د. هيا عبد العزيز المنيع- الرياض السعودية-
هؤلاء الدواعش دون شك يمثلون شوكة مؤلمة في خاصرة الوطن ولكن المؤكد انها ليست قاتلة.. فنحن ننعم بمجتمع يرتكز فعلاً على حب وطنه وحالة عالية من الانتماء للوطن والالتفاف حول قادته.. قد نختلف في بعض التفاصيل قد نختلف في ترتيب الأولويات ولكن لا نختلف على وطننا ولا نختلف على ولاة أمرنا..
تفجير المسجد في نجران والذي تم على يد أحد مجرمي داعش ذهب ضحيته ثلاثة شهداء نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة ولأهلهم الصبر والسلوان، العزاء ليس لأسرهم فقط بل للوطن وأبنائه على وجه العموم.. تفجير المسجد أي مسجد وأي بيت عبادة لله يمثل عملاً إجرامياً يستهدف ضمن ما يستهدف تفكيك تلاحمنا مع بعضنا، تلاحم المجتمع بكل أطيافه مع بعضه البعض وتلاحم المجتمع مع ولاة الأمر.. الهدف في بعده النهائي يستهدف وطننا وأمنه واستقراره ونماءه وقوته وازدهاره يستهدف الوطن بكل تفاصيله وأركانه..
أحد عناصر استمرارية إنتاج هؤلاء الدواعش يكمن في خطاب متشدد خطاب متطرف خطاب أغفل سماحة الإسلام في آيات القرآن وركز على اجترار بعض أجزاء التراث الفقهي لتكريس ثقافة الكراهية والفتنة إلى درجة استحسان هؤلاء الشباب لقتل أخوتهم في الدين وهم يؤدون صلواتهم في بيوت الله..
خطاب يصر على إخفاء أي منطلق للتعايش مع الحياة والجمال مع الفنون بكل أنواعها.. في المؤسسات التعليمية لا نجد مسرحاً ولا نجد معارض لعرض رسوم الطلبة والطالبات..لا نجد محاضرة تستقرئ الجمال في الحياة بل نجد للأسف تأكيداً مبالغاً فيه على الزهد والموت، خطاباً يؤكد أن للحياة وجهاً واحداً ومساراً واحداً هو الموت والموت فقط غياب خطاب الترغيب في الحياة والعمل والإنتاج والعطاء الإنساني وخدمة البشرية بالابتكار والتطوير.. ولكن للأسف رغم إفرازات هذا الخطاب السلبية إلا أن الخطاب المتشدد مستمر إلى يومنا هذا..
تعطيل الاجتهاد في فقه الواقع ترك فراغاً كبيراً قام هؤلاء المتشددون أصحاب الفكر المتطرف بملئه باجترار الأفكار المتطرفة والأحكام المتشددة من عصور مضت مستغلين صمت العلماء وضعفهم مع متطلبات تفعيل فقه الواقع.. مع ملاحظة الإصرار على اختيار الفكر المتطرف والمتشدد من هذا التراث وتجاوز المد المتحضر من فقه الواقع في عصور الحضارة الإسلامية أو من أيام الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم ومن عهد الصحابة رضوان الله عليهم..
قابل ذلك استثمار ونشاط عدواني من بعض دول الجوار وخاصة إيران التي استغلت هؤلاء الشباب وحولتهم لقنابل في خاصرة الوطن.. حيث نجدهم وللأسف يتجهون لبيوت الله بهدف قتل المصلين وهم ركّع وسجّد.. وهم إن استهدفوا مساجد أخوتنا الشيعة فإنهم أيضاً ضربوا مسجد السنة من رجال أمن الطوارئ في عسير.. وقبل ذلك استهدفوا رجال الأمن ووجهوا رماحهم السامة لبعض أفراد أسرهم، فهؤلاء الإرهابيون أحدهم قتل خاله وآخر ابن عمه.. إذاً هم يضربون في خاصرة الوطن من كل اتجاه.. بهدف خلخلة أمننا..
نشعر بثقة عالية برجال الأمن ولكن هذا لا يلغي مسؤولية بناء الأمن الفكري حيث عليهم الوقوف مع الوطن في هذه المرحلة بإعادة النظر في محتوى خطابهم وخاصة الموجه للشباب مع الأخذ في الاعتبار أهمية احتوائهم ببرامج مناسبة تنقلهم للعصر الحديث قبولاً وانتقاء وامتزاجاً.. برامج تستثمر في طاقاتهم إيجابياً ولا تتركهم في مهب الريح جاهزين للاختطاف والتغرير بعد شحنهم بفكر متشدد يرتكز على تكفير من يختلف معهم، ويكفّر ويصنّف أبناء الوطن الواحد.