ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
يبدو أن «الدولة الإسلامية» قد صارت تعمل في مواجهة حائط صد. هناك مجموعة كبيرة من التحالفات الوطنية التي تشكلت بهدف هزيمة «الدولة الإسلامية»، ما سيجعل التنظيم غير قادر على العمل على نطاق واسع كما كان يفعل خلال السنوات الماضية، وسوف تتم الإطاحة به من المناطق التي قام بالسيطرة عليها. هذا الانحدار ربما يستغرق سنوات أو حتى عقود، ولكنه سوف يضمحل في النهاية.
ولكن على الرغم من أن «الدولة الإسلامية» قد تستنزف مواردها مع ضغوط المجتمع الدولي، فإن أعضاء التنظيم لن يختفوا في الوقت الذي يفقد فيه التنظيم زخمه. وتتألف «الدولة الإسلامية» إلى حد كبير من المقاتلين الأجانب الذين يمتلكون روابط محدودة مع البلدان التي يقاتلون فيها، وفي حال وجود فرصة لإعادة التوطين، فإن أحد البلدان التي تمثل فرصة واعدة هي المملكة العربية السعودية. مع تفاقم الاضطرابات الداخلية، وزيادة خطر عدم الاستقرار الاقتصادي نتيجة انخفاض أسعار النفط، إضافة إلى التوتر مع جيرانها، فإن بيت آل سعود قد صار عرضة للتمرد، وسوف يكون موقعا مثاليا للجهاديين الباحثين عن نقطة التقاء جديدة. مع فقدان «الدولة الإسلامية» للزخم، وكونها عرضة لفقدان الأراضي، فإن السعودية تواجه خطر أن تصبح الأرض القادمة للإرهاب في المنطقة.
عوامل الخطر الداخلية
لطالما واجهت المملكة العربية السعودية تحديات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية فريدة من نوعها. من إجمالي عدد سكانها البالغ 28 مليون نسمة، فإن المهاجرين يشكلون حوالي ثلث عدد السكان، وأكثر من ثلاثة أرباع القوى العاملة. ما يقرب من سبعين في المائة من سكان البلاد هم تحت سن الثلاثين عاما. وضمن هذه الفئة العمرية، فإن نسبة البطالة تقارب 30%. المواطنون وغير المواطنين على حد سواء يعيشون في ظل النسخة الوهابية من الشريعة الإسلامية التي تمليها العائلة المالكة والقيادة الدينية من العلماء. وفي حين أن هناك بعض الضغوط داخل المملكة من أجل التحديث، فإن المحافظين يدعون باستمرار إلى زيادة الصلابة في ممارسة الطقوس الدينية، مما تسبب في خلاف داخل العائلة المالكة وداخل الشعب السعودي ككل.
الصعود الأخير للملك «سلمان» إلى العرش في مطلع العام الماضي قد أسهم في سكب الزيت على النار، حيث دخلت السياسة الداخلية للأسرة الحاكمة في مرحلة أخرى من عدم اليقين، مما فتح الباب أمام الجماعات الإرهابية التي قد تستفيد من حالة عدم الاستقرار.
تعاني المملكة العربية السعودية أيضا اهتزازا كبير في أكبر مصادر دخلها، حيث تعتمد في 80% من إيرادات موازنتها العامة على النفط. المملكة العربية السعودية قد تأثرت بشكل كبير في سقوط أسعار النفط، ما جعل تعاني عجزا تاريخيا. تعتمد المملكة العربية السعودية أيضا على التدفق المستمر للثروة النفطية من أجل تمويل الوظائف الحكومية ذات الرواتب العالية. ولكن مع الهبوط السريع في أسعار النفط، فإن السعودية قد تفقد قدرتها على الحفاظ على شعبيتها من خلال توفير فرص العمل. بالتأكيد فإن الثروة الكبيرة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية سوف تساعدها في البقاء على قيد الحياة ومواجهة عدم الاستقرار، ولكن أزمة النفط هي مجرد إضافة للقائمة المتزايدة من المشكلات التي تعاني منها البلاد.
هذه الظروف لا تشجع فقط المنظمات الإرهابية كي ترى المملكة كهدف رئيسي، ولكنها أيضا تخلق بيئة أن تستعل خلالها نار التمرد بين صفوف الشباب والعاطلين عن العمل.
تاريخ من التمرد
منذ سمحت المملكة العربية السعودية للولايات المتحدة بتأسيس قواعد دائمة على أراضيها في عام 1990، فقد واجهت اعتراضات من المحافظين الذين كانوا يعارضون على نحو متزايد أي نوع من العلاقات الودية مع العالم الغربي. وقد نظر غلاة المحافظين باستمرار إلى هذه العلاقة على أنها نقطة خلاف مع النظام السعودي. وقد كان «أسامة بن لادن» أحد هؤلاء، وقد كان تنظيم القاعدة مسؤولا عن معظم الهجمات الإرهابية التي وقعت داخل حدود المملكة.
وقد فرضت المملكة العربية السعودية مؤخرا حملة ضد التمرد داخل حدودها في إطار تجديد جهودها في مكافحة الإرهاب، بينما تحاول في الوقت نفسه مواجهة التهديدات المستقبلية عن طريق جعل القتال في الخارج جريمة يعاقب عليها السعوديون. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات قد تكون قليلة، أو أنها جاءت بعد فوات الأوان.
ولم يكن موقف المملكة العربية السعودية دائما بهذه الصرامة في التعامل مع فكرة القتال في الخارج. في الواقع، كان هناك وقت شجعت خلاله الحكومة السعودية شبابها للذهاب إلى الخارج لدعم إخوانهم المسلمين، سواء في العراق أو أفغانستان أو الشيشان. ومع ذلك، فقد أدركت الحكومة السعودية إن هذه الاستراتيجية قد أتت بنتائج عكسية، وبخاصة عندما عاد المقاتلون السعوديون وقاموا بشن هجمات داخل الديار باستخدام المهارات التي اكتسبوها في الوقت الذي كانوا يقاتلون خلاله في الخارج.
المملكة العربية السعودية حاليا هي واحدة من أكبر مصادر المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا، مع ما يزيد عن 2000 من المواطنين السعوديين منضمين ضمن صفوف «الدولة الإسلامية» ، كما أنها تعد الموطن الأكبر في العالم لمؤيدي «الدولة الإسلامية» على تويتر. في الآونة الأخيرة، قامت المملكة باتخاذ إجراءات مشددة ضد المقاتلين الأجانب، من المحتمل أن تكون استجابة إلى مخاوف محتملة حول عودة الجهاديين إلى ديارهم، وجلب الحرب إلى عتبة المملكة العربية السعودية، كما حدث في الماضي. وهو اعتراف ضمني أن المملكة العربية السعودية معرضة أن تكون هدفا للإرهاب.
مرشح مثالي
بالإضافة إلى الضغوط الداخلية بسبب تفشي البطالة، والأعداد الكبيرة من المهاجرين في البلاد وانخفاض أسعار النفط، فإن المملكة العربية السعودية تواجه تحديات من مصادر خارجية كذلك. مشاركة المملكة العربية السعودية في اليمن تستنزف بشكل مطرد مواردها الاقتصادية ورأسمالها السياسي. كما ينظر إلى الاتفاق النووي الإيراني باعتباره علامة على الضعف بالنسبة إلى السعودية والمجتمعات السنية، التي طالما سعت إلى احتواء جيرانها من الشيعة. قامت «الدولة الإسلامية» بالفعل باستهداف المملكة العربية السعودية بدعوى علاقاتها مع الولايات المتحدة، قد ردت الحكومة بإلقاء القبض على ما يقرب من مائة شخص خلال عام 2015 وحده يشتبه في علاقتهم بـ«الدولة الإسلامية».
نقاط الضعف المتصورة هذه عن الحكومة السعودية توفر مادة مثالية للمتمردين الساعين للبحث عن عدو مشترك. وسوف يسعى تنظيم «الدولة الإسلامية» لاغتنام هذه الفرصة في حال تم الضغط عليه للخروج من معاقله الحالية.
ولكن لماذا المملكة العربية السعودية على وجه التحديد، في حين أن المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق يأتون من جميع أنحاء العالم، كما يوجد معاقل متعددة لدعم «الدولة الإسلامية» أبرزها ليبيا وكذلك مواقع أخرى متعددة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
تتميز المملكة العربية السعودية أن لديها القدرة على أن تمثل عدوا موحدا، مع ما يكفي من العلاقات مع الغرب لإلقاء اللوم عليها، في حين لا تمتلك نفس الاستقرار الذي تملكه معظم الدول الغربية في مواجهة حركات التمرد. كما أنها توفر منبعا خصبا للتوظيف، وبخاصة مع ارتفاع معدلات البطالة في صفوف شبابها، وفي الوقت نفسه فإنه توفر ميدانا خصما للتوعية ونشر الأنشطة مع وجود عدد كبير من المهاجرين. كما أن الحكومة السعودية نفسها مشتتة بين العمليات العسكرية في اليمن والمساندة العسكرية في سوريا، في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها بسبب انخفاض أسعار النفط.
تبدو المملكة العربية السعودية محصورة بين المطرقة والسندان، ففي الوقت الذي تواجه فيه مخاطر زيادة الانتقادات إذا اندفعت نحو التحديث، فإنها تواجه مخاطر الغضب الشعبي إذا اندفعت نحو الوهابية الأكثر صرامة. كذلك فإن المملكة العربية السعودية هي موطن لاثنين من أكثر المواقع الإسلامية قدسية، مكة المكرمة والمدينة المنورة، مما يجعلها نقطة تجمع طبيعية. كل هذه العوامل تجعل المملكة العربية السعودية موقعا مثاليا للتمرد، وتشير إلى أن المملكة العربية السعودية سوف تعاني من عواقب وخيمة حين يتم استنزاف «الدولة الإسلامية» ، وبعثرة مقاتليها خارج العراق وسوريا.