محمد عبّود - الخليج أونلاين-
يبدو أن مصطلح "الدولة العميقة" مترسخ في لبنان كما الحال في مصر والبلدان العربية التي شهدت ربيعاً ثورياً سرعان ما ذوى بفعل أركان الدولة العميقة.
وتسبب حزب الله اللبناني، بتلك المقاييس، في قطع العلاقات السعودية اللبنانية في البداية، ثم توسعت الدائرة لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي التي قررت "اعتبار مليشيات حزب الله، بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية"، حسب بيان الأمانة العامة لمجلس التعاون الذي صدر الأربعاء.
ولم يكن التصعيد السعودي الخليجي تجاه لبنان كدولة هو الهدف، وإنما عنت رسالة الرياض بأن حزب الله بات دولة داخل الدولة، فأصبح يتحكم في القرار السياسي للبلاد، فضلاً عن حجم التسليح العسكري الذي يحظى به.
- فرنسا وسيطاً
وبخروج الدبلوماسية اللبنانية عن الإجماع العربي، تعوّل بيروت على فرنسا في لعب دور "الوسيط" بينها وبين السعودية لحل الأزمة وتلطيف الأجواء، ولا سيما بعد إيقاف الرياض هبة المليارات الثلاثة للجيش اللبناني، وفشل التحركات اللبنانية، الأسبوع الماضي، التوفيق بين مقتضيات الاستقرار الداخلي وواجبات تصويب الخطأ بحق السعودية، فكان بيانها "كالذي وقف على السلم" فلا حظي برضا خليجي، وقابله حزب الله بفتور كبير.
- رغبة لبنانية لترميم الصدع
وزير الخارجية جبران باسيل، أعرب الأحد الماضي، عن استعداده القيام بأي خطوة من شأنها إنهاء الشقاق الدبلوماسي مع السعودية، داعياً الرياض إلى تحديد المطلوب، ومبدياً استعداده للقاء نظيره عادل الجبير لتوضيح الالتباس الحاصل الآن، لا سيما بعد بيان الخارجية الذي لم يلق رضا خليجياً.
التدخل الفرنسي كوسيط لحل الأزمة بدا وكأنه "رغبة دولية" بعدم دخول لبنان في حالة فوضى، سواء على الصعيد الاقتصادي المترهل الذي تمر به في حال استمرار العقاب الخليجي، أو على المستوى الأمني بخروج الاحتجاجات الرافضة لأي من الطرفين.
الولايات المتحدة الأمريكية أبدت دعمها للتحرك الفرنسي ضمناً، بهدف تخفيف الاحتقان الخليجي اللبناني، وذلك عندما قابل مسؤولون أمريكيون وفداً نيابياً لبنانياً الأسبوع الماضي أثناء زيارة لواشنطن، فأبدى الأمريكيون استعدادهم التدخل لدى السعودية وحملها على إعادة الهبة العسكرية للجيش اللبناني وتخفيف إجراءاتها وتحييد لبنان عن عقوباتها على حزب الله، أسوة بما تفعله أمريكا.
مراقبون أشاروا إلى أن واشنطن تنتهج رفض العقوبات الجماعية، وعليه ستسعى لتخفيف الاحتقان، إلا أنها تأمل قيام الحكومة والوسط السياسي اللبناني بمبادرات جريئة ضد سياسات حزب الله، وهو الأمر نفسه الذي يعتزم الفرنسيون بذله في مقابلتهم لولي العهد السعودي.
تأتي التحركات الدولية في وقت أشارت فيه تقارير أمريكية عن ازدياد الاحتقان الطائفي في الشارع اللبناني مؤخراً، بعد بث شريط تلفزيوني يتهكم على الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
التحرك الفرنسي جاء مؤخراً بعد تجميد الهبة السعودية، ولا سيما أنه تم إيقاف تسليم فرنسا للجيش اللبناني آليات نقل وقتال ومناظير مراقبة ليلية ونهارية برغم توفرها بالمخازن الفرنسية ولا تتطلب تصنيعاً، وكان من المفترض تسليمها لولا القرار السعودي، بالإضافة إلى أن الجيش اللبناني حتى الآن لم يستلم إلا 48 قاعدة صاروخ ميلان تقدر قيمتها بنحو 300 مليون دولار.
- ضغوط داخلية على حزب الله
وفي فبراير/ شباط الماضي، أصدرت قوى 14 آذار اللبناني بياناً حمّلت فيه حزب الله وحلفاءه مسؤولية "افتعال المشكلة الخطيرة" مع السعودية ودول الخليج، وضرب استقرار لبنان المالي والمعيشي والاجتماعي.
وأعلنت الحركة، التي يتزعمها سعد الحريري، تأييدها الكامل للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وعدم المس بسيادة واستقلال أي دولة من الدول العربية، ورفضها تحويل لبنان إلى قاعدة لضرب أي دولة عربية والتدخل في شؤونها، بالإضافة إلى رفضها أن "تتحول لبنان ضحية لأي دولة، خصوصاً تلك التي تحاول فرض سيطرتها على الدول العربية"، في إشارة إلى إيران.
- إيران تنفث نارها
السياسة الخارجية الإيرانية لم تتوان فور صدور البيان الخليجي، عن زيادة هوة الخلاف بين لبنان وأشقائها العرب، فأعلنت استعدادها توفير ما وصفته بـ "المساعدات" للبنان في حال طلبت حكومته ذلك، حسب ما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، حسين جابري أنصاري، خلال مؤتمر صحفي في طهران.
وتابع أنصاري قائلاً: "السعودية أعلنت بأنها سترسل أسلحة إلى لبنان كمساعدة بقيمة 3 مليارات دولار، إلا أنها عدلت عن موقفها وأكدت أنها لن تقدم هذه المساعدات. في حين أن إيران أعلنت دعمها للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني وإذا استلمت طلباً من بيروت فإنها ستدرس الطلب"، وفقاً لما نقلت عنه وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية.
- انهيار اقتصادي محتمل
ووفقاً لما ذكرته صحيفة لوريون لوجور الفرنسية فإن لبنان يخشى انهياراً اقتصادياً بسبب القطيعة الخليجية، وسحب الاستثمارات، وحركة البيع التي يجريها المستثمرون السعوديون لعقاراتهم، إذ إن القطاع السياحي أول المتضررين من جراء الأزمة الراهنة.
اتساع المقاطعة السعودية لتشمل دول الخليج باتت نقطة فاصلة تسعى لبنان لحلها قبل حلول الصيف حيث تنشط الحركة السياحية الخليجية، في وقت حذرت الدول الخليجية رعاياها ومواطنيها من السفر إلى لبنان لدواع أمنية كالكويت وقطر والإمارات والبحرين.
وفي 2012، تعرضت لبنان لخسائر في القطاع السياحي بنحو 18% من عائداتها بسبب فقدها ما لا يقل عن مليون وسبعة وثلاثين ألف سائح خليجي بسبب التهديدات الأمنية.
فالسائح الخليجي، حسب ما وصفه وزير السياحة اللبناني، لا يمكن الاستغناء عنه، فهو العمود الفقري للسياحة اللبنانية، وتقدر ما ينفقه الخليجي في لبنان بنحو 60% من عائدات لبنان السياحية، وتمثّل السائح السعودي بنحو 25 من إجمالي عائدات السياحة اللبنانية سنوياً.
واللافت للانتباه أن دول الخليج تريثت في الخطوات التصعيدية تجاه لبنان دون وضع سقف محدد إلى أي مدى ستصل القطيعة، وربطوا حل الأزمة بموقف الحكومة والوسط السياسي اللبناني.