العرب- لطالما لُقنّا أهمية قصف العقول، ولطالما كُرر على مسامعنا مصطلح كسب القلوب والعقول، ليتها كانت كلمات وفقاعات في الهواء فقط لا معنى لها ولا مضمون، نصحو لنجد أنها كانت قصفاً لعقولنا وقلوبنا نحن، نفذها مقاتلون إعلاميون من أبناء جلدتنا وممن ينطقون بلغتنا ولا يزالون، اتخذوا للأسف ولا يزالون يتخذون من منصاتنا الإعلامية الممولة بأموالنا وعرقنا منطلقاً لخدمة أعدائنا وخصومنا وقتلتنا، فكانوا أفضل طابور خامس وسادس وسابع تصب ماؤه في طاحونة أعدائنا الذين استحلوا كل شيء من عراقنا وشامنا إلى يمننا إلى خليجنا وكرة نار زرادشته لا تزال تتدحرج، الله وحده يعلم من تضرب ومتى ستضرب.
الأسوأ أن هذه المنصات الإعلامية التي كانت على مدار عقود منطلقاً لوكلاء المشروع الفارسي في المنطقة لا تزال تسمح لهم بنفث سمومهم، وبالتقيؤ كرهاً وحقداً تأييداً ومناصرة ودعماً للمشروع الفارسي ومآلاته والأخطر رسائلهم الضمنية ما بين السطور، وما فتئ كتاب وإعلاميون يسوّدون صفحات مشاريعنا الإعلامية، مستندين في خلطتهم السحرية على دق أسافين تروق لبعض قصار النظر من ساستنا، الذين لم يُبصروا حتى الآن البركان الصفوي الثائر والهادر في الشام والعراق واليمن وخطورة ذلك على الأمن العربي والإسلامي بشكل عام، فلا تزال عقلية كهف الخمسينيات والستينيات وتهديدات مزعومة لتلك الفترة البائسة هي من تحكمهم، وفي حال أدركوا أنها تهديدات مزعومة يُلقى لهم بتهديدات مودرن لحرفهم عن البوصلة الحقيقية.
ودون الخوض في الأسماء والمسميات لهذه المشاريع الإعلامية التي لا تزال مصرة على السماح لسحرة زرادشت ومن لف لفها باستخدام منابرها للترويج لأفكارهم وسياساتهم والضرب تحت الحزام بحق حملة مشروعنا الوجودي، فإنه لا بد من الخوض في بعض تجلياتهم الإعلامية التي يسعون إلى ترسيخها.
1- يُروج هؤلاء باسم محاربة الطائفية إلى النيل من كل سُني مقاوم، وكأن محاربة الطائفية تعني محاربة الأغلبية السنية، وبالتالي فالورد الصباحي والمسائي غدا بالنسبة لهم هو التركيز على داعش، وتحت راية محاربتها أطلقوا حربهم على كل حركة جهادية ثورية بالشام والعراق، ساعين إلى طبع الثورة السورية بالجهادية وليس على أنها ثورة تحرر من نظام استبدادي شمولي ديكتاتوري، سبّحوا وحمّدوا له على مدار عقود، دون أن يرف لهم جفن اليوم بالانقلاب عليه، بينما يصومون عن الحديث على الجماعات الشيعية المتطرفة المجرمة في العراق والشام واليمن وما تقوم به لحظياً، فالحوثي بالنسبة لهم طرف ينبغي التفاوض معه، والحشد الشعبي الإجرامي العراقي أصبح حكومياً وجزءاً من الحرب على الإرهاب الداعشي، بينما الشبيحة أصبحوا لجان الدفاع الوطني.. تباً لازدواجيتكم!
2- الحديث عن الإرهاب يقتصر فقط على محاربة الجماعات الجهادية السنية ومحظور تماماً التطرق إلى الجماعات الطائفية الشيعية التي تعيث حرقاً وقتلا وتدميراً في الأوطان والشعوب وبدعم دولي رهيب، ويظل حزب الله مقاوماً وممانعاً لدى هؤلاء على الرغم من إجرامه بحق الشعب السوري وغير السوري، ولو فعلت حركة سنية عُشر ما فعله حزب الله لكان مصيرها الويل والثبور وعظائم الأمور، وحين وقع ما وقع للإيزيديين وهو مُدان تحركت جحافلهم الإعلامية، بينما صمتوا صمت القبور عما يجري لأهل السنة من مجازر لحظية في العراق والشام يندى لها جبين الإنسانية، بينما جبينهم قُدّ من حجر.
3- يسعى السحرة إلى الترويج لمصطلحات فرضوها فرضاً على الإعلام وهي مصطلح التكفيريين والوهابيين، دون التثبت العلمي فيما إذا كانوا كذلك أم لا، بينما خصومهم وبعض الملالي في إيران يجهر بكفر بعض الصحابة ويهاجم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بل وصل الأمر بنائب رئيس الجمهورية العراقي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي أن يعلن عن وجود مصحف فاطمة وينال من الصحابة رضوان الله عليهم، ويطالب بوضع السعودية تحت الوصاية الدولية، ومع هذا يصمت هؤلاء الإعلاميون صمت القبور.
4- شحذ السحرة كل سيوفهم في مواجهة الرئيس المصري المنتخب الأسير محمد مرسي وهم الذين يتشدقون بالديمقراطية والمؤسساتية وحرية الرأي وحق المواطن في الاختيار التي كانت فقط لاختيار كهنتهم وأحبارهم، فكان أن صادروا إعلامياً حق أكثر من نصف الشعب المصري الذي صوّت لرئيسه، وبالتالي مهّدوا الطريق ومسّدوه أمام الدمار الإيراني في المنطقة، فالكل يعلم حجم العثرة المرسية التي كانت بوجه إيران، والدليل هو انبطاح السيسي الكامل أمام المشروع الإيراني، فغدت مصر منعزلة تماماً عن الهم العربي والإسلامي لصالح إيران، كما عزلت نفسها باتفاقية كامب ديفيد لصالح بني صهيون.
5- لا يزال السحرة يصرون على التهجم على تركيا بمناسبة وبلا مناسبة، وهم الذين يعرفون أن السياسة التركية هي الصخرة التي تتحطم عليها الطموحات الإيرانية، وبينما تتجه التحركات السياسية لإطار خليجي تركي، نرى تحرك هؤلاء بشكل رهيب لوضع العصي في الدواليب، وعبر شن حملة هوجاء عليها واتهامها ساعة بدعم داعش وساعة بالاستبداد وكأنهم يعيشون حياة المدينة الفاضلة الأفلاطونية، وأخرى بنشر الأكاذيب عن خلافات عميقة حسب وصفهم بين أردوغان وعبد الله غول.
المطلوب لوقف الجنون الإيراني بالمنطقة وقف أدواته، وفضح هؤلاء السحرة الذين يكفيهم ما أثخنوه من جراحات في جسد الأمة، وما هيؤوه لأعدائها، فكانوا خير أبا رغالات لهم، وإن كان ثمة دواعش إرهابية فإن هناك دواعش إعلامية لا تقل خطورة عنهم.