الشرق الاوسط السعودية-
شدد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح آل طالب أن منطلقات قيادات «داعش» ليست دينية وإن تظاهرت بذلك٬ مشيًرا إلى أن مشكلتهم ليس فهًما محرًفا للدين وإن استخدموه في خطابهم بل إن إسلامهم ابتداًء محل شك كبير كون الأيام والوقائع أثبتت ذلك. وقال في خطبة الجمعة في المسجد الحرام: «إننا نخاطب هناُمخَتطفي العقول من قبل عصابات داعش وقياداتها٬ وليس خطابنا للقيادات نفسها٬ والخطاب لمن أسلم عقله لمن لا يعرف شخصه فضلاً عن دينه فأسلمهم روحه ليزهق بها أرواًحا من أهله٬ ووهبهم دمه ليريق به دماء مواطنيه٬ وأعطاهمِمَزع جسده٬ ليهدم في بلاده مباني ويقّوض معاني».
وأضاف يقول: «يا أيها المخدوعون وتحسبون أنكم على رشد.. إن خسارة الدنيا وإن عظمت فإن خسارة الآخرة أعظم والمجازفة بالمصير الأخروي فاجعة ليس لها استدراك ولا تلافي... فآيات الله وأحاديث نبيه جلية في مصير المنتحر وقاتل المسلم. فلم الحيدة عن المحكم إلى الضلال ولم التهوك في الأموال والأرواح ولم يزل من شباب المسلمينَمن هانت عليه نفسه وآخرته ووطنه ومواطنوه فأسلمها لعصابة يغلب على الظن عداؤها لدين المخدوع نفسه ووطنه وهزؤها بأهله ومعتقده٬ فتزهق روحه هباء في الدنيا ويستحق الوعيد الشديد في الأخرى ولم نزل نفجع في عقول شبابنا وأديانهم وأرواحهم ما بين فترة وأخرى ذلك أن من خطط لتلك الاعتداءات لا يعنيه معتقد القاتل والمقتول ولا يهمه مذهب من يصلي في هذا المكان أو ذاك بقدر ما يعنيه خلخلة هذا الوطن ومحاولة هتك نسيجه٬ فالفتنة هي الغاية٬ وقد حاولوا الضرب على هذا الوتر مرات فبحمد الله لم يفلحوا ووعي مواطني هذه البلاد حجر عثرة في أن ينجحوا».
وأضاف: «قد بلغ الكيد ببلاد الشام والشاميين ذروته في تآمر على الأرض والدين والشعب نتلمس نوًرا من هنا٬ من حيث اجتمعت وفود تمثل أهلها هناك٬ فإن رجاءنا أن يجعل الله في اجتماعهم البركة لأهليهم٬ وأن يكونوا فألاً ومفاتيح خير لمواطنيهم وقد وفقهم الله جميعا للاتفاق على وثيقة الرياض والتي نأمل أن تكون بداية للملمة الجراح وكفكفة الدمع وطي بساط المأساة وانطلاقة للخير للشام ورفع الظلم ودفع الظالم».
وتطرق إمام وخطيب المسجد الحرام إلى «ما تشهده فلسطين من حراك وتغير في المواجهة يدخل شهره الثاني ونتج عنه (شهداُء) وجرحى وأسرى٬ كما نتج عنه استنزاٌف ورهٌق للعدو٬ للتذكير بأن الظلم وإن طال زمنه فلا يمكن نسيانه بأنه ما زال ظلما وطول أمد الاحتلال لا يكسبه المشروعية٬ وأن اعتراف دوٍل بحق اللص في السرقة والاعتداء لا يغير من حقائق الأمور شيئا٬ فمقاومة الفلسطينيين (جهاد) وتمسكهم بأرضهم رباط وقتل من قتل منهم (شهادة)».
كما تحدث آل طالب عن اليمن فقال: «لم يزل الباغون هناك يبذلون المال والجهد ليس لمصلحة وطن أو استقرار شعب وإنما لأجل مسخ هويته وارتهان أهله لهم٬ وتسخير البلاد والعباد لمصلحة الغريب البعيد».
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام الله أن يكلل بالنجاح كل المساعي التي تبذل لحقن الدماء وتوحيد الأرض وجمع الكلمة وما يبذل لتحقيق التنمية والأمن والسلم٬ ولهذه البلاد ولدول الخليج سبق وريادة وعسى أن يكون في اجتماعهم الأخيِر ألفة وقوة لدولهم وللعرب وللمسلمين. وكان أمام وخطيب المسجد الحرام استهل خطبة الجمعة «إننا في هذا العالم الملتهب في كل نواحيه٬ وزمن المتغيرات المتسارعة حوله وفيه٬ لنحن أحوج من أي زمن إلى التشبث بمكتسباتنا٬ تديًنا ووطًنا وأمنا وائتلافا».
وتابع آل طالب: «إن قوتنا المادية كعرٍب ومسلمين متفرقين في هذه الأزمنة لا تقارن بقوة غيرنا. وقد بدت مطامع الأعداء تكبر وتربصهم بالأمة يظهر وليس لنا حاٍم بحق إلا الله٬ وإننا في الوقت الذي يجب علينا أن نبني قوة مادية تردع الطامعين٬ فإنه يجب علينا في الوقت نفسه أنُنعنى بالقوة المعنوية وهي المحافظة على مكتسب الدين وتقويته٬ فإنه السلاح الذي لمَيِخب والدرُع الذي لمَيخُذل». وأضاف أن من خيانة الأمة أن تبرد عاطفتها تجاه حقوق الله وأن تجعل حبها وبغضها مرتبطا بمصالحها لا بمبادئها ولم يفلح الأعداء في النيل من الأمة إلا حين تفرقت وتمزقت٬ وتجافت عن ربها وغفلت.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن البشرية لم تشهد في تاريخها تيسيًرا لنشر الكلمة وطرح الرأي ونقد الأشخاص والمجتمعات٬ كما شهدت هذه الأيام وذلك بتوفر وسائل الإعلام عموًما والمجتمعي منها خصوصا. ورغم إمكان إيجابية هذا الأمر٬ فإننا رأينا المر في ذلك٬ فقد استغلها كثيرون للاختلاف وليس مجرد الخلاف٬ وللتشاحن والتنابز والتباغض والاتهام٬ ومما يؤسف له أن بعًضا من المتدينين فيما بينهم لهم حظ من هذا الخصام في تتبع للزلل وتصيد للعثرات وإسقاط للشخصيات. ونجد التناحر والتعيير حاضًرا في البعدين القبلي والمناطقي ويلتهب أكثر في الميدان الرياضي وقد صرنا نرى أثره السلبي يكبر يوًما بعد يوم.
وقال: «ليس من المصلحة ولا من الأدب اتخاذ الكتابات وسيلة للنيل من الآخرين أو تتبع العيوب في الجهات والأفراد في إساءة بالغة للوطن٬ تشرع للمغرضين أبواب الاتهامات للبلد وأهله وإن الوطنيين حًقا هم الذين يدافعون عن أوطانهم ومواطنيهم وتراثه وعقيدته وأرضه٬ في المنابر الإعلامية والسياسية وفي الإخلاص لأمتهم في كل ثغر يعمل فيه المؤمن ويؤدي أمانته».
وأضاف: «إن الأبطال الذين يجب أن ينشغل بهم الإعلام هم الساهرون على الثغور في حر الصيف وزمهرير الشتاء٬ قدموا أرواحهم وترملت نساؤهم وتيتم أطفالهم لأجل أن نأمن في دورنا وننعم بأَُسِرنا ولأجل أن يصنعوا تاريخا جديدا مشرفا للأمة كلها٬ ومن خلفهم رجال مخلصون أولئك هم الذين يستحقون الكتابة والخطابة والدعم والدعاء».