لقد وضعت الجماعة الإرهابية المعروفة باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» عينيها على المملكة العربية السعودية. وصل الأمر إلى قمته بالتهديد بغزو «أرض الحرمين الشريفين» في رسالة صوتية في منتصف شهر مايو/أيار على لسان قائد المجموعة الإرهابية «أبو بكر البغدادي»، أشار «البغدادي» إلى أن الحكومة السعودية هم «قادة المرتدين». ومنذ ذلك الحين بدأت «الدولة الإسلامية» في تنفيذ هجمات إرهابية داخل المملكة. وعلى مدار أسبوعين متتاليين شن أفراد منتمون للدولة الإسلامية، أو «داعش» كما يحلو للسعوديين تسميتها، هجمات انتحارية ضد المساجد في المنطقة الشرقية من المملكة، حيث يعيش غالبية الشيعة السعوديين. وبنفس القدر من الأهمية، منذ بداية العام، استهدف متشددون مرتبطون بـ«الدولة الإسلامية» عدة دوريات أمنية للشرطة في قلب المملكة العربية السعودية، بما في ذلك العاصمة الرياض.
وعلى الرغم من أن هذه الهجمات ضد الأهداف السهلة قد يكون من الصعب منعها على المدى القصير، كما يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية الملتهبة بالفعل بسبب الصراعات الدموية المتعددة في جميع أنحاء المنطقة، إلا إنه يمكن القول إن «الدولة الإسلامية» لن تنجح في المملكة العربية السعودية كما حدث في سوريا أو العراق أو بالطريقة التي حقق بها بعض فروع تنظيم القاعدة نجاحات كما في اليمن والصومال وشمال مالي ونيجيريا.
وقد ازدهرت هذه المنظمات الإرهابية على الأقل عندما تحقق شرط من اثنين؛ الفراغ السياسي والأمني الناجم عن قتال عرقي أو طائفي ضروس في دولة فاشلة، أو رواية موثوق فيها للسنة في بلاد ما سواء كانوا أغلبية أو أقلية ويتم التصوير كونهم تعرضوا للهجوم من قبل طائفة أخرى. وهذا الشرط الأخير يجبر حركات سنية أخرى، سواء داخل أو خارج البلاد، على الانضمام إلى «راية جهادية» لحماية إخوانهم السنة، كما حدث في العراق وسوريا. ولا يوجد أي من هذه الشروط في المملكة العربية السعودية، وبالتالي ستفشل «الدولة الإسلامية» في سعيها لقلب النظام السياسي هناك.
وقبل وقت طويل من سماع العالم عن «الدولة الإسلامية» أو حتى تنظيم القاعدة، حاول متشددون إسلاميون المطالبة بالمملكة باعتبارها مهد الاسلام. ففي عام 1979، قام بضع عشرات، معظمهم من السعودية، بفرض حصار على المسجد الحرام في مكة المكرمة؛ وهو الذي يعد أقدس أراضي المسلمين ومعلم للمسلمين السنة في العالم. ولم يكتف هؤلاء المتقدمون بمحاولة وضع حد للعلاقة الوثيقة للنظام السعودي مع الغرب، لكنهم أيضا يسفكون دماء الأبرياء من المسلمين لتحقيق أهدافهم. وعلى الرغم من أن الهجوم صدم السعوديين من جميع المشارب، إلا إن الحكومة تغلبت في نهاية المطاف على «المتمردين» وأعدمت زعيمهم. وفي عام 2003، حاول تنظيم القاعدة زعزعة استقرار المملكة من خلال مهاجمة المجمعات السكنية للعمالة الوافدة.
بعد بعض التردد المبدئي المتعلق بإدراك خطورة التهديد، بدأت وزارة الداخلية السعودية، في ظل قيادة صاحب السمو الملكي الأمير «محمد بن نايف» ولي العهد الحالي، جهود مكافحة الإرهاب التي شملت عملية أمنية وأخرى توعوية للجمهور. لقد كانت تلك المبادرة سببا في الزج بالآلاف من المتعاطفين مع المتشددين في السجون. وأعلنت السلطات السعودية مؤخرا محاكمة 492 شخصا اتهموا بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب في الأشهر الستة الماضية فقط.
وقد أدخلت الحكومة أيضا بضعة آلاف آخرين في برنامج تأهيل الإرهاب الذي يجمع بين التوجيه الديني والإرشاد النفسي. وعلى الرغم من أن السلطات السعودية واصلت القيام بالاعتقالات وإحباط المؤامرات، لم يقع أي هجوم إرهابي كبير في المملكة العربية السعودية منذ عام 2006 حتى الآن.
وقد أشار كثيرون إلى أن «الدولة الإسلامية» لا تشبه أي منظمة سنية متشددة في العالم على الإطلاق. وقد أدى نجاحها في تجنيد الآلاف إلى الانضمام إلى القتال في سوريا والعراق، وأدت قدرتها على الصمود عسكريا ضد الحكومتين العراقية والسورية بالبعض إلى التفكير في «الدولة الإسلامية» كشكل أكثر تطورا. ومع ذلك؛ فإنه قبل ازدهار «الدولة الإسلامية» في هذين البلدين، فقد واجها عدم استقرار سياسي وعنف مدقع. وفي العراق؛ تلمح جذور «الدولة الإسلامية» في الوضع الذي أعقب غزو الولايات المتحدة الذي قلب النظام السياسي المستمر منذ عقود، وجرد الأقلية السنية من السلطة السياسية. وفي سوريا تحولت إلى الوحش الذي نعرفه ونسمع أخباره يوميا الآن. وسمحت وحشية الأسد ضد الأغلبية السنية للدولة الإسلامية ببناء قصة جهادية جعلت من سوريا مقصدا أكثر إقناعا للمتشددين السنة في جميع أنحاء العالم مما كانت عليه أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي.
وبالطبع ليست فقط «الدولة الإسلامية» هي التي نجحت في إقامة وجود على أرض الواقع، وفي السعي إلى سلطة الدولة. فقد فعلت فروع تابعة للقاعدة ذلك قبلا في الصومال وشمال مالي واليمن وحتى نيجيريا. ومع ذلك؛ كل هذه الدول لديها تاريخ من الصراع العرقي والطائفي ونوعا ما دولة تعاني الضعف، ما جعلها غير قادرة على الوقوف في وجه التحديات، وبناء السياسية والأمنية والمؤسسات الاقتصادية بشكل قوي بما فيه الكفاية.
ونكرر مرة أخرى أن هذه الشروط لا وجود لها في المملكة العربية السعودية. فالسنة هناك ليسوا فقط أغلبية ساحقة، ولكنهم أيضا يسيطرون على الأوضاع السياسية والعسكرية والمؤسسات الاقتصادية في الدولة. كما أن المملكة العربية السعودية ليس لديها أي تاريخ من العنف القبلي أو الطائفي و العرقي كما هو الحال في اليمن ونيجيريا والصومال. وعلى الرغم من أن البلاد لا تزال تعتبر أمة «نامية»، لكنها ليست على وشك أن تصبح دولة فاشلة مثل ليبيا.
وفي الواقع؛ لا تُعتبر الدولة السعودية عموما دولة «ضعيفة». فما نشاهده الآن هو تطبيق سياسة أكثر حزما من قبل الساسة السعوديين، والذين لوحظ من تحركاتهم في الآونة الأخيرة أنهم يريدون ألا يكونوا رد فعل كما كانوا في الماضي، بل عليهم أخذ المبادرة لفرض واقع. ويظهر هذا النهج الجديد بطريقة دراماتيكية في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.
نهج «الدولة الإسلامية» المزدوج في السعودية (هجمات على المملكة واسعة النطاق ضد أماكن العبادة الشيعية والهجمات الصغيرة ضد دوريات الأمن الضعيفة) يمكن أن يسبب حالة من عدم استقرار على المدى القصير، بل قد يفاقم توتر العلاقات بين السنة والشيعة. وفي أعقاب الهجوم الذي وقع في القطيف قبل أسبوعين، دعا بعض رجال الدين الشيعة أتباعهم إلى تشكيل لجان شعبية لحماية مجتمعاتهم، وهو ما يحمل ضمنا أنه لن يستطيع أحد حمايتنا وأن علينا أن نحمي أنفسنا. ومع ذلك؛ فإن شريحة واسعة من السعوديين أدانت بشدة الهجمات، بما في ذلك كبار القادة السياسيين والدينيين. وفي الوقت ذاته؛ شن سعوديون هجوما حادا ضد الطائفية، معربين علنا عن التضامن مع «إخوانهم» الشيعة. ووجد استطلاع رأي في المملكة العربية السعودية أجراه مركز بحثي أمريكي العام الماضي أن 5٪ فقط من المشاركين لديهم رأي إيجابي حول «الدولة الإسلامية».
وتعلمت أجهزة الأمن والاستخبارات السعودية من تجربتها مع القاعدة، ومن ثم سوف تقوم بإجراء التعديلات اللازمة لمواجهة تكتيكات «الدولة الإسلامية» عاجلا وليس آجلا. لقد فشل المسلحون الذين اقتحموا المسجد الحرام في عام 1979، وكذلك تنظيم القاعدة، وأيضا ستفشل «الدولة الإسلامية».