فواز العلمي- الوطن السعودية-
يسعى تنظيم داعش إلى تطوير مصباحه السحري ليصبح اليوم مالكاً لأفضل مقومات التواصل الإلكتروني الاجتماعي في العالم، فيتلاعب بعقول الشباب ويستدرج أفكارهم تحت أنظار المجتمع الدولي المتقدم
من مفارقات عصرنا الحديث إخفاق أكبر تجمع دولي عرفه التاريخ، يمثل أكثر من 83 دولة من أقوى دول العالم، في القضاء على مجموعة من الخوارج المارقين الذين لا يزيد عددهم على 50 ألف إرهابي، بينما انتصر هذا التحالف، عندما كان مكوناً من 18 دولة خلال الحرب العالمية الأولى، في القضاء على أعظم وأقوى الإمبراطوريات الألمانية والروسية والنمساوية والمجرية والعثمانية، ونجح هذا التحالف، عندما كان مؤلفاً من 23 دولة خلال الحرب العالمية الثانية، في الانتصار على أقوى الجيوش الألمانية والإيطالية واليابانية، واستطاع هذا التحالف، عندما كان مشكلاً من 34 دولة خلال حرب تحرير الكويت، من دحر رابع أقوى جيوش العالم ودفعه إلى الاستسلام خلال 48 ساعة.
ومن مفارقات نظامنا العالمي الجديد فشله المرير عبر 14 عاماً في تحقيق أهدافه المنشودة لتحصين قواعد العولمة وتوحيد أحكام الأقلمة وتحرير المزيد من الأسواق وتعظيم تدفق الاستثمارات، بينما حقق تنظيم داعش الإرهابي في فترة 5 سنوات أكبر نجاحاته في كسر كافة حواجز العولمة وتخطي جميع حدود الأقلمة، ليلتحق به الخوارج من 81 دولة في المعمورة دون تمييز بين الجنسية والأوطان، ويستبيح أرواح المئات والألوف من البشر دون تفريق بين الأعراق والأديان. هذا التنظيم الإرهابي ضمن اليوم شهرته غير الأخلاقية في سجلات حقوق الملكية الفكرية كأسوأ مثل عرفه التاريخ في قتل الأبرياء وتشريع الدمار، وتمكن من توثيق مكانته غير الإنسانية على قمة المؤشرات الجغرافية كأكثر العصابات نشاطاً في نشر الإرهاب.
ومن مفارقات مبادئنا المصرفية في عصر العولمة الرأسمالية إخفاق الدول الكبرى الغنية في دعم اقتصاداتها المحلية وتنمية مجتمعاتها الوطنية وتقليص ديونها السيادية، بينما أصبح تنظيم داعش أغنى مجموعة إرهابية في العالم بعد استيلائه على منابع النفط في شمال العراق وشرق سورية، وسيطرته على أصول البنك المركزي العراقي بالموصل، فازدادت قيمة شهرته الأدبية في البورصات العالمية، ليصبح أغنى العصابات الإجرامية المتواجدة على سطح الأرض، وتتصدر أخباره مقدمة عناوين الفضائيات وواجهة الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومن مفارقات تحالفاتنا الاستراتيجية في تاريخ التنمية البشرية تضارب مصالح شعوب العالم المتقدم التي تشكل 22 % من شعوب المعمورة، مع حقوق شعوب العالم النامي التي تشكل 78 % من شعوب الأرض، مما أدى إلى تراجع تكاتف الأغنياء مع الفقراء بين دول الشمال والجنوب وإخفاقها في تحقيق مبادئ التوازن بين الحقوق والواجبات، بينما حقق تنظيم داعش ما لم يحققه العديد من هذه التحالفات، من خلال زيادة أعداد الملتحقين بعضويته، وشيوع أفكار أنصاره في مختلف أرجاء المعمورة، دون تحديد شروط عضويتهم في ميدان العولمة التعددية، ليصبحوا جميعاً من قطعان الغاب وقطاع الطرق وأنصاف البشر.
وعلى المستوى الاجتماعي نجح تنظيم داعش في عولمة فتاوى جهاد النكاح، التي أصبحت من أبرز مظاهر أساليبه الملتوية، لكونها تفتح أمام الشباب الفاشل شهواتهم الجسدية، وتبتز طاقاتهم العقلية، وتفتك بمبادئهم الروحية. وهنا تميز هذا التنظيم عن النظام العالمي الجديد، وسبق الدول المتقدمة والنامية معاً في تعزيز الروابط الأسرية بين كافة الشعوب وعلى مختلف الأصعدة. وتأكيداً لإعلاء أصول أفكاره الهدامة، التي تذوب في أحكامها مقومات المجتمعات الثقافية، تمكن هذا التنظيم من ترويج فتاواه الملتوية وتعظيم شعائره الإرهابية، ليزهق مزيدا من الأرواح ويفتك بالبشرية جمعاء.
ومع تدافع دول العالم وتنافسها في تسخير مزيد من قدراتها للقضاء على تنظيم داعش، تفشل كافة الخطط في التعرف على أصول الإرهاب الفكري، الذي أضرمه المصباح السحري في عام 2004 على يد أبو مصعب الزرقاوي. وتأتي دول العالم اليوم، بعد إعلان دولة الخلافة عام 2014 على يد أبو بكر البغدادي، لدراسة قرارات التنظيم القاضية بتعيين 12 حاكماً محلياً في كل من العراق وسورية، وكيفية إنشائه لما يقارب من 7 هيئات لبيت المال والقيادة والمساندة والإعلام والشؤون العسكرية والقانونية والأمنية، وكأن هذا التنظيم يمتلك مصباحاً سحرياً يصعب تفكيك ألغازه وتحديد هويته وتقييم آثاره.
وبينما تتدافع دول العالم على إجراء دراساتها وإعداد تقاريرها، يسعى تنظيم داعش إلى تطوير مصباحه السحري ليصبح اليوم مالكاً لأفضل مقومات التواصل الإلكتروني الاجتماعي في العالم، فيتلاعب بعقول الشباب ويستدرج أفكارهم تحت أنظار المجتمع الدولي المتقدم في هذا المجال. ولقد أدى ذلك إلى تطوير مفهوم "الجهاد الإلكتروني" كأحد أهم الأركان الرئيسية التابعة للتنظيم الذي يقوده 17 من الخبراء والعلماء الأوروبيين.
وفي خضم التنامي الخطير لهذا المصباح السحري، تتباهى الدول الحليفة بعدد طلعاتها الجوية وقصفها لمواقع داعش في سورية والعراق، لتصل في الأسبوع الواحد إلى أكثر من 412 طلعة روسية وحوالى 600 طلعة أميركية، تفتقد جميعها النتائج الباهرة. وهذا ما شجع المصباح السحري لعصابات داعش على إلحاق مزيد من القتل والدمار في دول المعمورة كافةً، وجعل من مهمة الدراسات مرتعاً خصباً لمزيد من البحث والتمحيص عن مارده المنتظر.
على دول العالم أجمع أن تقتنع بأن الإرهاب، الذي استشرى في مجتمعاتنا، يتطلب تضافر كافة الجهود لاجتثاثه من جذوره والقضاء على أصوله وفروعه، فهو ليس مصباحاً سحرياً يتطلب البحث والتمحيص لمعرفة قدراته والتأكد من خطورته، بل هو وعاء مغمور بالأفكار الهدامة ومحكوم بالمبادئ الفتاكة التي لا تؤمن بالأديان ولا تحترم الإنسان.