علاقات » اميركي

كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

في 2016/03/18

فورين بوليسي- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

لقد ولت الأيام التي كان فيها الاحتكاك المشتعل منذ فترة ما بين الرئيس «أوباما» وقادة المملكة العربية السعودية قيد الكتمان في واشنطن. وقد أوضح «أوباما» صراحة أنه لم يعد يستسيغ التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. من جانبهم، فقد رد السعوديون عبر رسالة كتبها الأمير «تركي الفيصل»، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، والذي يتميز بتصريحاته الجريئة، والتي أظهره فيها كراهيته أن يتم انتقاد بلاده من قبل رئيس دولة قال إن بلاده ظلت تدعمها لعقود من الزمن.

كما هو الحال في معظم المشاحنات، فإن هناك بعض الحقيقية لدى كلا الجانبين. تحاول السعودية التقليل من حقيقة تأثير قيامها بتصدير الوهابية من خلال المدارس التي دعمتها في تطرف الكثير من المسلمين في جميع أنحاء العالم، من جنوب شرق آسيا إلى شمال ولاية فرجينيا. وقد قلل الرئيس الأمريكي، أو تجاهل تماما، مجموعة من الجهود السعودية التي عززت واشنطن سياسيا وعسكريا وساهمت في تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط وخارجه. وتشمل هذه القائمة دعم السياسات الأمريكية المعادية للسوفييت خلال الحرب الباردة وتوفير الدعم المالي لحلفاء الولايات المتحدة المتعثرين اقتصاديا مثل الأردن والمغرب، إضافة إلى تنسيق الجهود مع الولايات المتحدة لتخليص أفغانستان من السوفييت. كما تشمل قائمة التعاون بين البلدين أيضا العملية عاصفة الصحراء التي حررت الكويت من قبضة «صدام حسين» في عام 1991. كذلك فقد استضافت المملكة العربية السعودية القوات الأمريكية منذ التسعينيات، كما أخذت زمام المبادرة في دفع السلام مع (إسرائيل) من خلال مبادرة السلام العربية التي لم تعرها (إسرائيل) الانتباه مع الأسف، إضافة إلى تمويل المعارضة ضد «بشار الأسد» وضد «الدولة الإسلامية» على حد سواء.

قائمة الطرق التي قام بها السعوديون بدعم المصالح الأمريكية هي في الواقع أطول وأكثر عناء من يتم حصرها حتى من قبل «أوباما» نفسه . والأسوأ من ذلك أن ازدرائه للرياض على وجه الخصوص يزيد من ترسيخ حالة عدم الثقة لدى العديد من الدول العربية الأخرى في التحالف مع الولايات المتحدة، وهي الحالة التي نشأت مع عدم مبالاة واشنطن تجاه مصير حليفها طويل الأجل في مصر، «حسني مبارك». ومن الجدير بالذكر أن الأمير «تركي» قد ذكر «مبارك» في رسالته، ولكن الرئيس «أوباما» لم يذكر نظيره المصري السابق بأي شكل طوال حواره مع «جيفري غولدبرغ».

الشيء الذي تسبب في إحباط السعوديين حقا هي دعوة «أوباما» لهم لتقاسم النفوذ في الخليج مع إيران. هذا الأمر يختلف عن قيام واشنطن بالتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي. دول الخليج قد لا تكون مؤيدة لهذا النهج التفاوضي ناهيك عن الوصول إلى اتفاق فعلي، لكنها تتفهم جيدا دوافع واشنطن للسعي نحو هذا الاتفاق. ولكن قيام الرئيس الأمريكي بمساواة المملكة العربية السعودية، بل وسائر دول الخليج، مع إيران هو أمر مختلف تماما. إيران لم تخفض دعمها للفصائل التي تراها الولايات المتحدة فصائل إرهابية، سواء كانت حزب الله وحركة حماس أو حتى للحوثيين، أو غيرهم من العاملين في البحرين وغيرها. كما أن طهران لم تخفف من لهجة خطابها المعادي لـ(إسرائيل). كما أن دول الخليج ليست هي من أجرت تجارب على الصواريخ الباليستية المخطوط عليها شعار «الموت لإسرائيل» باللغة العبرية. ومع ذلك فإن «أوباما» يدعو إلى تقاسم النفوذ في المنطقة مع النظام الأكثر زعزعة للاستقرار فيها.

ولعل السعوديين والشركاء في الخليج يمكن أن ينالوا بعض العزاء في كونهم لم يكونوا الهدف الوحيد للكمات «أوباما». الأوربيون أيضا نالهم نصيب من الأمر، وكما هو معروف سلفا، فإن «أوباما» قد ضار ذرعا بالإسرائيليين منذ وقت بعيد.

توضح مقالة «غولدبيرغ» أنه من الواضح أن الرئيس الأميركي يفضل الابتعاد عن منطقة الشرق الأوسط وتركها تسير وفق آلياتها الخاصة. وللأسف فإن فعل ذلك لن يؤدي إلى ذلك العالم المستقر السلمي الذي يحلم به السيد «أوباما». على العكس من ذلك: فإن دفن الولايات المتحدة لرأسها في رمال الشرق الأوسط لن يسفر إلا عن المزيد من الصراعات في المنطقة نفسها، وزيادة في تدفق اللاجئين الذين يرهقون أوروبا. ولكن بعد ذلك، يبدو «أوباما» أيضا أقل اهتماما بمتاعب أوروبا، ما يسميه «غولدبرغ» بأنه «عقيدة أوباما» ينبغي أن تتم إعادة تسميته بـ«عقيدة النعامة» وهذا يؤكد مدى الفجوة في النظرة الأمريكية عن حقيقة التحديات التي تواجه سياسات واشنطن.