صلاح الجودر- اليوم- التعدي على بيوت الله هي آخر تقليعات الجماعات الإرهابية بالمنطقة، فبعد التعدي على الأرواح بجز الرؤوس وحرق الأجساد، وبعد التعدي على الآثار والمتاحف والكتب والوثائق، جاءت تقليعتهم الأخيرة للتعدي على بيوت الله لإشاعة الفوضى والخراب فيها بعد أن فشل مشروع الربيع العربي في تحقيق مراده وأهدافه في المنطقة!.
لقد جاءت الأعمال الإرهابية ضد بيوت الله، المساجد والجوامع، وفي شهر رمضان المعظم، لتعيد صور الدمار المغولي والصليبي والصفوي، فقد تعرضت الشقيقة السعودية والكويت إلى ثلاثة اعتداءات متتالية على بيوت الله، هدفها الرئيس إشعال نار الصراع الطائفي بين أبناء المجتمع الواحد، ولزراعة الشك والريبة بينهم لضرب وحدتهم وتماسكهم، وقد أثبت الشعب السعودي والكويتي أنهم أكبر من هذه المؤامرة حين ألتفوا حول قيادتهم السياسية.
الأعمال الإرهابية ضد دور العبادة تنوعت بين حزام ناسف أو سيارة مفخخة بأيدي شباب وناشئة بعد أن حشوا عقولهم بأنه جهاد في سبيل الله وقربى إلى الله، وأسهل الطرق إلى جنة النعيم وحور العين، وما علموا بأنها طريق الخسران المبين، فهي أعمال استهدفت المجتمع الخليجي بأسره وليس فئة من الناس كما يحاول البعض تصويره في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد استهدفت تلك الأعمال أنفسا آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، قد نختلف عقائدياً أو فكريا أو فقهياً أو غيرها ولكن ذلك لا يبيح التعدي على الآخرين!.
إن منهج الإسلام وجميع الديانات السماوية ترفض التعدي على أملاك الغير، فما بالنا ببيوت الله، ولربما القارئ لكتب التاريخ والسير يرى أن المسلمين لم يعتدوا يوماً على دور العبادة، سواءً مساجد أو كنائس أو معابد، فالحضارة الإسلامية استوعبت كل الديانات والمذاهب والثقافات، والتفجيرات الثلاث الأخيرة على المساجد في السعودية والكويت قوبلت باستهجان وشجب أبناء المنطقة، فليس هناك من يرضى أن تمس بيوت الله بسوء، قال تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا» «البقرة: 114».
إن استهداف المساجد والجوامع ودور العبادة هدفها ضرب مراكز الأمن والاستقرار بالمجتمع، فهي الأماكن التي يلجأ إليها المؤمنون إذا اشتدت الشدائد، فما الاعتداء عليها إلا لإضرام النيران بالمجتمع، ولعل ما حدث في جمهورية مصر العربية حين تم الاعتداء على كنيسة القديسين في الإسكندرية عام 2011م هدفها إشعال الفتن بين المسلمين والأقباط، فإن الحال هو كذلك حين تستهدف بعض المساجد لإشعال نار الصراع الطائفي بين السنة والشيعة!.
إن بيوت الله هي مكان العبادة والسكينة والراحة لا التحريض والقتل والاعتداء، فلا يمكن أن يحمل الفرد فيها سلاحاً، أو يجعلها معسكراً أو مخبأً للمتفجرات، لذا يجب تأمينها من أفكار المنحرفين وأيدي العابثين، فرب كلمة أشعلت ناراً، إن بيوت الله، سواءً المساجد أو الكنائس أو المعابد لها حرمتها وقدسيتها، فلا تفجر ولا يتم الاعتداء عليها، ولربما الكنائس والمعابد القديمة في بلاد المسلمين هي أكبر شاهد على استيعاب الحضارة الإسلامية لها.
من هنا يثار تساؤل كبير لمصلحة من يتم الاعتداء على بيوت الله في شهر رمضان وفي يوم الجمعة المبارك؟!، من يقوم بذلك إنما يريد إشعال الفتنة والدفع بالمنطقة إلى أتون صراع مرير!، وهذه هي المأساة حين يرى من خلف الأكمة مشروعاً تدميراً للمنطقة لتغيير هويتها والدفع بأبنائها في أتون صراع طائفي ومذهبي!.