استدراج «داعش» للأطفال عبر الإنترنت يكشف الخلل في المؤسسات التربوية بالسعودية
أثار اعتراف وزارة الداخلية السعودية أمس الأحد، بأن أحد منفذي العمليات الإرهابية الأخيرة بالمملكة لم يتجاوز عمره 15 عامًا، وأن تنظيم داعش يحاول استدراج الأطفال من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، المخاوف والتساؤلات حول الأسباب والبيئة التي أفرزت هذه الحالة، وهل تنبئ بوجود خلل ما في المؤسسات التربوية والأسرية والتعليمية؟ وهل يلعب الإنترنت والفضائيات والإعلام دورًا سلبيًا؟ وهل تساهم أزمات اجتماعية متفاقمة، أبرزها التفكك الأسري والطلاق والمرض النفسي والعنف وغياب الإعلام التربوي، في تشكيل بيئة مواتية قد تدفع بالأطفال نحو الفكر الشاذ والمتطرف؟
لا توجد إجابات واضحة بهذا الشأن، إلا أن رصد هذه العوامل قد يسهم في محاولة فهم المشكلة، خاصة وأنها تأتي في مجتمع أغلبه ينتمي لشريحة الشباب والأطفال، وفي بيئة تموج بالصراعات المذهبية والطائفية، وتلعب التقنيات التكنولوجية والإنترنت فيها دورًا كبيرًا، حيث إنها الأداة الرئيسية لتجنيد عناصر التنظيمات المسلحة المشاركة فيها، وهي أيضًا الأداة نفسها التي يمكث الأطفال معها ساعات طويلة في غياب أي رقابة أسرية أو مدرسية.
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التريكي، قد صرح في مؤتمر صحفي أمس بأن "تنظيم داعش يحاول استدراج الأطفال من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل تنفيذ عمليات إرهابية"، مشيرًا إلى أن "أحد منفذي العمليات الإرهابية الأخيرة في المملكة لم يتجاوز عمره 15 عامًا. وأنه من الصعب تحديد الدول التي تقوم بدعم داعش"، مشيرًا إلى أن "كثيرًا من العائلات تبادر إلى الإبلاغ عن نوايا مشبوهة لأحد أفرادها، ولكن للأسف يكون الإبلاغ متأخرًا، حيث وقت تحرك القوات يكون قد غادر الشخص المشبوه المملكة".
أيضًا قال العميد بسام عطية، مدير مركز الاستراتيجيات الأمنية بوزارة الداخلية السعودية: "إن عناصر الخلية الإرهابية جندت الأطفال، واستهدفت أقاربهم من العاملين بأجهزة الأمن في بداية الأمر كأهداف سهلة، وتدفع هؤلاء الأطفال إلى اعتناق فكر تكفيري أسود".
وبحسب خبراء، فإن نجاح تنظيم "داعش" في تجنيد عناصر جديدة يرجع إلى قدرته على استغلال وتوظيف الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، واللعب على الوتر الديني والرمزي لاستقطاب الشباب والمراهقين.
وأصبح لهذه المواقع تأثير كبير، عبر إعطاء قيم معنوية لما يقوم به هؤلاء الشباب والأطفال، والزعم بأن النتيجة هي الوصول إلى الجنة والاستشهاد. وأن أغلب المراهقين وصغار السن في المملكة الذين انضموا لداعش انضموا نتيجة تأثرهم بالمحيط العائلي، فهناك بيئة حاضنة لهؤلاء الأطفال والمراهقين داخل أسرهم، فقد يكون أحد أعضاء الأسرة من عناصر داعش أو من المؤمنين بفكرهم.
ولفت الخبراء لأهمية دور وزارة التربية والتعليم والشؤون الإسلامية في التواصل والتوعية والتثقيف بصحيح الدين، وإظهار هذه التنظيمات المتطرفة على حقيقتها، وأنها مجرد تنظيم يستغل الشعارات الدينية لدغدغة مشاعر المراهقين وتجنيد المزيد من العناصر.
ويرتبط انتشار داعش في أي دولة بحسب دراسات عادة بوجود العديد من المشكلات والاختلالات الاجتماعية والثقافية في تلك الدولة.
ويزداد الأمر خطورة بدولة مثل السعودية، حيث إن نسبة الشباب فيها تمثل 67 % من عدد المواطنين السعوديين، وتحتل السعودية بهذا الرقم المرتبة الثالثة عالميًا من حيث نسبة السكان دون 29 عامًا، بواقع 13 مليون شخص من الجنسين، وذلك وفقًا لدراسة تم تقديمها إلى منتدى جدة للموارد البشرية في نوفمبر 2014، وتنطوي على نسبة كبيرة من المراهقين، وتعاني الشريحة بأكملها من الإهمال والتهميش.
وقد وصل عدد الشباب السعوديين المنضمين إلى داعش من يناير 2014 حتى يناير 2015، إلى ما يقدر بنحو 2500 سعودي، لتحتل بذلك السعودية المركز الأول مقارنة بباقي دول الخليج، وهو مؤشر على قابلية انتشار الأمر بين الأطفال تحت 18 أيضًا.
ويشير محللون إلى وسائل جذب الأطفال وضمهم إلى صفوف داعش، باستخدام الأناشيد الدينية وتصوير مقاطع مختلفة ووضعها على اليوتيوب، بهدف تحسين الصورة الذهنية لداعش لدى الأطفال، ومن أشهرها مقاطع قام بأدائها المنشد السعودي "ماهر مشعل الشويب".
كما حرصت داعش على ألا تنحصر عمليات استقطاب الأطفال على العالم الافتراضي، فتم استخدام ذات الأسلوب في الخطاب الذي يقوم على تحسين الصورة الذهنية "للجهاد" لدى الأطفال، ولكن على أرض الواقع، وقد أعلنت السعودية في أغسطس الماضي، عن القبض على 8 مواطنين ينتشرون في محافظة تمير لتجنيد الأطفال في داعش.
ويرى خبراء تربويون أن المشاكل الأسرية قد تكون أحد أسباب اتجاه أطفال لتنظيم داعش، فقد كشفت وزارة العدل السعودية عن 33954 حالة طلاق وقعت خلال العام 2014، فيما بلغت حالات الخلع 434 حالة، بينما بلغ عدد المتزوجين 11817. وجاء فى إحصاء نشرته وزارة العدل على موقعها الإلكتروني أن أعداد حالات الطلاق خلال العام 2014، زادت بأكثر من 8371 حالة طلاق عن العام السابق.
وحذر خبراء اجتماع من تنامي ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي، والتي تصل إلى أكثر من 25 % من حالات الزواج وفقاً لبعض الإحصاءات، بزيادة على المعدل العالمي الذي يراوح بين 18 % و22 %.
وأظهرت تقارير إحصائية سعودية ارتفاع حالات الطلاق في المحاكم السعودية إلى 33 % من إجمالي عقود الزواج المبرمة خلال العامين الماضيين.
ويحذر خبراء من تداعيات التفكك الأسري، ليس فقط في حالة الانفصال، ولكن في ظل انشغال الأبوين والأبناء حتى تحت سقف بيت واحد، لأن وسائل الاتصال الحديثة، خلقت مشكلة كبيرة في الأوساط الأسرية، حيث اهتم الناس من مقتنيي هذه الأجهزة ببرامج الاتصال، مثل واتساب ومواقع التواصل الاجتماعي، وبات كل فرد من أفراد الأسرة يمسك بجواله ويعيش في عزلة تامة عن بقية أفراد الأسرة.
وبحسب خبراء، فإن الإعلام التربوي غائب في الأوساط التعليمية والأسرية، ما أدى لانشغال الأطفال بالفضائيات والإنترنت لساعات طويلة، ما يجعلهم فريسة لأي أفكار متطرفة.