حسن المصطفى- الرياض السعودية-
الدمُ المراق في مدينة سيهات، والأبرياء الذين سقطوا ببندقية عمياء، على الأرجح لن يكونوا آخر الركب، فالأسوأ لم يقع بعد، رغم الجهود الأمنية الكبيرة المبذولة، والوعي المتزايد لدى الناس بضرورة أخذ الحيطة والحذر. إلا أن القارئ لأدبيات "داعش" وجذورها الفكرية وما تبثه من خطابات، يعي أن هنالك نية لأن يضرب السلم الأهلي في المملكة، من خلال عمليات تحصد أكبر عدد من الضحايا، تأخذ طابعا مذهبيا، وتستهدف أفراد طائفة بعينها، ساعية لأن تولد مشاعر غضب مضادة، تعمل على التخطيط لعمليات انتقامية، وبذلك يذهب الصدام الطائفي لمداه الأكثر شراسة.
رجال الأمن والمنتسبون للسلك العسكري، كما المسلمون الشيعة، هم هدفان أساسيان على أجندة "داعش". وهو اختيار ليس بالعبثي. وإنما من خلاله يتم ضرب ركنين مرتبطين ببعضها: الأمن الوطني، والسلم الاجتماعي. وعندما يضرب كلاهما فإن مفهوم الدولة يترنح، ويفقد هيبته، ويذهب الكثير من رصيده ورأسماله المادي والمعنوي، ما يعني بروز الهويات الفرعية: مذهبية، قبلية، مناطقية.. وكل ذلك سيؤدي تاليا لإحداث الفوضى في المجتمع، ويضعف ثقة الناس في الدولة، ويدفعهم للبحث عن أمنهم الذاتي الأقلوي، وهو ما تسعى له "داعش" بالتحديد.
إن التنظيمات الأصولية المتطرفة، والتي تستخدم قوة التكفير والسلاح، تنمو بشكل سريع وتنتشر في البيئات غير المستقرة والمضطربة، حيث تقدم نفسها كبديل للدولة، وكأمر واقع قائم له وجوده. وهي في ذلك تتوسل الخطاب الديني العاطفي والمذهبي، البعيد عن العقلانية؛ لأن غاية ما تريده في هذه المرحلة هو كسب المزيد من الجماهير التي تشكل خزانا بشريا وحاضنة اجتماعية وداعما ماليا.
إذا كان هذا ما تريده الحركات الأصولية، وتسعى علانية له، في مناطق الاضطرابات، وتريد نقله بكل وسيلة إلى المملكة، من خلال عملياتها الإرهابية، فما الذي أعددناه لمواجهتها، على المستويات المختلفة: أمنية، سياسية، فكرية، دينية، اجتماعية.. وسواها. هل نحن بالفعل قادرون على هذه المواجهة، وجادون فيها، خصوصا أنها تريد معالجات جريئة وجذرية للكثير من الملفات، ومصارحة ومكاشفة عالية مع الذات، وتنقية للخطابات الإعلامية والدينية من التحريض على الآخر وازدرائه؟!
إن الجهود الأمنية التي تقوم بها العديد من الأجهزة في مواجهة العمليات الإرهابية، تُظهر وجود عمل مستمر ودائم، وجهد استخباري في جمع المعلومات، وملاحقة الخلايا المختلفة. إلا أن هذا الجهد لكي يؤتي ثماره لا بد من أن يُدعم من مؤسسات الدولة المختلفة، ومن مؤسسات المجتمع المدني، والفاعلين السياسيين والدينيين.
إن الخطاب الديني – على سبيل المثال – لدينا لا يزال في كثير من مفاصله يحتاج لمراجعة، خصوصا فيما يتعلق بالنظرة ل"الآخر" والعلاقة معه فهو لا يزال خطابا ضيقا، لا ينفتح على جميع مكونات الوطن وطوائفه واتجاهاته الفكرية خصوصا تلك الفتاوى التي تكفر شريحة من المجتمع السعودي، فقط لأنها تختلف مذهبيا عن صاحب هذه الفتوى!.
السعودية بلد بناه جميع أبنائه، بمذاهبهم المختلفة، وبجهود مضنية، طوال سنوات عجاف، تحملوا فيها المشقات الجسام. وهؤلاء كانوا جنبا إلى جنب، وكتفا بكتف، بتنوعاتهم الطائفية والمناطقية والقبائلية، وكان الملك عبدالعزيز في مجلسه لديه "المستشار الشيعي والعلوي والسلفي والليبرالي والعربي" كما ذكر الإعلامي عثمان العمير في حواره مع قناة "العربية" مؤخراً.
الوطن هو وطن الجميع. هم فيه ملاكٌ حقيقيون، وشركاء، يستظلون بسقف القانون والنظام، ويسعون لبناء دولة قوية قادرة مدنية، تؤمن بقدرات إنسانها، وتحميه من الخطابات المتطرفة، التي يجب أن تجرم بقوة "القانون"، لا مجرد المواعظ الأخلاقية الباردة.
هو الخطر المحدق من الأصوليات العابرة للحدود يتربص بنا، فهل سنبقى نعد قتلانا، أم لدينا البصيرة والعزيمة، لنحمي مجتمعنا من همجية المدججين بنادقهم العمياء بأحقاد التاريخ وأمراضه البائسة؟!