رقية الهويريني- الجزيرة السعودية-
وقف عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - معارضاً يزيد بن معاوية حين وَرِثَ الحكم عن أبيه، ومكفِّراً له ورافضاً ولايته على المسلمين، ورغم محاولات يزيد احتواء عبد الله بن الزبير بجهوده السلمية إلا أنه أبى، فسلك الجهود الحربية ضده حتى توفي يزيد وتنازل ابنه معاوية عن الخلافة وتولاها مروان بن الحكم، واستفحل أمر عبد الله بن الزبير وامتد سلطانه حتى ضم الحجاز واليمن والعراق وخراسان. وحين مات مروان؛ تسلَّم الخلافة ابنُه عبدُ الملك وأجابه أهل الشام؛ فعقد للحجاج بن يوسف الثقفي اللواء ليقاتل ابن الزبير ويقضي على انشقاقه.
ويزخر التاريخ الإسلامي بالروايات المتضاربة حول حصار الحجاج لابن الزبير في الحرم المكي والذي تجاوز سبعة أشهر يرميه بالمنجنيق. حتى مات كثير من المسلمين وتفرَّق الباقي عنه، فدخل على أمه أسماء بنت أبي بكر يشكو لها خذلان الصحابة فضلاً عن أهله وأولاده، واستشارها في أمره وكأنه ينوي الاستسلام! ولكنها بثت في نفسه الحماس ودفعته لمقاتلة الحجاج! وحينما أبدى عبد الله مخاوفه من التمثيل بجثته وصلبه؛ نطقت أسماء حكمتها المشهورة التي أحسب أن جميع أبناء المسلمين يحفظونها ويرددونها «لا يضرُّ الشاة سلخها بعد ذبحها، فامضِ على بصيرتك واستعن بالله».
والحق أن أسماء - رضي الله عنها- لم تبقِ لابنها خياراً ودفعته لمواجهة الموت والتمثيل والصلب رغم عدم توازن القوى، فضلاً أن قتاله كان فتنةً، وتكالباً على الدنيا وطلباً للخلافة والسيادة!
إن تشجيع المؤرّخين وكتّاب التاريخ الإسلامي على فعل عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه- وتلميع صورته وأحقيته بالخلافة والإشادة بموقف والدته التحريضي، وأنه ضحية تعنّت الأمويين وبطشهم؛ يبعث برسالة فحواها التسامح بالخروج على الحاكم والثورة ضده! والمؤسف أن حوار أسماء بنت أبي بكر التاريخي وتحريضها لابنها على القتال لا يزال يتردد على ألسنة بعض الوعاظ والدعاة! وكان يحسن بهم الإشارة لذلك بالكراهة والنفور، حيث مات كثير من الصحابة والتابعين في صدر الإسلام، وتم التمثيل بصحابي وصلبه، وجرت ويلات متتالية ولم تهدأ القلاقل والفتن حتى عصرنا الحاضر، وقد كان المسلمون في غنى عنها لو التفتوا لإصلاح أنفسهم بدلاً من الاقتتال والتناحر فيما بينهم!