محمد عبّود - الخليج أونلاين-
سرعة الرد الخليجي عموماً، والسعودي على وجه الخصوص، بشأن تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، صاحب الأشهر المعدودة في البيت الأبيض، تظهر أن علاقة الخليج بواشنطن قائمة على الندية وتبادل المصالح وليست علاقة تبعية.
فتصريحات أوباما بدت مستفزة للقادة الخليجيين، في إشارته إلى أنهم ليسوا حلفاء لأمريكا، لأنهم لم يتعاونوا بالقدر الكافي في محاربة الإرهاب، الأمر الذي استفز رئيس جهاز الأمن الوطني الكويتي بتصريح بشأن أوباما، سبقه مدير المخابرات السعودية السابق السفير تركي الفيصل فكتب مقالاً في صحيفة أخبار العرب الإنجليزية قائلاً: "إن استفادة أمريكا كانت ولا تزال أكبر من المملكة وليس العكس"، مما يوحي في صياغة علاقة نفعية واضحة على الصعيد الدولي، ورفض واضح لمن يظن أن العلاقة تبعية لأي دولة كانت.
موقف كويتي غير مسبوق
فقد صرح رئيس جهاز الأمن الوطني في موقف غير مسبوق أن الكويت ليست منتفعة مجاناً من الحملات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب والتهديدات الأخرى، رافضاً حديثاً أدلى به الرئيس الأمريكي باراك أوباما، انتقد من خلاله بعض حلفاء الولايات المتحدة.
جاء ذلك في تعليق من الشيخ ثامر العلي، على تصريح لأوباما في لقاء مع مجلة أتلانتيك الأسبوع الماضي قال فيه إن بعض الدول في الخليج وأوروبا لم تقدم مساهمات تُذكر في محاربة الإرهاب، داعية الولايات المتحدة إلى التصرف من دون مشاركة منها.
وقال الشيخ ثامر في مقابلة مع "رويترز": "الكويت، مثل جارتها قطر، فتحت قواعدها الجوية وأجواءها أمام قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقصف داعش، في حين نفّذت طائرات دول الخليج الأخرى طلعات جوية".
وأضاف: "أتساءل فقط: ماذا يعني أن تكون مستفيداً ومنتفعاً من دون تقديم مساهمات بعد كل ما قدمناه؟ عندما نتقاسم المعلومات الاستخبارية، ونفتح أجواءنا وأرضنا وبحرنا، وعندما ننفق مليارات الدولارات في مكافحة الإرهاب، وعندما نحاول أن نساعد اللاجئين السوريين، فكيف يكون ذلك مجاناً؟!".
وتابع: "في الواقع بحثت عن معنى free ride في القاموس لمعرفة ماذا يعني هذا المصطلح، وأريد من الآخرين أن يعرفوا ماذا يعني، وأن يروا ما الذي نفعله هنا في هذا الجزء من العالم، خصوصاً عندما يذكر الخليج؟".
وبرصد المواقف الأمريكية خلال الفترة السابقة، يتضح أن واشنطن لم تسع إلى تأطير وتعميق العلاقة مع دول الخليج مثلما فعلت مع إيران، على الرغم من إدراج الأخيرة إلى عهد قريب على قائمة الإرهاب، وممارساتها القمعية في الأحواز وغيرها، وتدخلاتها في شؤون الدول العربية.
لم تكن المواقف الأمريكية التي سنذكرها هي الوحيدة، بقدر ما كانت واضحة وضوح العيان، الأمر الذي فرض على الرياض أن تتحرك كدولة مستقلة بذاتها لتشكل تحالفات متعددة وعلى كل المستويات، بعيداً عن واشنطن، إنما تحت مظلة المجتمع الدولي العام.
- موازين واشنطن المتعددة
رصدت الخارجية السعودية مواقف عديدة للإدارة الأمريكية أظهرت مدى التباين في تعاطي أوباما مع قضايا العالم، وخاصة في المنطقة العربية، ومن بين تلك المواقف رفض واشنطن تزويد السعوديين بصور تحركات الجيش السوري من خلال الأقمار الصناعية بعد طلبها ذلك لتزويد فصائل المقاومة السورية بها.
كذلك الفيتو الأمريكي الذي فرضته واشنطن على الدول المصدرة للصواريخ المضادة للطائرات، سواء أكانت صواريخ ثابتة أم محمولة على الكتف، والتي كانت تهدف من ورائه إلى الحد من قدرات الثوار في سوريا، بينما تغض الطرف عن تلك الأسلحة لدى حزب الله، على الرغم من تهديده لدول الجوار وإدراجه على قائمة الإرهاب إلى عهد قريب.
والعلاقة التي كشفتها الصحف الأجنبية، وتصريحات الساسة الأمريكيين عن تعاون بين واشنطن والحوثيين في اليمن، تنم على علاقة تخالف الأعراف الدولية في ظل انقلاب الحوثيين الواضح على الشرعية والسلطة باليمن.
- حتمية رسم علاقات جديدة
التحول في السياسة الخارجية الأمريكية ضد مصالح دول الخليج واعتبار إسهاماتهم التي قاموا بها ضد الإرهاب (غير كافية)، بل واعتبارهم حلفاء غير حقيقيين لواشنطن، دفع المحللين الخليجيين إلى المطالبة برسم سياسات خليجية مستقلة تعبر عن الذات والمسؤولية ورفض التبعية، بدأت تلك السياسات بانطلاق عاصفة الحزم، والتحالف العربي ثم التحالف الإسلامي العسكري، وبناء علاقات اقتصادية مع العديد من التكتلات العالمية.
عزز تلك الرغبة ما صرح به الأمير بندر بن سلطان حول رغبة السعودية في الحد من تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في انتقادات لاذعة لسياسات أوباما في سوريا، واعتبارها "جديرة بالرثاء" حسبما ذكرت وكالة رويترز، ورفض الرياض مقعداً دائماً في مجلس الأمن احتجاجاً على ما أسمته "ازدواجية المعايير" في الأمم المتحدة، مما يدل على عزوف الرياض عن التقرب من القرار الأمريكي والمشاركة فيه.
الفيصل استنكر في مقاله المشار إليه أن تكون بلاده عبئاً على الآخرين، فقال: إن السعودية ليست "من يمتطي ظهور الآخرين لتبلغ مقاصدها، نحن نقود في المقدمة ونقبل أخطاءنا ونصححها، وسنستمر في اعتبار الشعب الأمريكي حليفنا".
وكشف الأمير السعودي أن معلومات الاستخبارات السعودية "منعت وقوع هجمات إرهابية قاتلة على أمريكا"، فضلاً عن تأكيده دور بلاده في قيادة العالمين العربي والإسلامي.
رئيس الأمن الكويتي الشيخ ثامر الصباح صرّح أيضاً لرويترز، قائلاً: "الكويت، مثل جارتها قطر، فتحت قواعدها الجوية وأجواءها أمام قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقصف داعش، في حين نفّذت طائرات دول الخليج الأخرى طلعات جوية". وشدد الصباح على أن دول الخليج تقاسمت معلوماتها الاستخباراتية مع واشنطن، وفتحت أجواءها للطيران الأجنبي، وأجازت مرور العتاد أرضاً وبحراً، فضلاً عن إنفاق مليارات الدولارات في مكافحة الإرهاب.
- واشنطن وإيران.. وجه آخر للتعامل
واللافت للانتباه، تباين السياسية الأوبامية مع إيران وملفها النووي، والضغط المتواصل لتمرير الاتفاق، برغم التقارير الاستخباراتية التي تؤكد تورط إيران وأتباعها في عمليات إجرامية وإرهابية كثيرة، بدءاً من أحداث 11 سبتمبر 2001، وحتى تورطها في تدمير العراق واليمن وسوريا، وتدخلاتها السافرة في باقي الدول العربية.
التحرك السعودي في رسم سياسة خارجية، وتعميق علاقات أقوى مع دول أخرى، بدا جلياً في اتفاقها النووي مع موسكو، على الرغم من الخلافات الواضحة بين الدولتين في الملف السوري، الأمر الذي دفع الخبراء إلى أن السياسة الأمريكية الخارجية التي يتحرك بها أوباما دفعت الرياض إلى البحث عن الذات، وإيجاد البديل.
- توتر العلاقات.. مرحلة مؤقتة
العلاقة بين واشنطن ودول الخليج، والسعودية خاصةً، أثارت تخوفات المحللين والخبراء، الأمر الذي دفع صحيفة واشنطن بوست أن تستهل تقريراً لها بالسؤال عن مدى عمق الصداقة السعودية الأمريكية بعد قول الأمير تركي الفيصل إن بلاده "كانت أفضل صديق للولايات المتحدة في العالم العربي لـمدة 50 عاماً".
ثم علقت، عقب ذكر هذه المقولة بنصها، بالقول: لاحظ الفعل الماضي واستعمال كلمة "كانت"، ما يعني أن هذه العلاقة كانت في الماضي وانتهت.
الاكتفاء الذاتي من النفط لدى واشنطن، وعزوفها نسبياً عن نفط الخليج، دفع الخبراء إلى ترجيح أن يكون هذا الأمر سبباً قوياً في تغير أولوياتها في السياسة الخارجية، خاصةً أن واشنطن باتت دولة مصدرة للنفط والغاز وليست مستوردة لهما.
ثمة أمر آخر، وهو حرص واشنطن على الحضور في السوق الإيراني بعد رفع الحظر عن الأخيرة، وأن سوقها باتت مفتوحة للاستثمار، خاصةً أن عدد سكانها يتجاوز الـ80 مليون نسمة.
كذلك، أفول عهد أوباما في البيت الأبيض، والذي لم يبق عليه سوى أشهر معدودة، الأمر الذي أحاله الخبراء إلى اعتبار ما يصدر عنه تعبيراً عن وجهة نظر شخصية وليست تعبيراً عن السياسة الخارجية لواشنطن التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع دول الخليج منذ أكثر من 80 عاماً، آملين أن يكون الرئيس القادم له أجندته وأولوياته الداعمة للعلاقات الأمريكية الخليجية.
هذا ما أكدته مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، فرنسيس تاونسند، مبديةً تعاطفها مع الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، بعد تراجع في موقف سياسات أوباما، متسائلة عن سبب انحياز أوباما إلى إيران برغم تحذيرها المتكرر له وتجاهله نصائحها.