فهد نزار/ فورين أفيرز- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد
أعلن البيت الأبيض مؤخرا أن الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» سيزور المملكة العربية السعودية في أبريل/نيسان المقبل في جولة خارجية تتضمن أيضا ألمانيا والمملكة المتحدة. لم يكن إعلان البيت الأبيض مفاجئا: فالولايات المتحدة والدول التي تشكل مجلس التعاون الخليجي، والتي تشمل البحرين، الكويت، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، كانوا قد اتفقوا على اللقاء هذا العام خلال قمة كامب ديفيد التي تم عقدها في مايو/أيار الماضي، حيث أصدروا بيانا مشتركا يؤكد مجددا التزام الولايات المتحدة تجاه أمن الخليج.
ولكن هذه الزيارة، رغم ذلك، تأتي في وقت حرج. وذلك في أعقاب التصريحات الأخيرة لـ«أوباما» والمرشحين في الانتخابات التمهيدية الرئاسية بالولايات المتحدة، والتي وضعت التزام واشنطن تجاه المنطقة تحت تدقيق متزايد. في مقالة «جيفري غولدبيرغ» الشهيرة التي نشرت في صحيفة ذا أتلانتيك، فقد نقل عن «أوباما» قيامه بانتقاد السياسة الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية، وتساؤله عما إذا كانت المملكة العربية السعودية من المفترض أن تظل صديقة للولايات المتحدة. أثارت المقالة ردا سلبيا بشكل كبير من السعوديين على وسائل الإعلام الاجتماعية والتقليدية.
رد الفعل الأكثر بروزا حتى الآن صدر عن الأمير «تركي الفيصل»، الذي كان رئيسا للاستخبارات السعودية لمدة ما يقرب من 30 عاما، وكان سفيرا في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد انتقد «الفيصل» بشدة تصريحات «أوباما» حول مدة فاعلية العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية منتقدا إدراج «أوباما» على ما يبدو للمملكة العربية السعودية على قائمة من الحلفاء الذين وصفهم بأنهم «راكبون بالمجان».
لمح «أوباما» ضمنيا إلى أن المملكة العربية السعودية لا تفعل ما يكفي في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد رأى أيضا أن البلد قد ساهم في صعود الجماعات الإسلامية المتشددة من خلال تمويل المؤسسات الدينية والتعليمية الوهابية في جميع أنحاء العالم. من جانبهم، يشعر المسؤولون السعوديون بإحباط متزايد نتيجة لتجاهل القوى الغربية لمدى فاعلية مساهماتهم في مجال مكافحة الإرهاب وخصوص أن المملكة قد قامت باعتقال المئات من أنصار تنظيم «الدولة الإسلامية» داخل المملكة العربية السعودية واتخذت التدابير التي رأتها مناسبة لضمان أن المؤسسات التي ترعاها داخليا وخارجيا لا تقوم بنشر أي أيدولوجيات متطرفة.
صعود «ترامب»
وفي كلتا الحالتين، فإنه «أوباما» ليس فقط هو الذي يتابعه السعوديون في الوقت الراهن. في جميع أنحاء العالم، فوجئ الجميع بصعود رجل الأعمال «دونالد ترامب» كمنافس على مقعد الرئاسة. في الماضي، كان هناك اعتقاد على نطاق واسع بين السعوديين أن الإدارات الجمهورية كانت مناصرا أكثر قوة للمملكة العربية السعودية بالمقارنة بنظيرتها الديمقراطية. ولكن هذا الشعور لا يبدو أنه يمتد إلى «ترامب». في ضوء بعض تصريحاته حول الإسلام، الذي يبدو من الواضح أنه ينظر إليه كمشكلة يمكن تخفيفها عن طريق فرض حظر على المسلمين المهاجرين، فإنه يتم تصويره في وسائل الإعلام الرئيسية في المملكة العربية السعودية على أنه شخصية مثيرة للمخاوف والريبة تمثل شريحة صغيرة من السكان الأمريكيين. على الرغم من أن بعض السعوديين يعتقدون أن «ترامب» قد يقوم بتعديل وجهات نظره خلال انتخابات العامة لتوسيع الشريحة الداعمة له فإن البعض الآخر لا يزال يخشى أن خطابه المفعم بالإسلاموفوبيا سوف يؤدي إلى رد فعل عنيف ويعزز صفوف جماعات إسلامية متشددة في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت نفسه، فإن بعض أشد منتقدي الولايات المتحدة قد صرحوا أن «ترامب» يمثل الوجه الحقيقي للولايات المتحدة. حقيقة أن «ترامب» قد قام بانتقاد المملكة العربية السعودية عبر حسابه على تويتر بسبب خلاف مع الملياردير السعودي الأمير «الوليد بن طلال»، قد أضرت أيضا بجاذبيته.
على الرغم من عدم إجراء استطلاع شامل لقياس حقيقة شعور السعوديين حول احتمالات رئاسة «ترامب»، فإن عشرات من عناوين الصحف ومئات التعليقات على تويتر تشير إلى أن معظم السعوديين لن يرحبوا بذلك. وقد غطت وسائل الإعلام السعودية بابتهاج الجو المشحون عاطفيا الذي ميز العديد من مسيرات «ترامب»، فضلا عن بعض الحوادث العنيفة التي وقعت بين مؤيديه ومنتقديه. وفي الوقت نفسه، فإن «ترامب» يبدو مترددا، أو ربما غير قادر، على الحديث عن أي من تفاصيل العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ما يجعل من الصعب التنبؤ إذا ما كان سيسعى لتعزيز العلاقات مع السعوديين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مستشاري السياسة الخارجية الذين سماهم في وقت سابق من هذا الأسبوع، بما في ذلك «وليد فارس»، ليسوا من الداعمين لوجود علاقات ثنائية قوية.
و«كلينتون» أيضا
هذا لا يعني أيضا أن «هيلاري كلينتون»، أبرز مرشحي الحزب الديمقراطي، تلقى حماسا واسعا بين السعوديين أيضا. من المؤكد أن «كلينتون» تثير حماس شريحة من السعوديين بما في ذلك كاتبة سعودية بارزة قامت بالتغريد لدعم «كلينتون»: «ليس لأنها امرأة ولكن لأنها تحمل رسالة نبيلة للحقوق المدنية من شأنها أن تؤثر بشكل إيجابي على العالم بأسره»، ولكن قدرا كبيرا من هذا الدعم يعود إلى حقيقية أنها ليست «دونالد ترامب». وتشير بيانات الحملة الانتخابية أن «كلينتون» قد تكون من المساندين للأوضاع الكلاسيكية في التعامل مع الشرق الأوسط بما في ذلك العلاقات القوية مع المملكة العربية السعودية.
على أية حال، بالنسبة لبعض السعوديين، قد يبدو كلا الخيارين أفضل قليلا (أو على الأقل ليسا أسوأ بكثير) من «أوباما» الذي يشار إليه تقليديا على أنه أسوأ رئيس للولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. كي نفهم لماذا، فإنه يجدر بنا تذكر الخطاب الشهير الذي ألقاه «أوباما» في جامعة القاهرة في عام 2009 والذي نصب نفسه خلاله كمضاد لسنوات «جورج بوش». ربما أصيب السعوديون بخيبة أمل نتيجة هذه التوقعات المرتفعة. في الواقع، فإن مقالا كتب مؤخرا في صحيفة عكاظ ذائعة الصيت قد وصف المخطاب المشار إليه باعتباره خدعة كبيرة. وكتب آخرون مقالات رأي في صحف واسعة الانتشار مثل الرياض، الوطن والمدينة وصف خلالهما «أوباما» بالضعف والتناقض وربما النفاق.
إدارة «أوباما» وفقدان الثقة
وكان دعم «أوباما» الأولي للربيع العربي في عام 2011 قد أوحى للكثيرين أنه كان رجل مبادئ. ولكن الكثير من السعوديين كانوا يشعرون بالقلق إزاء الآثار المزعزعة للتغييرات المفاجئة في المؤسسات السياسية والاجتماعية، وقد نظروا إلى تخلي «أوباما» عن حليف الولايات المتحدة طويل الأمد، «حسني مبارك»، بشيء من القلق. وكان «مبارك» يعد واحدا من حلفاء السعودية الأكثر موثوقية في المنطقة، وقد نظر إلى الإطاحة به ليحل محله في النهاية «محمد مرسي»، الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، على أنه انقلاب في النظام السياسي في مصر وربما في نظام الشرق الأوسط بأكمله. وطالما ألقى السعوديون باللوم على الإخوان الذين طلبوا اللجوء في المملكة من القمع في مصر وسوريا في الخمسينات والستينات لإدخال الإسلام السياسي إلى المملكة العربية السعودية. قامت الحكومة السعودية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية في عام 2014، على الرغم من أن موقف الملك «سلمان» تجاه الجماعة يبدو أكثر غموضا من سلفه الملك «عبد الله».
كان نقطة التحول في نهاية المطاف عندما قرر «أوباما» تغيير موقفه بخصوص الضربات الجوية ضد قوات الرئيس السوري «بشار الأسد» بعد عبوره الخط الأحمر الأمريكي باستخدام الأسلحة الكيميائية في صيف عام 2013. بالنسبة للمسؤولين السعوديين، فإن سوريا هي البقة التي يجب أن يتم فيها إيقاف التدخل الإيراني في العالم العربي. وقد قاموا بالتأكيد مرارا وتكرارا على أن وحشية «الأسد» هي ما تتيح للدولة الإسلامية الاستمرار في تجنيد الأتباع من مختلف أنحاء العالم.
وهكذا، في الوقت الذي بدأت فيه المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى فقد كانت الشكوك السعودية تجاه «أوباما» تتنامى بشكل ملحوظ. البلد الذي لا يزال يعتبر إيران تشكل تهديدا لأمنه ومصالحه في المنطقة كان قلقا من أن صفقة كهذه من شأنها أن تزيد من جرأة طهران في رعايتها لعدم الاستقرار في المنطقة. أرادت الرياض أن تحصل على تأكيدات قوية من واشنطن أن الاتفاق سيتضمن أحكاما من شأنها أن تسمح بفرض عقوبات حال قامت إيران بالالتفاف على بنود الاتفاق.
ويبدو أن الولايات المتحدة قد نجحت بشكل كبير في تبديد مخاوف المملكة بخصوص الاتفاق. على الرغم من أن الرياض قد قدمت في نهاية المطاف دعمها الرسمي للاتفاق فإنه لا يزال ينظر إليه بشكل كبير من قبل السعوديين على أنه استسلام من قبل الولايات المتحدة. هناك عدد من المقابلات التي أجراها «أوباما» خلال الأشهر الماضية والتي أوضحت أنه يرى إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي كمفتاح للاستقرار في الشرق الأوسط وهو أمر يبدو صادما لشعور معظم السعوديين.
وبالنظر إلى هذا السجل، فإن «كلينتون» قد تمثل فرصة لتحقيق بعض المكاسب الهامشية في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، حيث يبدو أن لديها مزيد من التقدير لقيمة العلاقات مع المملكة العربية السعودية مقارنة بـ«أوبام»ا. يجب أن يكون السعوديون قد سعدوا على سبيل المثال بسبب إشارة «غولدبرج» إلى كون «كلينتون»، بوصفها وزيرة خارجية «أوباما» خلال فترته الأولى، قد دعمت توجيه رد صارم ضد «الأسد» خلال المراحل المبكرة من الصراع. كما تم الترحيب بتصريحاتها خلال الحملة والتي تشير إلى أنها، على عكس «أوباما»، تعتقد أن الولايات المتحدة عليها المساعدة في إنهاء إراقة الدماء في سوريا من خلال تبني دور أكثر حزما بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا. لا تبدو «كلينتون» أيضا بذات حرص «أوباما» على التقارب مع إيران وهي تتخذ بشكل عام مواقف أكثر تشددا تجاه السياسات الإيرانية في المنطقة.
«ترامب»، من ناحية أخرى، ربما يعني الدخول في حقبة أكثر تعقيدا بشكل ما. وقد أكد في مناظرته الأخيرة أن إرسال 30 ألف جندي إلى سوريا قد يكون ضروريا لتدمير «الدولة الإسلامية». ومع ذلك فإن تأطيره التبسيطي للعديد من المشاكل السياسية والاجتماعية المعقدة لا يوحي بقدر كبير من الثقة من قبل معظم السعوديين. وعلى الرغم من أن «ترامب» قد وعد بإعادة النظر في اتفاق إيران النووي حال أصبح رئيسا فإن صورته في أذهان السعوديين قد شوهت بشكل لا يمكن إصلاحه.
وفي كلتا الحالتين، وفي ضوء النظرة السائدة بأن الولايات المتحدة قد شرعت في التراجع عن ممارسة دورها التقليدي كشرطي الشرق الأوسط، فقد دعا عدد متزايد من السعوديين إلى تقليل اعتماد المملكة على الولايات المتحدة في المسائل الأمنية. كانت البداية فقط بالتحالف العسكري الذي قادته السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وصولا إلى التحالف الإسلامي الذي يهدف، وفق المعلن، إلى القضاء على جميع التهديدات الإرهابية بصرف النظر عن تصنيفاتها الطائفية. ومع ذلك فإن القليل من السعوديين يدعون إلى فك كامل للارتباط. يواصل السعوديون شراء أسلحة الولايات المتحدة بمليارات الدولارات، وهناك الآلاف من السعوديين الذين يزورون الولايات المتحدة للتعليم والسياحة والعلاج. وهكذا فإنه، وبصرف النظر عن هوية الرئيس، من المرجح أن تستمر المملكة العربية السعودية في علاقاتها مع الولايات المتحدة لأنه لا يوجد الكثير من الخيارات الأخرى.