عبدالله حاتم - الخليج أونلاين-
لطالما أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن العلاقات السعودية- الأمريكية تاريخية ومؤثرة، ونابعة من المصالح المشتركة بين البلدين ومع دول الخليج عموماً، إلا أن تصريحاته حول المملكة لصحيفة "The Atlantic" شكلت لحظة فارقة في تاريخ التحالف "الوثيق" بين البلدين، الممتد على مدى أكثر من 80 عاماً، بل وإشارات لعلاقة الولايات المتحدة مع الخليج عموماً.
تصريحات أوباما، الذي يعيش أشهره الأخيرة في البيت الأبيض، "المثيرة للجدل"، أثارت تساؤلات حول توقيتها ودلالاتها، فتساءل مراقبون في حديثهم لـ"الخليج أونلاين": "لماذا انتظر أوباما حتى عامه الرئاسي الأخير من ولايته الثانية الأخيرة" ليطلق تصريحات كهذه قد تهدد العلاقات بين البلدين، المتزعزعة أصلاً بسبب لهث أوباما خلف عقد تفاهمات تاريخية مع إيران، على الرغم من زعزعة الأخيرة لأمن وسلامة الشرق الأوسط؟
أوباما قال في سلسلة من المقابلات المطولة مع الصحفي الأمريكي المخضرم جيفري جولدبرج، التي نشرت في "The Atlantic": "إنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة مواصلة التقيد بالسياسة الخارجية لواشنطن، عن طريق تقديم الدعم التلقائي للسعوديين وحلفائهم".
وفي الوقت الذي كانت فيه إيران عدواً للولايات المتحدة الأمريكية منذ 1979، أوضح أوباما في لقائه أن "المنافسة بين إيران والسعودية أدت إلى حروب بالوكالة وإلى الفوضى؛ من سوريا إلى العراق واليمن".
وأضاف: "الوقوف إلى جانب شركائنا الخليجيين سيجبر الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية لتعديل النتائج، وإن على السنة والشيعة التوصل إلى طريقة فعالة للتعايش وحسن الجوار وتأسيس نوع من السلام البارد".
الرد السعودي على حديث أوباما جاء سريعاً، حيث ذكر مدير المخابرات السعودية السابق السفير السعودي لدى واشنطن، تركي الفيصل، في مقال له بصحيفة "Arab news" السعودية، الصادرة بالإنجليزية "أن استفادة أمريكا كانت ولا تزال أكبر من المملكة وليس العكس".
وذكَّر الفيصل، أوباما، بأن السعودية ليست "من يمتطي ظهور الآخرين لتبلغ مقاصدها، نحن نقود في المقدمة ونقبل أخطاءنا ونصححها، وسنستمر في اعتبار الشعب الأمريكي حليفنا".
وكشف الأمير السعودي، أن معلومات الاستخبارات السعودية "منعت وقوع هجمات إرهابية قاتلة، على أمريكا".
وتابع الأمير السعودي، مفنداً ادعاءات أوباما: "ولقد أكدت أنت دور المملكة القيادي في العالمين العربي والإسلامي، والآن تنقلب علينا وتتهمنا بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا واليمن والعراق".
- غير موفقة
عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى السعودي، الدكتور زهير الحارثي، وصف تصريحات أوباما بـ "الصادمة والمخيبة للآمال"، مبيناً دهشته من أن تصدر تصريحات كهذه من "شخص يفترض أنه على دراية ومعرفة بما يحدث".
وأضاف، في حديث لـ "الخليج أونلاين": "الرئيس الأمريكي خذل حلفاءه في المنطقة، ويبدو أن له حساباته الخاصة الذاتية"، مشيراً إلى أن "أوباما يريد أن يصنع تاريخاً لنفسه دون أن يقحم الولايات المتحدة في حل نزاعات المنطقة، وهذه معادلة صعبة، إذ إن عليها دوراً رئيسياً في تعزيز الأمر والاستقرار في المنطقة".
وتساءل الحارثي متعجباً: "كنا نسمع من أوباما خطاباً آخر غير هذا في الرياض، فالسؤال لماذا الآن؟ وماذا يريد من هذه التصريحات التي لا تليق، وتضع اتهامات ضد المملكة، وتفتح الباب مع إيران التي ترعى الإرهاب بأدلة موثوقة؟".
[salman1]
من جهته، اعتبر الدكتور خليل جهشان، مدير المركز العربي في واشنطن، وأستاذ الدراسات الدولية بجامعة بيبردين الأمريكية، "أن تصريحات أوباما خصوصاً بالنسبة للشرق الأوسط لم تكن موفقة؛ من ناحية الفحوى والتوقيت".
وأضاف: "تصريحات أوباما جاءت في التوقيت الخطأ في ظل التطورات المهمة التي تعيشها المنطقة، وأي انتقادات من واشنطن للرياض- حليفها الرئيسي- من شأنها أن تحدث نتائج سلبية".
ورأى جهشان أن أوباما يعيش حالة "استياء" من سياسته "الفاشلة" في الشرق الأوسط؛ "بسبب مواقفه المتناقضة، وتردده في اتخاذ القرارات الصعبة، الأمر الذي جعل المشكلة تكمن في واشنطن، على الرغم من أنه يمكن توزيع مسؤولية ما آلت الأمور في الشرق الأوسط على كل الأطراف، لكن كلام أوباما أثبت فشله في وصف الأمور بجدية".
- هل تنتهي الشراكة؟!
وحول التكهنات التي تشير إلى أن تصريحات أوباما تضع حداً للحلف السعودي - الأمريكي التاريخي، أوضح الحارثي أن "العلاقة التاريخية بين واشنطن والرياض يجب ألا تعتمد على أشخاص، وليس بالضرورة من يجلس بالبيت الأبيض سوف يؤثر على هذه العلاقة".
وأضاف: "أوباما سيرحل قريباً، ومن يأتي بعده سيعيد حيوية العلاقة بين البلدين، لأنها علاقة استراتيجية وتاريخية"، مبيناً في الوقت ذاته أن "المصالح المشتركة هي من تحمي هذه العلاقة والتفاهم البراغماتي بينهما، ونحن نذكر كيف اهتزت علاقاتنا بعد 11سبتمبر، لكن المصالح المشتركة حافظت على متانتها".
بدوره، استبعد الدكتور خليل جهشان، إنهاء العلاقة الاستراتيجية مع الرياض والاتجاه إلى إيران، مبيناً أنه "حتى لو كان هناك قرار بإنهاء العلاقة الاستراتيجية مع الرياض، لكن لا تستطيع أي إدارة في البيت الأبيض القيام بذلك، بسبب الخلفية التاريخية والاقتصادية والأمنية، ويبدو أن الطرفين ليس لهما خيارات كثيرة لتبديل الحليف الاستراتيجي، خصوصاً في الخليج العربي".
وأوضح: "تصريحات أوباما هزت العلاقات بين الرياض وواشنطن وستقود إلى إعادة تقييم لها، ولكن في واشنطن هناك انتخابات رئاسية قد تساهم نتيجتها في تحسين العلاقات".
وبين جهشان "أن العلاقات الأمريكية- السعودية، منذ بدايتها لم تصل إلى المستوى الاستراتيجي المطلوب، واللوم يقع على الطرفين؛ فالسعوديون لم يمارسوا تاريخياً ضغطاً كافياً على واشنطن لتقوية العلاقة الاستراتيجية، وواشنطن أقنعت نفسها أنه ليس للرياض بديل آخر عنها، الأمر الذي جعلها تقصر في تعزيز العلاقة معها، والآن ندفع ثمن ذلك التقصير".
- مستقبل حذر
وحول كون تصريحات أوباما سوف تؤثر على العلاقات المستقبلية بين البلدين، خصوصاً إذا ما فاز "مرشح ديمقراطي" بالرئاسة، أوضح الحارثي أنه "في حال فوز هيلاري كلينتون فستكون أكثر حكمة وخبرة من أوباما في التعاطي مع المملكة، إذ لا يمكن لعاقل أن يخسر حلفاءه بهذه الطريقة، قد يتمكن أوباما من خداع عامة الناس، لكن لن يخدع المسؤولين والبرلمانيين والسياسيين والنخبة ورجالات الدولة".
[ap_225045725911]
وأوضح: من المهم أن يكون الرئيس الأمريكي المقبل يفهم ما يدور في المنطقة، وما هي الأخطار التي تمس دولها، فمثلاً الخطر الأكبر اليوم في المنطقة هو إيران، وأوباما لم يفعل شيئاً لوقف إرهابها، نحن نريد رئيساً يتفهم هذا ويحافظ على المصالح المشتركة، لأن المملكة رقم صعب في المنطقة، وتلعب دوراً للمحافظة على السلم الإقليمي والدولي لا يمكن تجاوزه".
من جهته، بين الدكتور جهشان أنه "إذا ما وصلت هيلاري كلينتون للبيت الأبيض لا أعتقد أنه سيكون هناك تغيير جذري للسياسة الأمريكية، ولكن ستضطر للانتباه أكثر إلى سياساتها، لأن أوباما لم ينتبه خلال السنتين الأخيرتين تحديداً، إلى التغيرات الجذرية التي تعمل بها المملكة العربية السعودية مع قضايا السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، وواشنطن لم تتأقلم مع هذه التغيرات وما زالت تعمل وفق قواعد اللعبة القديمة".
واستبعد خليل جهشان أن يؤدي وصول رئيس جمهوري للحكم في واشنطن إلى خدمة مصالح الدول الخليجية، لا سيما المملكة، مبيناً ذلك بأن "المرشحين الجمهوريين الثلاثة حالياً، لن يتعاطفوا مع المصالح السعودية والعربية، بسبب آرائهم وخلفياتهم".
وعبر جهشان عن اعتقاده بأن العلاقات السعودية-الأمريكية ستستمر، دون أن يستبعد حصول بعض الإشكالات، وستأخذ واشنطن العلاقة معها مستقبلاً بشكل جدي أفضل من فترة حقبة أوباما".