فهد نزار - معهد الشرق الأوسط- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
تخضع تصرفات المملكة العربية السعودية إلى تدقيق مكثف خلال الأشهر الأخيرة. الكثير من هذا التركيز يركز على سياستها الخارجية الأكثر حزما والأقل استيعابا كما يتجلى في حملتها العسكرية غير المسبوقة في اليمن. التحول في السياسة الإقليمية السعودية ولد روايتين مختلفتين في الصحافة الغربية ومراكز الفكر وحتى بعض الدوائر الرسمية.
أول هاتين الروايتين ترى أن المملكة العربية السعودية هي التي تقف وراء العنف السياسي والطائفي غير المسبوق الذي زلزل الشرق الأوسط على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك ظهور وصعود الجماعة الإرهابية التي منحت نفسها اسم «الدولة الإسلامية». وتشير الرواية الثانية إلى أنه بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ صيف عام 2014، فإن الدولة السعودية التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط للحفاظ على مؤسساتها الحاكمة توشك على الانهيار. وعلى الرغم من التباين الكبير بين السرديتين فإنه غالبا ما يتم تقديمهما في وقت واحد. في كلتا الحالتين، فإنه غالبا ما يتم اقتراح مسارا متماثلة للعمل لصناع القرار في الغرب: إعادة النظر في العلاقة الوثيقة مع المملكة العربية السعودية، أو كحد أدنى أن يقوم الغرب بالضغط على المملكة من أجل تغيير سياستها الداخلية والخارجية. في نهاية المطاف، فإن هناك ثمة من يقول أنه ينبغي النظر إلى المملكة العربية السعودية كعدو وليس كصديق للولايات المتحدة أو الغرب.
يبدو أن أنصار كلا الروايتين غالبا ما يذهبون إلى استنتاجات غير مدعومة بأدلة مقنعة، بينما في نفس الوقت فإنه غالبا ما يتم تجاهل الحقائق التي تطعن في صحة استنتاجاتهم. تشير الروايات إلى نقص جوهري في فهم الأسباب الجذرية للاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط، بما في ذلك صعود «الدولة الإسلامية»، كما ينم عن سوء تقدير للأسس الصلبة التي قامت عليها الدولة السعودية على الرغم من التحديات الهائلة التي تواجهها.
وقد أدى تدخل السعودية في اليمن إلى تزايد الدعوات التي تتهم المملكة بزعزعة استقرار المنطقة. ومع ذلك، فإن أي نظرة خاطفة على تاريخ اليمن الحديث تخبرنا أن هذا البلد ليس غريبا على العنف السياسي وعدم الاستقرار. وتكافح الحكومة المركزية منذ فترة طويلة للحفاظ على احتكار استخدام القوة، كما يتضح من حقيقة تزايد نشاط تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب داخل البلاد منذ عام 2009. وقد وجدت الدولة اليمنية أيضا صعوبات كبيرة في تطوير قدرتها على توفير الخدمات الأساسية لمختلف المناطق في البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم أنه من المشروع أن يتم التعبير عن القلق بخصوص الأزمة الإنسانية الملحة في البلاد، فمن الضروري أن نشير إلى أن المتمردين الحوثيين قد قرروا منذ زمن طويل استخدام القوة ضد الحكومة المعترف بها دوليا للرئيس «عبد ربه منصور هادي» من أجل معالجة مظالمهم سواء أكانت حقيقية أو متوهمة. ومن الجدير بالذكر أيضا أن الحوثيين قد حاربوا أيضا ضد حكومة الرئيس الأسبق «علي عبد الله صالح» في ست مناسبات مختلفة منذ عام 2004 قبل أن يدخلوا في تحالف سياسي معه مؤخرا. كما دخل الحوثيون وتنظيم القاعدة في عدد من الاشتباكات المسلحة. وقد كان اليمن بالفعل في الحرب الأهلية السابقة ساحة للتدخل العسكري السعودي. هذا يعني أن اليمن لم يكن ليصبح بلدا مزدهرا حتى لو لم يقد السعوديون حربهم ضد الحوثيين.
وفي حين سمح الفراغ السياسي في ليبيا بتوسع نشاط «الدولة الإسلامية» في البلاد، فإن الحرب الأهلية التي دامت خمس سنوات في سوريا لا تزال هي مركز الاضطرابات في الشرق الأوسط. من وجهة نظر السعوديين، فإن سوريا سوف تكون مسؤولة عن صياغة المسار السياسي في المنطقة بأسرها في المستقبل المنظور. وقد فاقم التدخل الروسي جنبا إلى جنب مع تدخل إيران وحزب الله ومجموعة من الميليشيات الشيعية المسلحة من العراق وباكستان وأفغانستان من وتيرة العنف كما أنه قد أعطى الصراع بعدا دوليا. ومع ذلك، فإن القمع الوحشي الذي تعامل به الرئيس «بشار الأسد» مع حركة الاحتجاج السلمية هو الذي أدى إلى نمو التطرف في العديد من العناصر داخل المعارضة. بنفس القدر من الأهمية، فقد كانت آلة القتل «الأسدية» هي المسؤولة عن ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية».
وبينما يناضل المجتمع الدولي لتفسير نشوء وتوسع تنظيم «الدولة الإسلامية»، فقد بدا أن هناك إجابة بعينها تحظى بأكبر قدر من القبول في الدوائر الغربية لهذا التساؤل ألا وهي الوهابية.
الوهابية هو المصطلح الذي يستخدمه النقاد من المملكة العربية السعودية للإشارة إلى نوع الإسلام المطبق في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن ارتفاع وصعود «الدولة الإسلامية» كان أكثر ارتباطا بالحرب الأهلية في سوريا من ارتباطه بالكتابات الدينية لـ«محمد بن عبد الوهاب» في القرن الثامن عشر.
وفي حين أن الأصول الأولى للدولة الإسلامية ربما تكون قد بدأت مع حرب العراق، فإن المذبحة في سوريا هي التي سمحت بانتشار هذا الورم الخبيث الذي لا يزال جاثما على صدور الملايين في سوريا والعراق في الوقت الذي يسعى فيه إلى تواجد مماثل في ليبيا، اليمن ومصر وحتى السعودية نفسها.
وقد وظفت «الدولة الإسلامية» بمكر الفظائع التي ارتكبها «الأسد» ضد سكان سوريا من السنة من أجل بناء السردية الجهادية التي جعلت سوريا الوجهة الرئيسية للمتشددين الإسلاميين. كما أنه ليس من قبيل المصادفة أن زعيم «الدولة الإسلامية»، أبو بكر البغدادي، قد اختار الرقة في سوريا كعاصمة لدولته.
العلماء الذين درسوا هذه العملية المعقدة والمطولة غالبا المعروفة باسم التطرف يتفقون على أن الناس لا يجنحون إلى التطرف عادة بفعل عامل واحد فقط. وعلى الرغم من أن الأيدولوجيا غالبا ما تكون أحد العوامل، فإنها غالبا ما تكون مصحوبة بعوامل أخرى عديدة قد تجعل تأثيرها محدودا في كثير من الأحيان.
هناك أدلة غير مؤكدة أن العديد من الأعضاء «الدولة الإسلامية» في سوريا لم يكونوا من المتدينين قبل انضمامهم إلى صفوفها. وهناك عدد من السعوديين الذين قاتلوا جنبا إلى جنب مع «الدولة الإسلامية» في سوريا والذين عادوا إلى المملكة ورووا تجاربهم على شاشات التلفاز وعبر الإنترنت قد أقروا أنهم لم يكونوا مواظبين دينيا قبل أن يقرروا السفر والانضمام للقتال. هناك شريط فيديو انتشر على وسائل الإعلام الاجتماعي يتباهى خلاله أحد المقاتلين كيف أن بعض زملائه «المجاهدين» قد انضموا إلى «الجهاد» في سوريا على الرغم من أنهم لم يتعلموا حتى كيفية الصلاة. هناك عدد ممن نفذوا عمليات الذئب المنفرد في الغرب أقروا بأن الانتقام لضحايا المذبحة في سوريا كان هدفهم الرئيسي.
منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، فرضت المملكة العربية السعودية قيودا على رجال الدين والمعلمين الذين يتبنون وجهات نظر متطرفة، كما قامت بتفعيل رقابة صارمة على المؤسسات الدينية لمنع انتشار الأيدولوجيات العنيفة إلى الخارج. وليس هناك أي دليل على أن الحكومة السعودية قد قامت بتقديم الدعم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» في أي من المراحل. أولئك الذين يسعون لهزيمة «الدولة الإسلامية» عليهم أن يقلقوا من «الأسدية» أكثر بكثير من قلقهم من الوهابية.
وأخيرا فإن هناك نظرية الانهيار الوشيك. وهي نظرية لانتقاد السياسة السعودية تدعي أن الدولة التي مكنت من البقاء على قيد الحياة لأكثر من 80 عاما في واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم ليست دولة على الإطلاق.
وقد كانت قدرة المملكة العربية السعودية على البقاء موضع تشكيك على مدى عقود. المزيج من الطبيعة المبهمة للسياسة السعودية، فضلا عن اللغة التي أثبت أنها يمكن أن تكون عائقا للفهم بالنسبة للكثيرين، قد تكون مسؤولة عن بعض من هذه السيناريوهات الخاطئة التي لم تؤت ثمارها.
في حين أنه لا يزال من الصعب تعريف الهوية الوطنية السعودية، فإن الدولة قد نجحت في إقناع 22 مليون مواطنا سعوديا أنهم أبناء الأمة المباركة التي شهدت ظهور الإسلام إضافة إلى كونها المنتج الأكبر للنفط في العالم. هذا الاعتقاد السائد في الاستثنائية والشرعية هو السبب الرئيسي في أن الربيع العربي لم يطح بالنظام السياسي في المملكة العربية السعودية.
وقد أدى الانكماش الاقتصادي الحالي في المملكة العربية السعودية إلى تكبدها لأكبر عجز للموازنة في تاريخها خلال العام الماضي، وقد جعل هذا التطور إعادة تقويم العقد الاجتماعي بين الشعب والدولة أمرا حتميا. قد يأتي ذلك في صورة المزيد من الضرائب، ما يتطلب ربما بعض الإصلاحات التمثيلية لبعض المؤسسات السياسية في البلاد، مثل مجلس الشورى والمجالس البلدية، ومركز الحوار الوطني. ورغم ذلك، فإنها ليست هي المرة الأولى التي تواجه فيها المملكة هبوط أسعار النفط. المخططون الاقتصاديون السعوديون على وشك الدخول في خطة التحول الجديدة التي تسعى إلى إدخال تغييرات هيكلية في الاقتصاد للحد من اعتماد البلاد على النفط.
إن التقليل من أهمية فطنة وبراغماتية القيادة السعودية ومتانة العقد الاجتماعي بين الشعب والدولة هو شرك يقع فيه كثير من النقاد المهتمين بالشأن السعودي، ويبدو أن ذلك لن يتغير في وقت قريب.