الأسر الخليجية الحاكمة بين مطرقة داعش وسندان المدنيين
بقلم: أنور الرشيد
الذي يتابع الوضع الخليجي اليوم يكتشف بسهولة تخبط الأسر الحاكمة الخليجية التي فقدت أو على وشك ان تفقد حليفها الأول والأساسي طوال العقود الماضية إلا وهو التيار الديني.
التيار الديني اليوم ليس هو التيار الديني الذي تحالفت معه الأنظمة الخليجية واصبح من حلفائها الأساسين بعد أن نجح التيار الديني بإزاحة التيار المدني أو اليساري أو القومي الذي كان مُسيطراً على الساحة العربية خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بمساعدة الأنظمة ، المهم اليوم الأسر الخليجية الحاكمة تواجه إشكالية حقيقية إلا وهي إشكالية مطالبة التيارات الدينية بعودة الخلافة ذلك الحلم الذي الهب مًخيلة الشباب وجعلهم يسعون لتحقيقه ، بمعنى أن التيارات الدينية اليوم تقلب ظهر المجن لمن قواها وساندها ورباها ، ولا أنسى منظر جلوس عدد من القادة الأفغان بمنتصف سبعينيات القرن الماضي بمجلس الشعب المصري مدعوين لسماع أحدى خطب السادات والتي بعدها اشتعلت أكذوبة تحرير أفغانستان والتي ندفع ثمنها حتى اليوم ، اليوم الأسر الخليجية الحاكمة ستدفع الثمن غالياً نتيجة لهذه السياسة التي لم تدرسها جيداً والتي اعتقدت بأن التيار اليساري القومي هو اخطر من تلك التيارات ، والأن لم يتبقى أمام الأسر الخليجية الحاكمة الكثير من مساحات المناورة كما كانت بالسابق فهي ما بين سندان التيارات الدينية التي يُجسدها مع داعش والنصرة بأبشع الصور وأستطيع أن أقول بأنهم يمثلون الجناح العسكري للتيارات الدينية وأما جناحهما السياسي فيتمثل بالإخوان والسلف وبقية التيارات الجهادية التي تتفق جميعها على عودة دولة الخلافة الإسلامية ، وبين مطرقة المدنيين الذين يطالبون بحقهم من المستقبل بالحرية والديمقراطية وبرلمانات حرة وتداول سلطة ، هنا يكمن الفرق بين المشروعين المطروحين الأن على الأسر الخليجية الحاكمة المشروع الإسلامي الذي تتبناه التيارات الدينية بكل تصنيفاتها والذي يسعى لنسف ما هو قائم والتحول للخلافة الإسلامية أي أذابت دولنا بدولة الخلافة الإسلامية الداعشية، وبين مشروع الدولة المدنية التي يطرحها المدنيين الديمقراطيين، وبهذا المشروع تحتفظ كل الأسر الحاكمة بمكانتها و كينونتها و تاريخها و امتيازاتها واحترامها.
أذن ما هو الحل الذي أمام الأسر الخليجية الحاكمة أتجاه هذه الإشكالية؟
إن آمنا بالفعل بأن الأسر الحاكمة الخليجية اليوم هي في مأزق حقيقي فأن المخرج من هذا المأزق يتمثل بطريقين لا ثالث لها وكلا المخرجين بها أثار جانبية وأعرض تصاحب العلاج رغم صعوبته وقسوته.
المخرج الأول يتمثل بنظرية علي وعلى اعدائي التي استخدمها كل الحكام العرب على مر العصور وأخرهم صدام والقذافي وهو مخرج لن ولا يُليق بمكانتها ولا بتاريخها ولا بحق شعوبها التي اخلصت لهم طوال العقود لابل القرون الماضية.
المخرج الثاني يتمثل بالتحول التدريجي نحو الدولة المدنية الحقيقية كما حصل للأسر الحاكمة الأوربية التي تواكبت مع تطورات شعوبها وتطلعاتهم واحتفظت بكافة امتيازاتها وتاريخها لأجيال وأجيال قادمة.
أن ترك الأمور تسير بهذا المنحنى الذي نراه اليوم على الساحة الخليجية والعربية وتطوراتها لا يبشر بخير وإنما يشي بتطورات لا تُحمد عقباها وكلنا ندرك أهمية دراسة واقعنا والتواكب معه فالمثل العربي يقول لاتكن لينا فتُعصر ولاتكن يابساً فتكسر وحسب معرفتي وعلمي ومتابعتي فأن الأسر الخليجية الحاكمة لديها من الحكمة ما يجنبها عاتيات الزمن.
فهل تتبنى الخيار العقلاني؟
هذا ما أتمناه.