أميرة كشغري- المدينة السعودية-
لنقضِ على الداعشي الذي يقبع داخلنا بعد كل عمل إرهابي تنهال الإدانات من كل حدب وصوب، فنقرأ سيلاً من المقالات التي تدين الحادثة وتتبرأ من مرتكبيها لدرجة أصبحت فيها الإدانات من قبيل تحصيل الحاصل. اليوم وبعد أن أصبح الإرهاب في عقر دارنا فإن الإدانة وحدها لا تكفي، بل علينا أن نتقدم خطوة نحو الأمام في مواجهة أنفسنا وتشخيص مكمن الخلل الذي أوصلنا إلى أن يكون الإرهاب منّا وفينا.
تقترن الأديان في جوهرها، وعلى اختلافها وتنوعها، بالمحبة والسلام والصفاء وإعلاء قيمة الإنسان والحب بين البشر، مما يمنح الطمأنينة التي تقربنا من الخالق ويبعث الهدوء والرضا في القلب والفكر. غير أن الأديان تأخذ مجرى ليس لها أن تأخذه إذا ما وقعت في أسر التشدد والتطرف العقائدي. ويزداد الأمر خطورة إذا ما ارتبطت بالمصالح الشخصية خاصة السياسية منها. والأشد كارثية هو انحراف الأديان عن جوهرها في نشدان المحبة والسلام بين البشر. والعالم اليوم يشهد تطرفاً دينياً عقائدياً بشعاً نشهد نتائجه الكارثية فيما يجري على الأرض من ذبح وقتل لا يمكن أن يكون جوهر الدين سبباً فيه. فهل نمتلك الجرأة في تفكيك خطابنا الديني المتشدد الذي ضيّق كثيراً على عقولنا وتفكيرنا لدرجة بتنا لا نقدم على عمل دنيوي دون الرجوع لفتوى أو سؤال عن مشروعية ما نفكر فيه وجواز ما نقوم به؟ هل نملك الشفافية في الاعتراف بدور المحرّضين على قتل من نعتقد أنهم لا يمارسون الشعائر الدينية بالصورة التي نمارسها نحن؟ ثم هل نمتلك القوة في غربلة وعينا وما علق به من سرديات لا تمت لجوهر الدين بالقدر الذي تتعلق فيه بنصوص مبتورة خارج السياق؟
معظمنا يدّعي أنه بريء من الفكر المتشدد، لكن الواقع والممارسات تقول غير ذلك، فمن يمتلك الجرأة في مواجهة ذاته يدرك إن هذا مجرد ادعاء لا يعكس إلا الطبقة السطحية لبنية عميقة دواخلنا تمارس سلوكيات ذلك الفكر وإن بدرجات مختلفة. من خلال مشاهداتي فيما يدور اليوم على قنواتنا الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي أكاد أجزم بأننا جميعاً نحمل ملامح، قد تتضح وقد تختبىء، شبيهة بفكر الداعشي الذي وجد فيه المحرضّون غايتهم ومبتغاهم. ندين التشدد بلساننا ونغفل عن ذواتنا المشبعة بالفكر المتشدد والممارسات الإقصائية والسلوك العنيف مع من يختلف معنا. نرفع سياط النقمة على مرتكبي جرائم القتل والإرهاب في الوقت الذي تجول فيه أبواق المحرضين بحُرية من على منابرنا. نتعاطف مع أهالي الشهداء ونمشي في مواكب تشييعهم في الوقت الذي تمتلىء فيه مجموعاتنا الإلكترونية برسائل التكفير والكراهية المذهبية. نتشدّق بأخلاقياتنا الدينية في الوقت الذي تضج فيه أحاديثنا بالسخرية والشتم والغيبة والتعالي على من هم خارج دائرتنا الضيقة.
الإدانة إذن وحدها لا تكفي لمواجهة المشكلة. علينا أن نبدأ بذواتنا ومنظومتنا الأخلاقية في التصدى للفكر التكفيري. علينا أن نصيغ استراتيجية للمواجهة من خلال أنفسنا (سلوكياتنا، خطاباتنا، أحاديثنا الفردية والجمعية بل وحتى نكاتنا التي نتبادلها دون تفكير) كي نتخلص من التشدد الديني بكل صوره وتنوعاته المذهبية والطائفية ونقضي على الداعشي داخلنا. ونمارس منطقاً دينياً سمحاً يستطيع أن يكون حاجزاً لا يمكن اختراقه من قبل المحرّضين.