الشرق الاوسط السعودية-
مع تصاعد الحديث عن «داعش»٬ الذي هو «الفرع»٬ تعود الأذهان وهي حاضرة حتما إلى «الأصل» المتمثل في تنظيم القاعدة٬ الذي أدمى قلوب السعوديين بعملياته الدموية التي تتشارك في أهدافها الدموية مع أهداف «داعش».
ولقد ضم تنظيم القاعدة اسمين من أبرز الأسماء التنفيذية للأعمال الإجرامية التي يستذكرها التاريخ الإرهابي٬ منذ بدء تأسيس التنظيم في السعودية٬ والتخطيط لعمليات إرهابية تستهدف أمن البلاد٬ عبر التجهيز العسكري وتأهيل صغار السن للقيام بعمليات إرهابية٬ معظمها أحبطت٬ ومن أبرزها «حادثة البركان»٬ مستهدفة ثلاث سفارات دبلوماسية بالعاصمة الرياض.
غالبا ما يربط أعضاء التنظيمات الإرهابية٬ مثل «القاعدة»٬ هو تكفيرهم الدولة السعودية وعلماءها المعتبرين٬ متحدين في خلعهم البيعة لحكام البلاد٬ ومبايعين زعيم التنظيم (الأم) أسامة بن لادن٬ الذي كان يسعى لضرب استقرار السعودية واستهداف مصالحها.
المحلل السعودي علي القاسمي يقول معلقا إن السعودية «جمعت الرؤوس المريضة في توقيت واحد٬ لأن مرضها واحد وإن تنوعت فيروساته٬ ونياتها غاية في الإجرام٬ ولذا لا بد أن يكون عقاب هذه الرؤوس عاما متساويا٬ منهيا مرحلة متجاوزة لكل شيء». وأضاف خلال حديث مع «الشرق الأوسط» أن «الرسالة السعودية بإعدام عدد من المنتمين إلى تنظيم القاعدة شجاعة وموجهة إلى كل من يمس سيادة الدولة٬ ويزعزع أمنها٬ ويحاول إرهاب المجتمع وزراعة الفتن التي لا حاجة إلينا بها». وأردف أن السعودية «قرأت المخاطر جيدا٬ وآمنت بأنه لا حل لنزع الفتنة ومشجعيها لها إلا بنزع الرأس وإراحة العباد والبلاد من شر أراد الرب له أن يقف عند حد معين».
وبالمقاربة مع تنظيم داعش وقوة السعودية في دحر التنظيم٬ أسوة بـ«القاعدة» (الأم)٬ رأى القاسمي أن «الرياض جزء من استراتيجية مكافحة (داعش)». واستطرد قائلا: «(القاعدة) وإن أمكن دحرها بعد مشوار طويل من التحديات٬ فإن (داعش) سيكون له السيناريو نفسه٬ شريطة أن يكون التكاتف على نطاق أوسع».
وشرح القاسمي مفصلا: «كثير من الأقطار ذاقت مرارة (داعش)٬ وتجرعت سمه على مراحل وفي مشاهد موجعة ودامية. والسعودية ليست بعيدة عن تجاوزه٬ ومن ثم فمن الواجب إقصاؤه من المشهد المحلي بهدوء٬ رغم أن مشوار الإقصاء سيكون أصعب من مشوار دحر (القاعدة)٬ والسبب أن (داعش) ولد في أجواء مشوبة بالتناقضات والتغيرات وتصفية الحسابات بين أكثر من جهة٬ فضلا عن أن (داعش) احتوى المرضى والمجهولين وفاقدي الأمل من حياة هادئة والمأزومين والضالين الصغار. وتظل مطاردة مثل هؤلاء ورصد أفكارهم وتحركاتهم مزعجة ومستنزفة للمال والوقت والعقل».
على المدانين٬ نمر سهاج البقمي وعادل الضبيطي ومعهما كثرة من المنفذين المدانين٬ حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب بالقتل تعزيرا٬ بينما أدين الباقون وصدرت بحقهم أحكام بمدد متفاوتة تتجاوز خمس عشرة سنة إلى أكثر من ثلاثين سنة٬ في خلية إرهابية ضمت 86 شخصا. وإن ظلت الأسماء المعدمة بالأمس بعضها خارج نطاق دائرة الحديث هنا٬ لكنها تتشارك في المنهج والخطط والأسلوب٬ وتشترك في الجرائم وتتقاطع معها في تنفيذها.
إنهما شخصيتان ارتكبتا كثيرا من الجرائم٬ وتسليط الضوء عليهما يتكرر في المواقف مع آخرين حتما.
بداية٬ بالأكثر خطورة والأكثر أعمالا في السواد٬ وهو نمر سهاج البقمي.. الرجل من أسرة ميسورة الحال وتتجاوز ذلك اليسر٬ ولقد وقف عمره عند الثلاثين سنة٬ ولم يستثمره سوى في القتل والتدمير. وكان حكم المحكمة مليئا بكثير من الألم لشاب أقرانه اليوم في مسار التطوير لبلدهم.
بدأت محاكمته ضمن مجموعة تضم 86 متهما٬ اعتبارا من أوائل شهر أبريل (نيسان) من عام 2012. وكان يحضر جلساته على كرسي متحرك٬ نتيجة إصابته. ولقد برر مشاركته في اقتحام مجمع الواحة السكني في الخبر عام ٬2004 بأن هذا حدث بعدما أبلغه زملاؤه في التنظيم بوجود نساء عراقيات في الداخل أخذتهن القوات الأميركية أسيرات من هناك. وادعى أن ما همه من اقتحام المجمع هو تخليص النساء بأسرع ما يمكن. ونص الحكم الصادر عن المحكمة الجزائية المتخصصة بحق البقمي يحوي كثيرا من الأحداث٬ متجاوزا أرقام عمر شاب صغير كان يتلقى الأوامر من زعيم تنظيم القاعدة في السعودية الهالك عبد العزيز المقرن (قتل في مواجهة أمنية عام ٬(2004 مع الإشارة إلى أن البقمي كان مرافقا للمقرن وأشبه بـ«أمين سر» زعيم التنظيم٬ متسترا على عدد كبير من أعماله وموافقا لكل خطواته.
وقبل أكثر من سنتين٬ عرضت وسائل الإعلام المرئية٬ لقاء مع أحد الموقوفين الأمنيين٬ ويدعى خالد الفراج. ولقد ظهر الأخير في البرنامج وذكر أنه انضم إلى التنظيم بعد عودته من أفغانستان٬ والتقى المقرن وعددا من أفراده دون تسميتهم. وبعد «تفجير المحيا» الشهير وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2003 وخلف 18 قتيلا وأكثر من 200 مصاب من جنسيات عدة غالبيتهم من المسلمين قامت الأجهزة الأمنية بالتحفظ على الفراج. وأثناء تفتيش منزله اقتحمت مجموعة مسلحة من خلية المقرن المنزل٬ محاولة تخليص الفراج من القوات الأمنية. ونتج عن ذلك الاقتحام «استشهاد» ستة من رجال الأمن٬ إضافة إلى والد الموقوف الفراج٬ وضمن تلك المجموعة المسلحة كان نمر سهاج البقمي أحد المتسببين في القتل في صفوف رجال الأمن.
نمر سهاج٬ في نص الحكم٬ أدين بالشروع في اغتيال عدد من أفراد وضباط الأمن السعودي٬ من خلال وضع الخطط ورصد تحركاتهم لفترة طويلة والاستعداد للتنفيذ بحيازة القنابل والعبوات المتفجرة والأسلحة الرشاشة٬ واغتنام الفرصة المناسبة لاغتيالهم٬ والقفز على منزل أحدهم ووضع عبوة متفجرة تحت سيارته وتفجيرها٬ ووضع عبوة أخرى في سيارة ضابط آخر وتفجيرها.
ومن الأشياء اللافتة عن نمر سهاج البقمي أنه في عام ٬2010 وحينها كان لا يزال موقوفا٬ تقدم بطلب إلى أحد القيادات السعودية٬ يطلب فيه الزواج بأرملة أحد القتلى الإرهابيين (غير سعودية) كان يتنافس عليها كثير من الإرهابيين٬ بغية الظفر بها زوجة بعد هلاك زوجها السعودي٬ مبررا في خطابه للمسؤول السعودي «حتى لا ينقطع نسل (الجهاد)»٬ وهو حتما لم يحصل على الموافقة.
وكما سبق٬ الحدث الأبرز المرتبط به كان اشتراكه في تفجير مجمع المحيا السكني٬ من خلال الاشتراك في نقل متفجرات تزن نحو طنين٬ واستعماله بعد ذلك تلك المتفجرات في تجهيز وتشريك السيارة التي عمل هو ومن معه على تمويهها بألوان سيارة عسكرية٬ والتي استخدمت في تفجير المحيا السكنى٬ وقيادته سيارة من نوع «نيسان ماكسيما» والاقتحام بها٬ وتهيئة الطريق لدخول السيارة المفخخة لتفجير المجمع السكني. وأعلنت بعدها الداخلية السعودية عن سيناريو التفجير في المجمع السكني وهويتي الانتحاريين اللذين قادا السيارة التي قام بتشريكها البقمي.
إضافة إلى ذلك٬ أدين نمر سهاج بتستره على إعطاء المقرن٬ زعيم التنظيم في السعودية٬ أحد المغاربة مبلغا كبيرا من المال٬ تمهيدا لتنفيذ عملية كبرى في المغرب. وتنسب هذه العملية إلى التنظيم في السعودية٬ إضافة إلى اشتراكه في تجهيز خمس سيارات بسبعة أطنان من المتفجرات وحيازتها للقيام بأعمال تفجير وتخريب داخل البلاد٬ بقصد الإفساد والاعتداء والإخلال بالأمن.
أدين البقمي بالتخطيط والمشاركة في اقتحام شركتي نفط ومجمع سكني بحي الواحة٬ بمحافظة الخبر شرق السعودية٬ بقوة السلاح مع أعضاء التنظيم الإرهابي والدخول للمبنى باستخدام القنابل اليدوية٬ والرشاشات الحربية٬ وقام مع مجموعة بإطلاق النار على حراسات الأمن وقتل الأنفس المعصومة باشتراكه في قتل خمسة عشر شخصا عمدا وعدوانا٬ والتمثيل بجثث عدد من القتلى بقطع أعناقهم بالسلاح الأبيض٬ وفي تلك الحادثة التي وقعت في عام 2004 كانت نهاية نمر سهاج٬ حيث ألقت القوات الأمنية القبض عليه.
لا يختلف عن سلفه كثيرا٬ لكنه شريك أول في التدريب والقيام بالأعمال القتالية واللوجيستية٬ شريك فوق العادة في القتل والإجرام٬ لا يعترف ببيعة لحكام البلاد٬ ويمجد أسامة بن لادن٬ وزعماء «القاعدة». لم تسعفه علامات دراسته بعد
تخرجه في المرحلة الثانوية للالتحاق بالجامعة٬ فالتحق بصفوف الظلام. غاب عن أسرته٬ فبادر والده إلى الإبلاغ عن تغيبه٬ لكنه كأرباب البيوت السعودية الهادئة لم يكن يتوقع أن يظهر مارقا٬ لينتهي الحال به في شرك «القاعدة»٬ التي قبرته بأعماله.
عادل الضبيطي٬ في أوائل الثلاثين من العمر٬ سجله في الجريمة أيضا يتدفق بكثير من الدماء٬ حيث قتل وقاتل رجال أمن ومعصومين٬ وشارك نمر سهاج في الهجوم على مجمع الواحة في الخبر 2004. وأفلت أثناء القبض على سهاج٬ فحاق مكره إلى أن وقع في مصيدة الرس النارية عام ٬2005 وتمكن فيها رجال الأمن بالقوة من قتل عشرة إرهابيين متحصنين في أحد المنازل٬ وعلى رأسهم سعود القطيني «خليفة» عبد العزيز المقرن في زعامة تنظيم القاعدة في السعودية.
حينذاك أوضحت «الداخلية» حول أحداث الرس أن «الجهات الأمنية كانت يقظة للتحركات المريبة لـ(أرباب الفكر الضال) الذين ظنوا أنهم بانتقالهم بعيدا عن أوكارهم المعتادة٬ وتواريهم خلف مدارس الأطفال٬ وتنكرهم بأزياء النساء٬ سوف تتاح لهم الفرصة للعبث بأمن الوطن والمواطن وتنفيذ مخططاتهم الشريرة التي تستهدف البلد الأمين بخاصة٬ والإسلام وأهله بعامة٬ فرد الله كيدهم في نحورهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا. إذ فاجأهم رجال الأمن بعد أن طوقوا محيطهم العمراني الذي بلغ ثلاثة عشر مبنى سكنيا من المباني».
لم يدل الضبيطي بأي إجابة أثناء مثوله أمام المحكمة الجزائية المتخصصة٬ حيث كان يجلس على كرسيه ويطلب من القاضي التسريع بالحكم٬ والتنفيذ بحكم القصاص٬ وكان يقول: «أريد السياف٬ لا أعترف بمحكمتكم»٬ الأمر الذي جعل القاضي يدون في محضر القضية جميع ما يدور خلال جلسات الحكم الابتدائي.
وعلى الأثر٬ أدين الضبيطي بمشاركته في تفجير «مجمع المحيا» بالرياض وإثارة الرعب وإتلاف الممتلكات٬ وذلك من خلال مشاركته في تجهيز وتشريك سيارة الجيب التي استخدمت في التفجير بالمتفجرات وطلائها بشعار: «سيارات قوات الطوارئ»٬ إضافة إلى الشروع في اغتيال عدد من رجال الأمن وإقدامه على قتل مصور صحافي٬ ومراسل قناة الـ«بي بي سي» البريطانية أثناء وجودهما في حي السويدي عام 2004 بناء على أمر زعيم تنظيم القاعدة في السعودية٬ وقيامه بتدريب أعضاء من التنظيم على التزوير والتشريك للسيارات.