكم الله خيراًن وناموا مطمئنين؛ فقد أعادها الله لابن بنت رسول الله، دولة كما كانت دولة.
ثم يتوجهون إلى المسجد النبوي؛ يصلون فيه ويُسلموا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ وإذا بهم ينظرون إلى خليفة المسلمين يُصلي في روضة الحرم بجوار منبر النبي وبيته صلى الله عليه وسلم ولحيته قد تبللت بدمعه وهو يرى بجواره قبر جده صلى الله عليه وسلم، يبكي، ويبكي، ويبكي!
وحق لكم يا شيخنا البكاء.
فيبكي الجميع لبكائه، اللهم صلِ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم يسلمون على أبي بكر وعمر.
ثم يرسل الكتائب لفتح فارس والروم كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أمن الناس وعاشوا في الفتوحات؛ يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت وبغداد وإلى اليمامة ودمشق بدون حدود وجوازات.
هذا في ظلال الخلافة.
وعسى أن يكون قريباً.
***
بقلم:
حَامِلِ البُشرَى
@shoon3370